يغلب على التفكير السياسي اليومي، الذي يهيمن فيه الخطاب الإعلامي في لبنان، الميل إلى اختزال بنية الدولة بالنظام السياسي، واختزال النظام السياسي داخلها بتركيبة السلطة. ويجرّ هذا الاختزال المركب إلى إغفال الأنظمة الأساسية الأخرى في بنية الدولة، كأنظمة الاقتصاد والقضاء والإدارة والثقافة، ومتفرعات كلّ منها. ولذلك، غالباً ما يسود الظن بأنّ إسقاط النظام السياسي الطائفي يؤدي بالضرورة إلى خروج الدولة اللبنانية من أزمات تشكلها المهددة للكيان أحياناً.ويغلب على الثقافة السياسية المهيمنة اعتبار أنّ النظام السياسي الليبرالي صُمِّم قبل الاستقلال، وتشرعن بعده، ليُلائم التركيبة الطوائفية الفريدة للكيان ويتماهى معها. كما يُعدّ أنّ هذا النظام (Système) يعمل كما يظن دعاته الطائفيون، بمنطق يضمن تجدده وأداء وظائفه بفعل الترابط التلقائي لمكوناته ومؤسساته. ويضمن بالتالي تجدد بنية الدولة على نحو يحفظ فرادة الكيان ويعزله، كما يظن دعاته، عما يضيره من التغيرات السياسية والاقتصادية الإقليمية التي حكمت وتحكم تشكيله.
وهنا نذكِّر بأنّ هذا الفهم السائد في الثقافة السياسية المهيمنة، في أوساط نخب الطوائف، إنما يرتكز على اعتبار أنّ هوية كل لبناني تتحدد أساساً بإيمان طائفته وشرعها، وأن هوية الطائفة تتحدد بذاتها وبما توفره لها المراجع والمؤسسات الدينية، في داخل البلاد وخارجها، من إيمان وشرع. هكذا تصبح هوية متجوهرة ومتجاهلة الظروف الإقليمية والدولية التي تضافرت خلال القرن التاسع عشر، لفرض قيام الكيان الملائم لتميز الدور الذي قدّر له أن يؤدّيه في المشرق وبالحدود التي وضعتها رئاسة الأركان الفرنسية عشية صياغة بروتوكول المتصرفية عام 1861. صياغة باركها قداسة البابا خطياً عام 1920 (1). في ظلّ تلك الظروف الإقليمية والدولية التي شكلت، ما سُمي آنذاك المسألة الشرقية، جرى تحديد مواقع الطوائف وأدوار مؤسساتها وزعاماتها السياسية في بناء الكيان، وتحديد توزع السلطات بينها، واستثمار تلك السلطات في دعم تحالفاتها الخارجية، دفاعاً عن مواقعها في إدارة الحكم.
لقد وفرت هذه الثقافة الطائفية السلطوية، الشروط الإيديولوجية الملائمة لتحصين المنهج الليبرالي في إدارة النظام الاقتصادي والثقافي، وفي اعتماد التشريعات الملائمة لنهج مركزية الإدارة العامة في البلاد.
وهنا نُشير إلى ما ارتكز عليه نهج الليبرالية اللبنانية الطوائفية، في إدارة النظام الاقتصادي داخل الدولة. فعملت على حصر استثمار الموارد البشرية ومزايا الموقع الجغرافي في إنتاج خدمات الوساطة في أسواق المشرق، كما عملت على ربط ظروف نمو هذه الموارد بالتحوّلات التي شهدتها المنطقة منذ الاستقلال إلى الآن. والاختلالات الداخلية والإقليمية التي واجهت التخلع الطائفي للنظام السياسي، وصولاً إلى الحروب الأهلية، انعكست في تعويق الأداء الليبرالي للنظام الاقتصادي وفي ما نتج عن هذه الحروب من تدهور مزايا وحظوظ الموارد الاقتصادية اللبنانية في أسواق المشرق والخليج خاصة، وفي ما نتج من سلبيات على مستوى البطالة وتراكم العجوزات والمديونية. إلّا أنّ التوزيع الطائفي للسلطة والهويات، وتعمّق الارتهانات الخارجية الدينية والسياسية، الذي ظلّ يهدد بناء سلطة مركزية تصون الأدوار البنيوية الضرورية للنظام والكيان، كانا يتجاوزان أزماته ويصمدان أكثر من أنظمة عربية كثيرة، بفعل تحفّز القوى الخارجية المستفيدة من فرادة نظامه على الوصول إلى مساومة ما، تتجسد بوصاية قادرة على تجديد النظام السياسي.
ونذكِّر هنا بأنّ إسقاط النظام السياسي المختزل في شعارات النخب الشبابية إلى منظومة الزعامات المتوارثة في السلطة والمترسخة بفعل التشريعات المجدده لامتيازاتها، ومنها قوانين الانتخابات النيابية والبلدية خاصة، هو إسقاط متعذر حكماً، إذا ما بقيت أسس النظام السياسي محصنة. فهي محصنة بالحمايات الخارجية للدول المستفيدة من النظام على الصعيد الإقليمي من جهة، وبالحماية الداخلية لأصحاب النظام الاقتصادي الريعي وطغمته التجارية والمصرفية من جهة أخرى. هذا النظام الذي لا تتكامل فيه موارد البلاد، وتتعرض في ظلّه لأشكال الاستيراد الإغراقي، والى ما يعطل الترابط العضوي للقطاعات ولمصالح الجماعات في المناطق، ويوسع من هيمنة الآليات المعولمة المتحكمة في أنظمة النقد وتحويله من خلال آليات تحرير الأسواق التجارية والمالية وتحريك الاستثمارات الخارجية. ونحن نعلم أنّ أيّ تغيير في إدارة النظام الاقتصادي غير متوافرة في الظروف الراهنة، لفرض الخيارات البديلة عنه في لبنان، بسبب انشغال الأحزاب والقوى الاجتماعية السياسية المعارضة عن الآليات النيوليبرالية المنفلتة على استغلال الأسواق الداخلية، وتعطيل القدرات الشبابية بالبطالة والهجرة.
ولا بد من التذكير أيضاً بأنّ إمكانات التغيير الديموقراطي للنظام الثقافي والتعليمي، وهو النظام الأكثر تحصيناً وتجديداً للنظام السياسي الطائفي، لا تبدو هي الأخرى، حتى الآن، متوافرة لدى الحركات الاجتماعية التي ترفع شعارات تغيير النظام. فهي حركات منفعلة، في الغالب الأعمّ، على نظام التعليم الحكومي، ولا تتوافق على بلورة أيّ نظام تعليمي بديل عنه، أكثر مدنية وأقل طائفية. على العكس، هي تذهب بعيداً في ترسيخ النظام القائم الذي تتوسع فيه مؤسسات التعليم الطوائفية، العاملة دائماً على إنتاج الوعي الضروري للدفاع عن قيام وتجدد النظام السياسي الطائفي، وتقوم كلما ألحت الحاجة بدور التعبئة، عندما تحتدم المواجهات بين أطراف النظام السياسي المتموضعة في محاور الصراعات الإقليمية والدولية.
وإذا ما أخذنا بعين الاعتبار والمسؤولية، غلبة طابع العفوية لدى النخب الشبابية المعارضة المطالبة بإسقاط النظام الطائفي، وتَذَكَّرْنا بأنّ تلك النخب والفئات المتشبهة على امتداد عقود من الزمن بالامتدادات الخارجية للأحزاب غير الطائفية وتكيّفها مع القوى والتيارات السياسية الطائفية الحاكمة، نخلص إلى القول إن شعارات التغيير الديموقراطي لتلك النخب الشبابية، ذات الميول المتفاوتة في التحيز للعلمانية، يمكن أن تستقطب جماهير الطوائف المتضررة إجمالاً من الأنظمة المكوّنة لبنية الدولة الطائفية. وهي جماهير تجد نفسها محرومة في ظل هذه البنية من فرص العمل والعيش والتعليم المنافس في أسواق العمل المتطورة. ويمكن هذه النخب المعارضة أن تستثمر ذلك الاستقطاب في شعارات تعبّر عن برامج متبلورة ومسؤولة، وأكثر قرباً من الأسس المدنية التي ارتكز إليها الدستور اللبناني، كما أنّه يمكن تلك النخب والفئات المعارضة أن تكون أكثر فطنة في تجاوز ما ألحق بالدستور من إضافات وتأويلات، ترسّخ الهويات الطائفية على حساب هوية المواطنية، كما يمكنها أيضاً أن تستثمر استقطاب جماهيرها بأساليب أقل استثارة، إن لم نقل أقل استفزازاً في الضغط السياسي، من أجل تجاوز مركزية الهدر والزبائنية في نظامي التمثيل النيابي والإدارة، والدفع باتجاه إدارة مناطقية تنموية.
وتعمل تلك الإدارة المناطقية التنموية في ظلّ نظام لامركزية إدارية يمكّن النخب الليبرالية والديموقراطية من تجاوز الانفعال العصبوي للطوائف ومن تحقيق الكثير من أهدفها، حتى لو استمر العمل في نظام التمثيل البرلماني الطائفي بالمناصفة. لكن هناك شرط، هو أن تعمل تلك النخب لتوفير الضغوط السياسية الكافية لإقرار تشريعات ملائمة على الأقل، كقانون انتخاب يعتمد النسبية على مستوى المحافظات، إضافةً إلى قوانين إصلاحية أخرى للأحزاب والجمعيات والبلديات والأحوال الشخصية.
وتقديراً منا لنبل الأهداف التي تتوخاها نخب الشباب اللبنانيين المنتفضين ضد الطائفية السياسية، ومن أجل بناء الدولة المدنية على طريق العلمانية، نرى أنّ الجماهير المتضررة يمكن أن تُستمال تدريجياً إلى تجاوز نظام الطائفية السياسية، وإلى تجاوز أسسه التشريعية واحداً واحداً. فشعار إسقاط النظام الطائفي، بالجملة، غالباً ما يستفز قناعات الجماهير الطائفية، المتشكلة على امتداد عقود طويلة. لذلك حاولنا اليوم أن نجيب عن سؤال كبير، يدور حول كيفية إسقاط النظام الطائفي من خلال منطق التدرج في إسقاط التشريعات البنيوية المُحصنة له، باعتبار أنّ إسقاط النظام لا يجوز أن يُفهم إلا كعملية. ولذلك، اخترنا أن نفصّل في إسقاط أحد أركانه، ألا وهو المركزية الطوائفية، وتثمير استقطاب الفئات المتضررة من هذه المركزية في الضغط من أجل إسقاطه بالجملة.
وغنيّ عن البيان أنّ الطابع التنموي لنظام اللامركزية الإدارية الموحد للجماعات في المناطق، يمكن أن يقوم على انتخاب مجالس أقضية لا تُنتخب على أساس القيد الطائفي. مجالس يتآلف في ظلها الناس تحقيقاً لمصالحهم في ترقية استثمار مواردهم. وقد خبر الناس في المناطق اللبنانية، على امتداد قرون، البعد الإنساني للتآلف المعيشي في الأرياف، كما في المدن، وما بدّلوا إلّا تحت تأثير الترهيب والتعبئة في ظروف التأزم واختلال التحاصص بين أطراف الطبقة الحاكمة.


من التحدي السياسي إلى التحدي التنموي

إنّ عملية التغيير الديموقراطي، المعزّزة لروح التشريع المدني في الدستور اللبناني، هي عملية نضالية وتكاد تكون من أرقى وأصعب العمليات المطلوبة لبناء المواطنية في تعددية ديموقراطية. تعددية يتحوّل معها لبنان من اتحاد المحميات الطائفية الموجهة من الخارج، إلى دولة قادرة على تثمير موارد الكيان، وتطوير أسواقه في مواجهة آثار العولمة الإغراقية. دولة قادرة على تحصين وحدته، في زمن تفرض فيه العولمة النيوليبرالية تخلّي الدول الفقيرة عن شروط السيادة التي تنص عليها القوانين والمواثيق الدولية.
يقوم النظام السياسي الطائفي على إزاحة وعي الناس من مستوى تكامل مصالحهم في تطوير مواردهم ورفاههم، إلى مستوى يُدفعون فيه إلى التنازع في تجديد شرعية الطبقة الحاكمة المستثمرة لعصبياتهم. ولا يمكن أن يواجه هذا النظام إلّا من خلال تشريعات تنموية ديموقراطية جديدة. تشريعات تهدف إلى لامركزية بمعايير تنموية، ولا يمكن إلّا أن تتعارض مع تفرد الزعامات السياسية المباشر في تشكيل وانتخاب أطر التمثيل المحلي. وتتمثل المعايير التنموية لللامركزية بسياسات تعتمدها الحكومات لتجاوز تفاوتات النمو التي تعانيها المناطق المحرومة. سياسات تعتمدها في تمويل برامج التنمية في هذه المناطق، تتناسب عكسياً مع مستويات النمو فيها، وتعتمدها في تحديد نسبة لامركزية الإنفاق التي تتولاها الإدارة المحلية. وهي نسبة تراوح في البلدان الاسكندينافية بين 35 و51 %، كما تتراوح في الهند والصين ونيجيريا بين 45 و66 % (2).

نحو هيكلية ملائمة للامركزية تنموية

إنّ التوجه الإصلاحي على مستوى التمثيل الأهلي، من خلال التحوّل الى البلديات الموسعة، تتبرر جدواه الاجتماعية والاقتصادية والإدارية باعتبار البلديات قاعدة لنظام من اللامركزية الإدارية التنموية، يتكوّن من مؤسسات متراتبة في إطار وزارة للتنمية المناطقية والمحلية.
أولاً : على النطاق المركزي:
1. إنشاء مجلس مركزي للتنمية المناطقية والمحلية يرأسه الوزير ويتكون من 3 مجموعات معنية بالتنمية هي:
* مجموعة رؤساء مجالس الأقضية، إضافةً الى رؤساء بلديات العاصمة ومراكز المحافظات،
* مجموعة من ممثلين عن الوحدات الجامعية المعنية بحاجات تخطيط وتنفيذ برامج التنمية في نطاقات الأقضية والمدن،
* ومجموعة من ممثلين عن منظمات غير حكومية متخصصة بخبراتها التي يشترط أن لا تقل عن 10 سنوات بالعمل في مشروعات نفذتها في أكثر من قضاء ومدينة.
2. يُشرف المجلس المركزي للتنمية المناطقية المحلية على عمل مديريتين عامتين مركزيتين هما:
• مديرية للتنمية البشرية: تقوم بأعمال التخطيط والتقويم من خلال جهاز للإحصاء والتخطيط يسهم في بلورة الحاجات المرفوعة إليه من البلديات الموسعة، أو من مجالس الأقضية، أو من مجالس بلديات المدن. وتُنقل إلى هذه المديرية صلاحيات مديرية التنمية في وزارة الشؤون الاجتماعية التي لم تُصمّم وظيفتها لتقوم بتنمية المناطق، بل اقتصرت على القيام بتنفيذ مشروعات محلية في القرى لا تندرج ضمن خطط على المديين القصير والمتوسط.
• مديرية للإدارة والتنفيذ: تقوم على المستوى المركزي في الوزارة بالتنظيم الوظيفي لفروع الوزارة في المحافظات، وبتنظيم وتدريب مجموعات الشرطة في البلديات الموسعة، وبتقويم الأداء المالي والإداري لهيئات مجالس الأقضية، ورفع التقارير الدورية عنها للمجلس المركزي وإيداع نسخ عن هذه التقارير في ديوان المحاسبة والتفتيش الإداري المعنيين بصلاحية المحاسبة اللاحقة. أما على مستوى التنفيذ، فتقوم بأعمال المتابعة الفنية لتنفيذ البرامج والمشروعات، من خلال جهاز من الاختصاصيين في قطاعات الإنتاج والخدمات، وبأعمال التنسيق مع فروع الوزارات الأخرى المعنية والمنظمات غير الحكومية.
ثانياً: على نطاق القضاء:
• يشكل مجلس القضاء من ممثلين عن البلديات الموسعة. وهو مجلس يتمتع بالشخصية المعنوية وبالاستقلال الإداري والمالي تحت سقوف الواردات وصلاحيات الصرف والتدقيق المحاسبي الذي يمكن أن تتولاه شركات متعاقدة.
• تُعيّن الوزارة لمجلس القضاء مديراً تنفيذياً (Manager executive) يتابع قرارات هيئته مع مجالس البلديات الموسعة التابعة لها، ومع فروع الوزارات على مستوى القضاء أو المحافظة، ويرفع عنها تقارير دورية إلى كل من القائمقام والمحافظ لأخذ العلم والمساعدة في التنسيق مع تلك الفروع.
إنّ التعديل المقترح لتشكيل البلديات الموسعة يوفر إمكان تشكيل مجلس القضاء، الذي نص عليه اتفاق الطائف، وذلك بمعدل 2 الى 3 أعضاء عن كلّ بلدية في القضاء، ويُترك للمجلس أمر بتّ العدد. ويكون الرئيس المنتخب في مجلس البلدية الموسعة وأحد الأعضاء من ذوي الكفاءات التخصصية العالية ممن انتخبوا ليمثلوا نطاق البلدية ككل (من ضمن نسبة الـ20%) من بينهم حكماً.
ثالثاً: على نطاق البلدية الموسعة:
مع موافقتنا على كثير من التعديلات في مشروع القانون المرفوع من وزارة الداخلية (حين كان ميشال المر وزيراً)، ولا سيما منها المواد المتعلقة بصلاحيات وأداء كل من رئيس البلدية ومجلسها نرى ضرورة أن:
• يُنتخب المرشح للرئاسة بالاقتراع العام المباشر من بين المرشحين المسجلين في البلدتين الأكبر في نطاق البلدية الموسعة، شرط تعهده أن لا تقل أيام إقامته في نطاق هذه البلدية عن 3 أيام في الأسبوع،
• تعديل المادة 27 من قانون البلديات لجهة شرط المستوى التعليمي للمرشح. فيُشترط في المرشح لعضوية المجلس البلدي الموسع أن يكون حائزاً الشهادة الثانوية على الأقل، ويُشترط في المرشح لرئاسة هذا المجلس أن يكون حائزاً شهادة جامعية.

خاتمة

لمّا كان التشريع يعبِّر بصورة مباشرة وغير مباشرة عن خيار السلطة التشريعية، وبالاستناد إلى اتفاق الطائف الذي نص في أحد بنوده على ضرورة العمل لإلغاء الطائفية السياسية، فإنّنا نقدِّر أنّ روح التشريع البلدي الجديد يجب أن تذهب في هذا الاتجاه لكي تمثّل انتقالاً من المنطق السياسي التفتيتي الزبائني للتمثيل في العمل البلدي، إلى منطق جديد في التمثيل الأهلي الأوسع أفقاً والأكثر كفاءة ومسؤولية على طريق بناء الدولة الحديثة. فمفهوم البلدية الموسعة، الذي يشمل قرى وبلدات متنوعة طائفياً وثقافياً داخل البلدية الموسعة، سيربط بين المصالح الحيوية المشتركة للقرى والبلدات المكوّنة لها، فيُسهم تدريجاً في تحول الناخبين في انتخاب المجلس البلدي المشترك عن معايير العصبيات القروية الضيقة داخل القرى أو معايير العصبيات الطائفية بين القرى إلى معايير اقتصادية ـــــ اجتماعية وأخلاقية يتدرج إليها وعي الناخبين في الانتخابات البلدية، فيؤثر لاحقاً في وعيهم لمعايير المشاركة في الانتخابات النيابية.

هوامش
(1) وضعت هذه الخريطةَ الحملةُ الفرنسية عامي 1860 ـــــ 1861، وورد ذكر مباركتها البابوية على لسان رئيس جمهورية فرنسا Millerand إثر عرضها على قداسته، كما ورد في رسالة هذا الأخير إلى المونسنيور عبد الله خوري، النائب البطريركي، رئيس وفد لبنان الثالث إلى مؤتمر الصلح في باريس. ورد ذكر هذه الرسالة المؤرخة في 24 آب 1920 في مطبوعة صادرة عن الحركة الثقافية ـــــ أنطلياس، لمناسبة اليوبيل الماسي لإعلان دولة لبنان الكبير 1920 ـــــ 1995. ومن المعروف أنّ ميللران كان خلال 1920 ـــــ 1924رئيساً للجمهورية.
(2) تقرير التنمية البشرية لعام 1993، الفصل الرابع، بعنوان: الناس والإدارة، ص 79.
* باحث لبناني