سعيد عقل

شعرتُ بالحزن الشديد وأنا أقراً في عدد الاثنين 11 تموز/ يوليو مقالاً بقلم سماح إدريس عن تكريم الشاعر الكبير سعيد عقل أخيراً في بكركي، والمقال تحت عنوان «تكريم سعيد عقل: كم أكره اللبنان!».. والحزن انتابني لأسباب عديدة أعتقد أن من الضروري البحث فيها في زمن أقلّ ما نحتاج فيه إلى لغة هادئة وموضوعية ومنصفة في السياسة والفن وفي مختلف الميادين الوطنية والاجتماعية والثقافية..
بادئ ذي بدء، أعتقد أن مناسبة تكريم شاعر كبير بحجم سعيد عقل، لا توجب هذا الاستغلال للمناسبة لصب هذا الغضب الكبير على جمهور ثقافي واسع من محبي سعيد عقل، الشاعر الذي يعتبر اليوم كبير شعراء العصر من العرب. والحكم على عبقرية شاعر لا يجوز بالتعبير عن امتعاض ما من موقف سياسي سابق له. فالحديث في السياسة شيء والحديث في الشعر شيء آخر، وشتّان ما بين العالمين.
أما في ما خص الحديث المنسوب إلى سعيد عقل لإحدى المحطات الإسرائيلية، فأعتقد أن من غير اللائق اليوم التذكير بمواقف سياسية سابقة خلال فترة الحرب، كانت لها ظروفها وأسبابها ومبرراتها التي، وإن أراد البعض العودة إليها، وجب العودة أيضاً إلى مراجعة تاريخ ومواقف جميع الأحزاب والحركات والتيارات اللبنانية من دون استثناء، لتظهر للرأي العام الارتكابات والخطايا الكبرى لأحزاب تشارك اليوم في السلطة. وأعتقد أنه لمرة واحدة، ودفناً للأحقاد ومنعاً لنكء الجراح، يجب إقفال ملف الحرب بشكل نهائي وعدم استغلاله تحت أي ظرف أو حجة في المدى القريب أو المدى البعيد، وعدم العودة إليه في كل مرة يرغب فيها أحد منّا في توجيه ضربة سياسية للآخر. فالكل أصاب في بعض مراحل الحرب دفاعاً عن النفس، والكل أيضاً ارتكب المخالفات.
وفي ما يتعلق بلبناننا ولبنانكم، فمن المعيب ومن غير اللائق الفصل بين اللبنانيين، وحصر تاريخ لبنان وواقعه بفئة معينة لا تستحوذ محطاتها السلوكية دائماً على إجماع اللبنانيين وتأييدهم، فالرئيس بشير الجميّل كما المفكر فؤاد أفرام البستاني ومي المر وجميع مَن أتى المقال على ذكرهم لهم مَن يؤيد فكرهم ونهجهم، الذي نؤمن أنه يشرّف كل مواطن حر، وكل مثقف لبناني تقدمي.. كما أعتقد أن مَن أتى على ذكرهم المقال بالتأييد والمديح أيضاً من سعيد تقي الدين ورئيف خوري والشيخ عبد الله العلايلي وغيرهم هم من الأسماء التي يتشرّف بها جميع اللبنانيين ولا شك عندي في هذا الكلام... واستطراداً، هل بلغنا مرحلة الفصل بين الشهداء؟؟
يبقى أن أقول إن أدبياتنا في التخاطب وتقاليدنا لا تسمح لنا بالتهجّم على امرئ بلغ المئة من العمر، مع علمي اليقين بسعة عقل هذا الرجل الشاعر، على رغم ما بلغ من سنين..
باتريك رزق الله