النساء في لبنان سجينات طوائفهن، وطوائفهنّ في أزمة حادّة، تظهر على شكل تحالفات واهمة أنّها وطنية وغير طائفية، غير أنّها تعيد إنتاج الطوائف بشكل جديد لكن بالمضمون نفسه، وقد أثبتت عدم جدواها في الالتفاف إلى أمور الناس والاهتمام بمصالحهم، بل تبدو كأنّها تتلاعب بهذه المصالح عمداً. النساء التابعات لهذه التحالفات، عالقات في هذه الدوامة. ومن الواضح أنّ خروجهن منها، ونقدهن لها بطريقة بنّاءة، يصبّان في مصلحة النساء المقيمات في لبنان عموماً. فعليهنّ استغلال هذه الأزمة للعبور إلى حراك سياسي جديد يكنّ في صلبه لا على هامشه، ويساهمن في خلق وطن آخر، يكنّ شريكات فيه لا تفاصيل في فانتازيا سياسية.
هناك حالة عامّة من الاستخفاف بـ«حقوق المرأة» داخل التحالفات السياسية القائمة وسواها. ويترجَم هذا الاستخفاف بدمج حقوق المرأة والطفل معاً، في برامج العمل السياسية التي، غالباً، لا تستطيع فصل الأدوار الجندرية والاجتماعية للمرأة بعضها عن بعض. وتصبح لجان المرأة في التحالفات هذه إمّا إطاراً للعمل على أمور متعلقة بالصحة الإنجابية، أو إطاراً لتنفيذ أنشطة اجتماعية، هدفها إعادة إنتاج العصبويات العائلية الطائفية.
على النساء الانتباه إلى أنّ العمل لتحصيل كل حقوق المرأة ليس فلكلوراً اجتماعياً، والنضال كان، ولا يزال، مطلباً سياسياً في صلبه، والاستخفاف به يعني الاستخفاف بمفاهيم أساسية كالمساواة. كيف للنساء الوثوق بتحالفات تعيد إنتاج صورة نمطية تقليدية عن المرأة، وتقصيها عن شراكة حقيقية في صنع القرارات السياسية داخل التحالفات هذه؟ كيف للنساء في التحالفات هذه أن يصدقنّ أنّ المساواة، التي لا تمارَس الآن وهنا وفي أي مكان، ستطبَّق لاحقاً؟ متى تنتبه نساء التحالفات الراهنة إلى أنّهن يؤدّين دوراً في فانتازيا، لا في الواقع؟
هناك استراتيجيات تعمل على تخويف النساء والناشطات من العمل الجذري السياسي. تعتمد هذه الاستراتيجيات، عادةً، على اتهام النساء الناشطات بالعمل على «معاداة الرجال»، أو لصق صفة «المثليات» بهن، والعديد من الصفات الأخرى. الاتهامات هذه مؤثرة وضارّة، وعادة ما تبثّ الذعر في قلوب اللواتي يشككن في جدوى التمييز الذي يعشنه. استراتيجيات التخويف تلك، لا تأتي من «تقاليد» أو ثقافة، بل هي في الغالب موقف لا يريد التفكير ملياً في التمييز الملحق بالنساء. فمفهوم التمييز يتطرق إلى الامتيازات والمكاسب الممنوحة لفئة من الناس دون سواها، ويتخطّى فكرة التمييز بين الرجال والنساء، ويفتح المجال للتفكير في التمييز بين المواطنين واللاجئين، وصولاً الى العلمانيين والطائفيين. إن مَن يخاف أن تحصل النساء على حقوقهن، يخاف على امتيازاته، وعلى نظام قائم على امتيازات لمجموعات من الناس دون سواها. بدأت هذه الاستراتيجيات تفقد فاعليتها، بعد سقوط أنظمة قمع طال عمرها، وبدأت النساء يتساءلن أيضاً، ولو همساً شديداً، ماذا عن هذا التمييز في القوانين والامتيازات، أليست معادية للنساء أيضاً؟
هناك أمل في التغيير ونراه في مصر وفي ليبيا، ويجب أن نراه في لبنان. غير أنّ التغيير في لبنان يقع على عاتق الذين لم يشاركوا في الاقتتال الداخلي، ولم يعيدوا إنتاج خطابات طائفية جديدة. والنساء، في خروجهن من تحالفات ١٤ و٨ آذار، يمهّدن الطريق نحو تغيير تقوده وجوه جديدة، لم يعفَ عنها ولا تستطيع أن تعفي أحداً. هناك أمل في ولادة تيار سياسيّ جديد، ليس قادراً فقط على إقصاء الطوائف من الحكم، بل قادر أيضاً على خلق دولة علمانية حاضنة للجميع سواسية، لديها ماض أبيض وتكون النساء شريكات حقيقيات فيه.
* ناشطة في «صوت النسوة»