حين يصاب البشر بالضعف، يلجأون إلى حِيَل أو تعويضات نفسيّة. من هذه الحِيَل: إنكار الواقع، وتضخّم الذات، وأشياء أخرى. وإذا صدقت بعض مدارس علم النفس، فإنّ عمليّة التعويض هذه تبدأ مع تكوّن الشخصيّة عند السادسة من العمر. وفي هذه السنّ بالذات، وجدت قوى 14 آذار نفسها، في حال تستوجب مجموعة من التعويضات. يبدأ الأمر عادةً بعمليّة معقّدة لإعادة تركيب الماضي بما يتلاءم وصورة المرء عن نفسه. لذلك، لم يكن صدفة أن يبدأ اجتماع البريستول، أمس، بسرديّة طويلة تروي تجربة الأعوام الماضية.

لسنا أمام جردة حساب. فما من خطأ واحد طيلة تلك الفترة. مجرّد إنجازات ومواقف تؤكّد صورة 14 آذار عن نفسها.
وأمام هذا الماضي المجيد، لا يمكن تصوّر إلا مستقبل زاهر. لكن، بين الماضي والمستقبل، يختفي الحاضر تماماً، تحجبه أو تحوّره عمليّة إنكار مُحكَمة. هكذا يسهو المجتمعون عن خسارتهم الأكثريّة النيابيّة، فيؤكّدون أنّ «لدينا كتلة نيابيّة منحتها أكثريّة الشعب اللبناني الثقة مرّتين». يسهون أيضاً عن الزيارات الحريريّة المتتالية إلى دمشق، والطلب منها الضغط على الحلفاء، ويتناسون الاعتماد على الأموال السعوديّة في المواسم الانتخابيّة، ويضغطون «Delete» بعد كلّ رسالة قصيرة تصل إلى هواتفهم من جيفري فيلتمان، فيعلنون أنفسهم «قوى حزبيّة أدركت أن لا مكان كريماً لها خارج سرب السيادة». هكذا أيضاً، يقمعون ذاكرتهم حتّى يُمحى مشهد السندويشات في عوكر في حرب تمّوز، ويتصرّفون وكأنْ لا أحد يعرف الضغط الأميركي على إسرائيل كي تطيل أمد الحرب، وكأنْ لا أحد يعرف توسّلهم للإدارة الأميركيّة كي تكثّف هذا الضغط. فيصبح الأمر، وفقاً لمروان حمادة – نعم، مروان حمادة – أنّ الطرف الآخر «خلق مناخات انقساميّة عبر حملة تخوين غير مسبوقة أعقبت حرب تمّوز». يا عيب الشوم على حزب اللّه. كيف تجرّأ على لوم من كانوا يسعون ليلَ نهار كي تطول تلك الحرب على لبنان، وصولاً إلى إنهاء المقاومة إلى غير رجعة.
لكنّ الإنكار وحده لا يفي بالغرض. إعادة صياغة الماضي وحدها لا تفي بالغرض. لا بدّ من الوقوف أمام مرآة كاذبة لاكتشاف أنّ «حلمنا اللبناني أخذ يعانق حلم الناس في كلّ المنطقة»، وأنّ حركة 14 آذار اللبنانية شكّلت «نموذجاً احتذاه شباب العالم العربي». نموذج قدّمه فؤاد السنيورة حين ربّت جورج بوش كتفه، وأعاد التذكير به أمين الجميّل حين نقل إلينا، قبل أقلّ من شهرين، تأكيد حسني مبارك «دعمه الكامل للديموقراطيّة في لبنان».