في ظل انشغال الأونروا ببرامجها المالية المحدودة، و«استغلال» المدارس الخاصة في البقاع للحظر المفروض على الأساتذة الفلسطينيين في مزاولة مهنة التدريس، يرزح هؤلاء تحت نير ظروف إنسانية صعبة، فيضطرون إلى الرضوخ تارة، وإلى العمل في الدروس الخصوصية تارة أخرى
البقاع ــ رامح حمية
بين ثنايا مخيم «ويفل» ـــــ بعلبك الذي لا تتجاوز مساحته 42 دونماً، ثمة أكثر من 50 أستاذاً فلسطينياً لم تشملهم عناية مدارس الأونروا، فاضطروا إلى التعاقد مع مدارس خاصة في البقاع، برغم أن شروط التعاقد «استغلالية» لجهة القبول براتب لا يتجاوز 300 ألف ليرة. إلا أنها تبقى أفضل من البطالة والبقاء في أشباه منازل المخيم. وما يزيد مرارة هؤلاء، الفارق الكبير بين وضع الأستاذ في الأونروا والأستاذ الفلسطيني في المدارس الخاصة اللبنانية: فالأول يتقاضى مليوناً وأربعمئة ألف، إضافة إلى مخصصات العائلة، فيما يبدأ الثاني بـ300 ألف، وينتهي بـ600 ألف ليرة، بحسب ما أكد كارم طه أمين سر اللجنة الشعبية في حديث لـ«الأخبار». ويرى طه أن الأساتذة الفلسطينيين من أبناء مخيم الجليل ـــــ بعلبك «يتعرضون لأبشع أنواع الاستغلال من مديري المدارس والثانويات الخاصة في البقاع»، مشدداً على أن تغييب حقوق اللاجئين المدنية، حتى بعد التحسينات الطفيفة التي طرأت على القوانين المتعلقة بهم أخيراً «لا يبرر استغلال الإنسان لأخيه الإنسان». أكثر من 50 أستاذاً من مخيم الجليل «من ذوي الكفاءة والخبرة وحملة الإجازات» مستغَلون إذاً، والذريعة دائماً أن الفلسطيني غير مسموح له بالعمل، فإن كان عملهم ممنوعاً، «فلم يخالف المديرون إذاً القانون بإدخالهم الأستاذ الفلسطيني ضمن كوادرهم التعليمية؟ (يسأل مستطرداً) وما داموا يُشغَّلون، فليُعطَوا أجوراً تتناسب وكفاءتهم».
الأكثر من ذلك، أن أساتذة مخيم الجليل يتعاقدون لتسعة أشهر فقط، هي مدة العام الدراسي الواحد، من دون أشهر الصيف، بعدد ساعات يتجاوز 30 ساعة أسبوعياً، وبدوام متفرغ؛ إذ ليس من الممكن للأستاذ الفلسطيني أن يغادر المدرسة طوال الدوام، بذريعة إمكان غياب أحد الأساتذة، حيث يجب عندها أن يحل مكانه.
المشكلة لا تكمن في تدني الراتب، بل في التأخير في دفعه
وبغية عدم إحداث أي ضرر للأساتذة الفلسطينيين، وبالتالي زيادة «طين التمييز تجاههم بلة»، استخدم هؤلاء في حديثهم إلينا أسماءً مستعارة، مبتعدين عن ذكر المدارس التي يدرّسون فيها أو حتى المواد واختصاصاتهم. «سمر» إذاً، معلمة في إحدى ثانويات البقاع الخاصة ـــــ المجانية، رأت أن الأستاذ الفلسطيني يعيش «معاناة حقيقية بسبب الاستغلال الوقح» من المدارس، ويتجلى ذلك بالعقد الذي يتفرغ فيه الأستاذ كما ذكرنا لأكثر من 30 ساعة أسبوعياً لقاء بدل شهري 300 ألف ليرة. وتضيف: «يعني أقل من الحد الأدنى الرسمي للأجور اللبناني»، دون النظر إلى المستوى العلمي؛ «فالإجازة أو الماجستير لا يغيران في الأمر شيئاً»، ذلك أن الهدف المادي لدى المدرسة الخاصة هو الأساس، بحسب رأي المعلمة الفلسطينية التي تضيف: «وأديش فيهم يوفروا على حالهم بيوفروا، دون أن يكون للأستاذ ومستواه أي اعتبار أو احترام»، مشددة على أن «الرضوخ للمبلغ الزهيد» يعود إلى الحاجة وإلى عدم «امتلاك أي خيار آخر، وخاصة أن البديل هو المكوث في المنزل وعدم مساعدة زوجي في توفير احتياجاتنا». سمر لا تقف عند هذا الحد، بل تسعى بعد إنهاء دوامها في المدرسة الخاصة إلى استقبال سبعة تلامذة من خارج المخيم بعد ظهر كل يوم، لإعطائهم دروساً خصوصية، بأجر 30 ألف ليرة للساعة الواحدة. والدروس الخصوصية هي الحل الذي يعوّل عليه عدد من هؤلاء الأساتذة، ومنهم «حسام»، الذي لم تنفع محاولاته للدخول إلى مدارس الأونروا في مخيم الجليل، فلجأ إلى إعطاء دروس خصوصية بعد دوام المدرسة الخاصة، فضلاً عن شغل وظيفة ناظر في مدرسة أخرى براتب 500ألف ليرة، علماً بأن أجره وصل إلى «هذا الحد»، بالنظر إلى المسافة التي يقطعها من المخيم إلى المدرسة. ويشير حسام إلى أن المشكلة لا تكمن فقط في تدني قيمة الراتب، بل في التأخير في دفعه فترات طويلة، تصل في بعض الأحيان إلى تراكمها من عام دراسي إلى آخر «وبتقدرش تحكي إشي أو تناقشهم.. وبكل بساطة بيقولولك فلّ ما عدنا بحاجة إلك» كما يقول.
عدد من مديري المدارس والثانويات الخاصة في البقاع، ممن تعاقدوا مع مدرسين فلسطينيين، رفضوا التعليق والإدلاء بأي تصريح، واكتفوا فقط بتوضيح مدى المخاطرة والمسؤولية التي تتحملها إدارة المدرسة، لجهة التعاقد مع فلسطينيين غير مسموح لهم بالعمل، وخاصة أن ذلك مخالف لتعاميم وزارة التربية، وأشاروا إلى أنهم يعمدون عند التفتيش التربوي إلى إبعادهم عن الأنظار «للحفاظ عليهم ومساعدتهم».
ويلفت محمود كرزون، أحد مسؤولي المخيم، إلى أن بعضاً من المسؤولية في «اضطهاد» الأستاذ الفلسطيني من المدارس الخاصة، تتحمله الأونروا التي تقف عاجزة منذ سنوات عن ضم الأساتذة إلى كادرها التعليمي، سواء في المتوسطة أو الثانوية، فالمعالجة بحسب رأيه تكمن في دفع الأونروا إلى تحمل مسؤوليتها وضم الأساتذة إلى كادرها التعليمي. فهو يرى أن المدارس الخاصة عبارة عن مشاريع يفتش أصحابها عن الربح، «وما فيش عندنا الحق بالضغط عليهم لزيادة رواتب الأساتذة، فيقولولك حبك تعلم أهلا وسهلا، وما حبك منشوف غيرك» يقول كرزون. معلمو مدرسة الأونروا، الذين لا يتجاوز عددهم خمسين أستاذاً، موزعون على صفوف تحوي في كل منها أربعين تلميذاً، وعندما طُرحت فكرة تقسيم الصفوف الكبيرة إلى شعبتين، وبالتالي إدخال عدد من الأساتذة في ملاك الأونروا، يؤكد كرزون أن الرد كان دائماً «أنه لا مجال لافتتاح صفوف جديدة، وخاصة أن الأونروا تعاني تقليصاً كبيراً في حجم الأموال من الدول المانحة».


مسؤول في الأونروا أوضح لـ«الأخبار» أن «الأونروا لديها برامج متكاملة في كل مخيمات لبنان، وتعتمد على مبادرات وتمويل من الدول المتبرعة؛ ففي مخيم نهر البارد دُفعت ملايين الدولارات، وحتى اليوم لم نصل إلى نتيجة». وفي صور برنامج لأبناء 330 وحدة سكنية في صور، وكل ذلك يسير وفق خطة متسلسلة؛ «إذ لا يمكن الولوج حالياً في إضافة موازنة جديدة وفتح صفوف؛ لأن برنامجنا المالي محدود». وأشار إلى أنهم في مدارس الأونروا ينظمون مباراة باستمرار لضم أساتذة، لكنّ بعضهم لا يتقدم للمشاركة، مشيراً إلى أنه «استوعب ستة أساتذة هذا العام، وأن عدداً منهم مسجل على لائحة الانتظار».