يفاجئني «اكتشاف» البعض لصورة المرأة الثورية في مصر ٢٠١٠ وإيران ٢٠٠٨. ما هذه الذاكرة السمكيّة؟ كما لو أنّنا ننسى رمز الثورة الجزائرية، جميلة بوحيرد، التي لم تستسلم لكل أساليب التعذيب الفرنسية في شبابها، على سبيل المثال لا الحصر.لكن وجود النساء ليس ما يستفزّ المجتمع، بل هي الصورة التي تلبسها تلك النساء. أن تساند النساء، حضوراً وحبّاً، رجالهنّ الثوريين «واجب طبيعي»، لكن أن ترشق النساء الحجارة، أن تصرخ السيدات «المحترمات» بوجه عناصر الأمن، أن ينظّمن التظاهرات، أن يقدن الهتاف، أن يؤمّنّ الصلاة، هذه هي الصور التي اعتادت أيام الغضب على تظهيرها، وأتقنت الذكورية إخفاءها.

وهنا تعود إلينا كلمات النسوية المصرية نوال السعداوي بصدقيّة التجربة: «يثور الرجل ضد الحاكم المستبدّ ويرجع إلى بيته مشتاقاً للاستبداد بزوجته» (http://www.qadita.net/2011/01/). هذه هي الصورة النمطية التي يجب علينا حفظها، الرجل يبادر والمرأة تحتوي، هو يخرج وهي تنتظر، هو يحقق وهي ترضيه. وللأسف، غالباً ما ابتلعت النسوة الطعم الاجتماعي القائل بضرورة الزواج، فتسعى المناضلات دوماً إلى الزواج حال هدوء المعارك، إثباتاً لأنوثتها وطاعتها.
أمّا في الشق التكنولوجي، فهناك بعض الحقائق التي لم يعد من الممكن إنكارها، مع أنّ البعض كان ينادي بها منذ زمن، إلّا أنّ الثورات العربية أوصلت البعض إلى استنتاجات كان رافضاً لها، ولا يزال. وكما لو أنّ المجتمع العام ووسائل الإعلام الرئيسية قد أدركا فجأةً أنّ عالم الثورات بات يتكلّم لغة الإنترنت الغريبة، فتسارعت الفقرات الصباحية والصحف الرئيسية إلى اقتناص المقابلات مع رواد الإعلام الاجتماعي، بهدف فك لغز الفايسبوك ويوتيوب وتويتر.
وبعيداً عن الثورات الشعبية، فلنعد إلى البلد الذي ما عاد الأرز صامداً فيه إلا على العلم الوطني. أقبل اللبنانيون على الإنترنت والهواتف النقالة منذ أوائل التسعينيات، أي منذ دخول هاتين التكنولوجيّتين إلى البلد. وحافظت خدمات الاتصال على رداءتها، سعةً وسرعةً وكلفةً، بغض النظر عن تطوّر التقنيات حول العالم.
لم ينتشر التدوين في الفضاء اللبناني واقتصر على فترات الاضطرابات، كثورة الأرز (٢٠٠٥) وحرب تمّوز (٢٠٠٦). ولكن تطوّرت منصات التشبيك الاجتماعي على الشبكة (فايسبوك، تويتر)، مجتاحةً المساحات الرقمية. نتج من ذلك تراجع عالميّ للمحتوى المنشور عبر منصات التدوين التقليدية، تدريجاً، في ظاهرة لا يزال المراقبون حائرين في تصنيفها تراجعاً أو نضوجاً.
انتشر تويتر في لبنان بسرعة، وسرعان ما تكوّن فضاءً رقمياً، قد يكون أكثر ثباتاً وديمومةً من الفضاء التدويني التقليدي. لكن ما يميّز الفضاء التويتري اللبناني هو الدور الذي قام به في تعزيز الثقافة التدوينية. لا تزال المدوّنات في لبنان تفتقر إلى التخصص والديمومة (باستثناء القلّة القليلة)، إلّا أنّ المدوّنين استخدموا هذه «الشوائب» لمصلحتهم.
ففي الانتخابات اللبنانية في ٢٠٠٩، كتبت نادين معوّض (http://twitter.com/nmoawad) نصاً على مدونة المجموعة النسوية، فصّلت فيه ١٢ سبباً لاعتبار حملة التيار الوطني الحر الانتخابية مهينة (http://feminist-collective.blogspot.com/2009/04/top-12-reasons-why-billboard-campaign.html). نظراً الى الشحن السياسي الذي كان سائداً آنذاك، سرعان ما استرعت كلمتها انتباه الحزبيين والإعلاميين، ما اضطر ميشال عون إلى الرد شخصياً، مفسّراً ومعلّلاً.
أمّا في عام ٢٠١٠، فقد أطلقت شركة «إكزوتيكا» حملة إعلانية بمناسبة عيد الأم. شعار الحملة «شكراً أمّي، على الجيّد والسيئ»، واقتصرت مظاهر «السيّئ» الموروث، على الأنف الكبير أو الأذن الكبيرة. أثار الشعار حفيظة المدونات اللبنانيات فعبّرن عن رأيهنّ. فما كان من الشركة إلا أن غيّرت الحملة، فباتت «شكراً أمّي للعادي والمميز». وبالرغم من عدم صدور اعتذار رسمي، إلّا أنّ الكثيرين يرون أن الحملة الرقمية العفوية هي السبب المباشر للتغيير.
في العام نفسه، تكررت التجربة عندما أطلقت شركة «مكرزل للمجوهرات» حملة «مجوهراتي، حقّي»، تزامناً مع اليوم العالمي للمرأة، ٢٠١٠. إلّا أنّ ردود الأفعال على الشبكات الاجتماعية والمدونات لم تلقَ صدىً عند شركة الإعلانات. وقد شاء القدر أن تكون الشركة نفسها قد صمّمت كلّاً من حملة التيار الوطني الحر الانتخابية وحملة مكرزل الإعلانية.
في لبنان، لطالما احتلّت النساء دوراً رقمياً رائداً. في فضاء التدوين الاجتماعي اللبناني مثلاً، تؤدي بعض الشخصيات النسائية دوراً محورياً في توجيه الخطاب والاهتمام. وهنا نذكر ليل (http://twitter.com/funkyozzi#)، وهي مطوّرة برامج للحواسيب وتقف وراء مجمع التدوين اللبناني (http://www.lebanonaggregator.com/). وكذلك دارين صباغ (http://twitter.com/#!/sdarine )، خبيرة التسويق التي باتت قبلة لكل من أراد لفت الانتباه لمبادرة، أو فرصة عمل، أو مشروع بطريقة مبتكرة وأكثر فاعلية.
كذلك لا ننسى أوكتافيا نصر (http://twitter.com/#!/octavianasr)، الصحافية في «سي إن إن»، سابقاً، التي أعلنت تقديرها للسيد محمد حسين فضل الله، فخسرت وظيفتها، إلّا أنّها كانت، ولا تزال، رائدة في الفضاء التدويني اللبناني. وبالطبع لدينا مايا زنقول (http://twitter.com/#!/mayazankoul)، التي بالإضافة الى نقدها البنّاء والفكاهي للبنان، ودورها في حملة تثقيف «إكزوتيكا» و«مكرزل» العفوية، تقدّم خدماتها (متى أمكن) برحابة صدر لمبادرات ومشاريع لبنانية.
وماذا عن ليال الخطيب (http://twitter.com/#!/nights)، مبرمجة أخرى، ومن روّاد تعريب تصاميم المواقع الإلكترونيّة. للأسف، القائمة أطول من أن أستنزفها في مقال واحد.
ومن أفضال النساء في الحراك الرقمي، مثلاً، دورهنّ في إطلاق لقاءات تويتر (وهي ما تعرف بالتويت ـــ أب). وهناك الحملة لتشجيع الامتناع عن التدخين في المقاهي اللبنانية، وهي مبادرة لو لم تفتقر الى الموارد اللازمة للتفرّغ لكان وقعها قد ثبت وانتشر أكثر. كما أن هناك دور النساء في إطلاق صالون المشاع الإبداعي في بيروت، ومهرجان الأدمغة في بيروت (http://www.facebook.com/pages/GeekFest-Beirut/214550037693?v=wall%20GeekFest).) كما نقع على «خر بر» لرصد الإعلام والإعلان المسيء المرأة (http://www.facebook.com/group.php?gid=127256790636431).
وأخيراً وليس آخراً، مع اندلاع ثورة الغضب في مصر مثلاً، عملت كل من ليال الخطيب وميراي رعد، (http://twitter.com/#!/migheille) بمساعدة لين درويش (http://twitter.com/#!/lynndarwich)، على إنشاء مجمّع صور (http://abaadblogs.com/imagefeed) للثورة، تلبيةً لنقص التغطية الإعلامية الذي كان سائداً في الأيام الأولى.
وهنا يتبادر إلى أذهاننا خطاب هيلاري كلينتون الذي أعلنت فيه تخصيص إدارة باراك أوباما ٥ ملايين دولار لدعم قيم الديموقراطية في العالم العربي والإسلامي، عبر دعم أدوات الإعلام الاجتماعي في المنطقة. فهل يمكن أن تكون ملايين أوباما الخمسة قد أتت ثمارها بهذه السرعة؟ الحراك الاجتماعي الرقمي أتى قبل أوباما وإدارته.
كذلك، فإنّ الأدوات الرقمية للتغيير هي مجرّد أدوات. وبالرغم من الطابع الأخلاقي الذي نحاول أحياناً صبغها به، فهي مجرّدة من الأخلاقيات. يمكن مقارنة المدونات، مثلاً، بالمنشورات، فهي لا تحمل حسّاً أخلاقياً. فالمنشورات التي وزّعها الطيران الإسرائيلي في حرب تمّوز لم تكن خبيثة لأنّها منشورات، بل بسبب مضمونها.
لا يمكن القول إنّ نساء لبنان متحرّرات بسبب وصولهنّ إلى تويتر أو فايسبوك. بل حريّ بنا القول إنّ في لبنان نساءً متحررات وهذا ما ينعكس على تويتر وفايسبوك.
والفضاء الرقمي لم «يعتّق» أحداً، فالنساء فيه ما زلن يصارعن القوى نفسها التي يصارعنها بعيداً عن الشبكة. ولا تزال الكثير من النساء خائفات من التصريح عن أسمائهنّ، أحياناً خوفاً على صيتهنّ. «ماذا يقول الناس لو وجدوني على فايسبوك؟»، كان رد إحدى صديقاتي. وهذه المجهولية تفاقم الغياب النسائي عن الساحات العامة.
بالمختصر، نساء لبنان، كما نساء العالم ورجاله، فيهنّ من القدرات والنخوة ما يثير العجب والإعجاب. وهنا أقتبس قول علاء عبد الفتّاح «أعتذر لعدم التشديد كفايةً على محورية دور المرأة في الثورة، أعتبر ذلك من المسلّمات نظراً إلى كوني محاطاً بالناشطات». وهو تحديث على تويتر، ألحقه بالقول «اثنتان من أخواتي في الشارع كل يوم، وأمّي كانت تحرّض على الثورة من قبل أن أولد».
ولكنّ النساء، كما العديد من الأقليات حقوقاً، يسمح لهنّ بأن يشاركن في نصرة الرجال بشرط العودة إلى «بيت الطاعة»، في نهاية المطاف.
* ناشطة في المجال الإلكتروني