من وقت لآخر، تشتعل الانتفاضات في أماكن مختلفة من العالم، وينزل الناس إلى الشوارع، يتحدّون ويطيحون طغاة عنيفين، يشككون في سلطة لا ترحم، ويقولون الحقيقة في وجه القوة العنيفة. خلال العقود الأخيرة، وفي أوقات مماثلة، كان الأميركيون يتفرجون بأسى، ويتساءلون: «ماذا يتطلب منا أن نقول «كفى!»».لن أناقش في هذا المقال القصير كلّ الامتعاض، والرقابة الذاتية، وفقدان التأثير، التي تقف وراء هذا السؤال الانهزامي. عوضاً عن ذلك، أريد أن أركّز على جزء صغير من «الشعب الأميركي»، تحديداً النساء الأميركيات من أصول عربية، اللواتي يعشن ظاهرة مماثلة. فنحن نشاهد أخواتنا في العالم العربي، ونشعر بالإلهام والإعجاب المصحوب ببعض الحسد. فنحن، تماماً كالثقافة الأميركية الكبيرة التي نؤدي دورنا فيها، نتساءل كيف، متى ولماذا، فقدنا جرأتنا، وماذا يتطلب أن نكون مثلكن. هل مستوى راحتنا كبير جداً، لدرجة أنّنا لم نعد نستطيع الانتفاض متّحدين لنصرخ «كفى! يجب أن يغيّر بلدنا وسائله، ونحن الشعب يجب أن نحدث ونصوغ هذا التغيير؟». نعرف أنّ حكومة الولايات المتحدة تموّل، أو موّلت، الأنظمة العسكرية والدكتاتوريات التي جعلت أهلنا يفرّون من أوطانهم، من العراق وتونس ومصر. نعرف أنّها تموّل، وتؤمن الحصانة السياسية الدولية لنظام الفصل العنصري الذي حوّل الفلسطينيين إلى لاجئين، ويستمر في سلبهم ممتلكاتهم، ويميّز، قانوناً، ضد من لم يتركوا أرضهم. ماذا يتطلب أن نفعل كما فعل الشعبين التونسي والمصري، أي الوقوف في وجه الوحش والتصريح بكل قوة وعزيمة: «لن نعود إلى بيتنا حتى نحقق التغيير الذي نريد؟».
في الولايات المتحدة، بلد الأكثر من 300 مليون، حيث حرية التعبير مكفولة دستورياً، والمعارضة جزء من الطريقة الأميركية، قلّة من النساء الأميركيات من أصول عربية، وقفن في وجه النظام. من هؤلاء هيلين توماس، وهي صحافية شرسة ومثال أعلى يجب على الجميع الاحتذاء به. هي دفعت غالياً ثمن نزاهتها. وعلى العكس، فإنّ دونا شلالا، وهي من أصول لبنانية أيضاً، انخرطت بنجاح في الخطاب الأميركي الرسمي، حتى أصبح النجاح بنظرها هو تبنّي الصهيونية. كانت شلالا وزيرة الصحة في عهد الرئيس بيل كلينتون، وفي وظيفتها الحالية رئيسةً لجامعة ميامي، سعت إلى تعميق علاقات جامعتها مع إسرائيل، في تحدٍّ للحملة العالمية لمقاطعة الاستثمارات وسحبها ومعاقبة اسرائيل. عموماً، يمكن تصنيف النساء الأميركيات من أصول عربية على النحو الآتي: نحن فخورات بثقافتنا ونمثلها في المهرجانات والمدارس المختلفة، لكنّنا ننزع عنها كل الصفات السياسية، مركّزات على الطعام اللذيذ والصحي، والتطريز، وعجائب الرقص الشرقي في تحسين الصحة واللياقة. مع كلّ الامتيازات التي لدينا، على عكس النساء في العالم العربي، لا نفعل، بنحو مخز، سوى القليل لتغيير مجتمعنا الأميركي، والمجتمعات العربية التي أتينا منها.
ومثلما ينظر معظم الأميركيّين إلى باقي العالم ويقولون «هكذا تُفعل الأمور»، نحن أيضاً، نعدّ أخواتنا العربيات مثالاً أعلى. استطاعت هؤلاء النسوة تنظيم القواعد وكسر الحواجز الثقافية، وتحدّين السلطة، وقدن مجتمعاتهن نحو مستقبل أفضل، بعد تخطي عقبات كبيرة اجتماعية وسياسية. إذا عدنا فقط إلى النصر الأخير، فقد أطاحت قوة الشعب المصري، التي لا يمكن كبحها، دكتاتوراً، حسب يوماً أنه لا يمكن تحريكه، وأنّه «مستقرّ» كالأهرامات. وفي هذا النصر نرى الدور المهم الذي أدّته النساء الشابات المصريات في كل مصر، وقلّة منا هنا في الولايات المتحدة. الشريط الذي نشرته أسماء محفوظ على مدونتها يوم 18 كانون الأول حشد ملايين ممّن نزلوا إلى شوارع مصر في ذلك الشهر، وهي كانت أيضاً في ميدان التحرير، تشجع شعبها وتتحدى القوى الأمنية المخيفة كي تخدم البلاد، لا الدكتاتور الذي يحكمها. بعد سقوط مبارك، تحدثت الروائية أهداف سويف، وهي من نساء ميدان التحرير، وقالت «العمل الشاقّ يبدأ الآن، لكنّنا سعداء جداً». يجب أن يتضمن هذا العمل تحدّي الأوجه المتعددة للسلطة البطريركية في الحياة اليومية، وليس فقط أبوية مبارك المهينة، هو الذي ادعى أنّه «والد الشعب المصري». فالديموقراطية الحقيقية أكبر من إطاحة الحكام المستبدين، فهي محبوكة في نسيج الحياة الاجتماعية اليومية. نسيج تمزق إرباً في وقت الانتفاضة، ويجب أن يعاد حبكه بعدما حققت الثورة هدفها المباشر.
قلّة منّا في الولايات المتحدة تخاطر بحياتها للحديث ضد حكومتنا. لكن يجب علينا أن نفهم أنّ ذلك يأتي على حساب حياة أخواتنا في العالم العربي. ويجب علينا أن نفهم أنّ «امتيازاتنا» تقمع أخواتنا، وتجرّنا إلى النعاس، حتى نترك مواجهة النظام على عاتق النساء في العالم العربي، اللواتي يواجهن خطراً أكثر مما نواجه نحن. عوضاً عن ذلك، يجب أن نبني تحالفات عابرة للأمم، كي لا تضطر أخواتنا لأن تعرّضن حيواتهن للخطر، من أجل تأمين حياة كريمة. يجب ألّا تضطر أي امرأة عربية لأن تعرض حياتها للخطر من أجل تحسين ظروفها. كذلك يجب أن نستخدم ميزاتنا وامتيازاتنا لأجل قضية محقّة. تعاني النساء العربيات والأميركيات من أصول عربية من عنف الدولة، ويجب أن تكون الانتفاضة الأخيرة في العالم العربي دافعاً لترسيخ التحالفات التي ستجعلنا نتغلب على الظلم في كل الأمكنة، من مصر إلى فلسطين إلى ليبيا، وسوريا والسعودية والولايات المتحدة.
وفي الوقت الذي سننظر فيه مجدّداً، نحن النساء الأميركيات من أصول عربية، إلى أخواتنا العربيات من أجل القيادة، يجب أن نلتزم بتضامن حقيقي، وليس فقط باحترام وإعجاب. يجب أن يترجم تقديرنا وامتناننا عبر تحمل مسؤولياتنا، كي لا تبقى أخواتنا وحدهن في تحدّي النظام. أن يكون المرء مثلاً أعلى عبء ثقيل، وحان الوقت لنتحمّل جزءنا من المسؤولية. ويجب بعد ذلك أن نلتزم أخويّة حقيقية، ونقصّر المسافات بيننا، من أجل أن نحقّق، معاً، التغييرات الضرورية هنا وهناك.

* ناشطة فلسطينية ــ أميركية