منذ بداية الانتفاضات الأخيرة والمتواصلة في العالم العربي، شهدنا كيف تم تأطير النساء وهيكلتهنّ في خطاب الثورة. توافقت وسائل الإعلام على اختلافها على دور المرأة الفعّال في الثورة، ومساهمتها في صنع الأحداث، حتى إنّ بعضهم، على سبيل المثال، ذهب إلى تسمية الكاتبة نوال السعداوي «أم الثورة». كذلك شاهدنا تشديد وسائل الإعلام على صور لنساء ينشدن أغاني الثورة ويصرخن في وجه الظلم والجنود، ويأخذن أمكنتهنّ بين الحشود.مساهمة النساء لا بد من أن تحصل على اعتراف وتقدير. لكن لا ينبغي لهذا التقدير أن «يجندرها»، أي أن يرتكز على الجندر مصدراً لها. فهل الجندر هو ما حفّز النساء وأثارهنّ للخروج في هذه الانتفاضات، أم ثمّة أسباب أخرى جمعت ما بين النساء والرجال والأطفال وأشخاص متعدّدي الهويات الجنسية والجندرية، الطبقية والعرقية والدينية، كي شاركوا جميعاً ضد الفساد السياسي والقضائي والاجتماعي للنظام النيوليبرالي؟ ليس الهدف إنكار وحدة القدر التي تعيشها النساء، إنما المهم أن نشدّد على أنّ مشاركة النساء لا ترتكز على جوهرانية جندرية، بل هي مشروطة بأسباب اقتصادية، اجتماعية وسياسية وتاريخية. وليس الهدف إنكار مشاركة النساء بما هنّ جزء لا يتجزأ من القوى التي كفلت عدم ضياع جيل آخر في العالم العربي تحت براثن الفساد والطغيان، بل هو التشديد على عدم وجود شيء خاص ثوري وجوهراني في المرأة. لا يوجد شيء جوهري، مطلق، يحتسب المرأة شخصيةً مختلفة عن الآخرين. وإذا ما أصرَرْنا على النظر إلى المرأة ذاتاً مطلقة ولاتاريخية، فنحن نجازف بخلق فئة منيعة على تراكمات السيرورات التاريخية التي تعيشها هذه المجموعة. أودّ أن أغتنم هذه الفرصة لأتساءل عن القيم التي تختفي وراء احتفالات يوم المرأة العالمي، ليس بسبب عدم توافقي مع وجودها أو اعتقادي أنّه يجب حجبها، بل على العكس من ذلك، فإنّ من الضروري أن تحصل كلّ مجموعة على ما حققته، وأن يشمل هذا اليوم احتفالات المرأة العربية بمُنجزاتها. ومع ذلك، أود أن أقترح الآتي: اذا ما وُضعت النساء جميعاً على المستوى نفسه، فمن الممكن أن يؤدّي هذا الى حجب الاختلافات الاقتصادية، الاجتماعية والسياسية بينهنّ. فبقدر ما نعدّ أنّ فئة النساء تعبّر عن كلّ النساء بما هن وحدة واحدة نقيّة ومتناسقة، نجازف بمجانسة هذه الفئة وتسطيح تجاربها واحتياجات النساء المتعددة والمختلفة. والأهم من ذلك، نجازف بالتلميح الى وجود أجندة متشابهة للنساء. فإذا ما وافقنا على أنّ الجندر هو عبارة عن بناء سياسي واجتماعي، علينا أن نفهم أنّ من السهل على النساء المشاركة مع الرجال في دوائر التحرير، كما العنف أيضاً.
وفي النهاية، علينا أن نسأل: ما هو مفهوم علاقة المرأة بمراكز القوّة؟ إذ من الخطير التعامل مع النساء بوصفهنّ ضحايا لظروفهنّ، لأنّ هذا الخطاب يخفي مشاركة بعض النساء في مؤسّسات القوة، وقدرتهن على النفاذ إلى هرمية المؤسسات هذه، التي تخلّد سيطرة الأبوية والعنصرية والهيمنة السياسية، وتعمل على سلب حقوق المرأة المدنية. لا يمكننا إيجاد قاسم مشترك يأسر تجارب النساء على اختلافها، ولا يمكننا تلخيصها في مصطلح واحد اسمه «أنثى». هل من الممكن فهم خروج الشعوب العربية إلى التظاهر في الشوارع، لإسقاط أنظمتها المستبدة، على أنه فعل منوط بأسباب سياسية واقتصادية؟ أم هو مبنيّ على جوهر ما في «العروبة»؟ وعلى هذا النسق، هل بإمكاننا أن نرى مشاركة المرأة العربية في هذه الثورات فعلاً خارجاً عن انتمائها الى هذا الجندر خاصة؟

* طالبة دكتوراه في جامعة ماكغيل ــ كندا