مشهد اللقاء بين وفدي «فتح» و«حماس» في القاهرة، والذي خرج بعده الطرفان ليعلنا الاتفاق على القضايا الخلافيّة، لا شك أنه خبر سارّ للكثير من الفلسطينيين، الذين سئموا من حال الانقسام والمناكفات المرافقة. كثير، وليس كل الفلسطينيين، على اعتبار أن جزءاً لا بأس به مستفيد من حال الفراق التي كانت قائمة بين الفصيلين الكبيرين، ليحجز له مكاناً على الخريطة السياسية، ولا سيما في الضفة الغربية. جزء سيعمل في المرحلة المقبلة على وضع العصيّ بين عجلات مسار إنهاء الانقسام، لتضاف إلى ما ستحاوله إسرائيل والولايات المتحدة وبعض دول المنطقة، التي وجدت نفسها فجأة على هامش العملية التي قطفت مصر ثمارها بالكامل.لكن، بغضّ النظر عن محاولات إسقاط الاتفاق من أطراف خارجية، يكمن السؤال في ما إذا كان الاتفاق نفسه يحمل بذور الاستمراريّة والجديّة من الطرفين، وما إذا كانت بنوده المتفق عليها ورقيّاً ستصمد في لحظة التطبيق على أرض الواقع، ولا سيما أن هذا ليس الاتفاق الأول، فسبقه أكثر من تفاهم وتوافق، أبرزها اتفاق مكة في عام 2007، الذي لم يصمد سوى أيام قليلة قبل أن يؤدي إلى كارثة الاقتتال الداخلي والحسم العسكري.
اتفاق القاهرة الجديدة يأتي في ظل متغيّرات إقليمية وحسابات سياسيّة دفعت بالطرفين إلى الموافقة السريعة على صيغته الجديدة بصورة مفاجئة، ومن دون أي سابق ترتيب. فخلال خمس ساعات فقط لا غير، تمكّن وفدا «فتح» و«حماس» من تذليل كل العقبات التي كانت تعوق توصلهما إلى اتفاق خلال السنوات الثلاث الماضية. تغيير القيادة في مصر أدى دوراً أساسيّاً في هذا المجال، فالطرفان يسعيان إلى نيل رضى «مصر الجديدة» الخارجة من الثورة بأجندة سياسيّة مختلفة، لكن ذلك لا يعني الاقتناع الكامل بإمكان تطبيق ما جرى الاتفاق عليه على أرض الواقع.
خمس ساعات كانت كافية فقط لتذليل الخلافات الخاصة بالمحاصصة الثنائية على الساحة الفلسطينية. هذا ما يظهره ما تسرّب من بنود من الاتفاق: لجنة أمنية، حكومة، لجنة عليا لمنظمة التحرير، لجنة انتخابية، محكمة انتخابات ومواعيد للانتخابات المتزامنة وقوانينها. الجامع بين هذه العناوين كان «التوافق بين الفصيلين» على الأسماء والتواريخ والوزراء وغيرها من بنود تشير إلى المحاصصة واختصار المشهد الفلسطيني بهذين الطرفين، رغم أن أراضي الضفة الغربية وقطاع غزّة ليست غائبة عن المتغيّرات الحاصلة في العالم العربي، والتي تظهر الخروج على كل القوى السائدة.
خمس ساعات للمحاصصة غابت عنها السياسة، التي تمثّل عنصر الانقسام الأكبر بين الطرفين، سواء في ما يتعلق بالموقف من المقاومة أو العمليّة السياسيّة، أو شكل الحكم (إسلامي أو علماني)، أو برنامج الحكومة وتعاطيها مع واقع الوجود الإسرائيلي والتداخل القائم في العلاقات، وخصوصاً في الضفة الغربية.
هي المواد الخلافيّة الحقيقية التي حاول الجانبان تجنّب الخوض فيها حرصاً على تأمين «اتفاق». لكن حتى في ظل غياب هذه العناصر، فإن حظوظ تطبيق الاتفاق على الأرض قد لا تكون مرتفعة، ولا سيما عندما تصل إلى النقطة الأمنية، التي قد تكون المعضلة الأكبر في ظل وجود جهازين منفصلين تماماً، إن من الناحية التنظيمية أو العقيدة القتاليّة أو أسلوب العمل. وعلى هذا الأساس، فإن عمليات الدمج والاستيعاب للعناصر لتكون في إطار جهاز موحّد دونها الكثير من العقبات، التي لن يكون تطبيقها سهلاً.
الأمر نفسه بالنسبة الى باقي البنود الخاصّة بـ«التوافق»، وهي الغالبة في الاتفاق. فالتوافق على رئيس الحكومة والوزراء والقضاة وأعضاء اللجان الانتخابية لن يكون على أرض بسهولة ما هو مكتوب على الورق. فالتجربة السابقة بعد اتفاق مكّة لا تزال ماثلة في الأذهان، حين علّق تأليف حكومة الوحدة الوطنية أكثر من شهرين في ظل الخلاف على اسم وزير الداخليّة، وبعد الاتفاق عليه، لم تصمد الحكومة أكثر من أيام لتسقط في السابع من حزيران مع الاقتتال الداخلي.
اتفاق المصالحة خطوة كبيرة إلى الأمام، لكنه بالتأكيد ليس نهاية الطريق. فبين الورق والأرض مسافة غير قصيرة قد تكون مهمة التوفيق بينهما هي الأصعب، وتمثّل محكّ جديّة وصمود لما جرى التوصل إليه، هذا إذا نُحِّيت المحاولات الخارجيّة لإسقاط الاتفاق جانباً.