أخيراً، تستعيد مصر دورها التاريخي كمحور سياسي وفكري للعالم العربي. سنشهد من دون شكّ تأثيراً يشبه تساقط أحجار الدومينو في الشرق الأوسط، مع الشعوب الشابة وغير الشابة، المعرضة للقوى التحديثية الكبيرة للانترنت والفضائيات، التي تطرد دكتاتورييها الذين عفا عليهم الزمن وتفكِّك الدول الأمنية القامعة. الأمر الحاسم هو أنّ هذه الثورات شعبية، وليست انقلابات الخمسينيات والستينيات من القرن الماضي التي قام بها الجيش.
ووفقاً لذلك، تكون هذه أول ثورات حقيقية في العالم العربي الحديث. وهي تحصل دون مساعدة أو تدخل من الخارج. بالفعل، لم تقدم أهمّ ديموقراطيات في العالم أيّ دعم معنوي أو لوجستي، فضلاً عن ظهور الإدارات الاميركية والبريطانية في موقف حرج، ولم تشأ بالتالي المخاطرة بتراجع التأثير البريطاني والأميركي في "الشرق الأوسط الجديد" لجيل كامل.
الأهّمّ، ربما، هو أنّ الثورات لا أساس مذهبياً لها. ولا يبدو أنّ "إسلاميين" مخيفين وذوي لحى كبيرة يقودونها. الرجال والنساء الجرحى في الشوارع متعلّمون بأغلبهم، يتحدّثون الانكليزية وليسوا غرباء عن البلاكبيري، تويتر، والبريد الإلكتروني، وقيم الطبقة الوسطى ومبادئ الديموقراطية.
بالنسبة إلى الخليج، أظن أنّ هذه الهوية غير الإسلامية، ستكون السبب في نسف آل سعود وغيرهم من استبداديّي الخليج، في حال لم يتم اتخاذ خطوات هامة قريباً. من الواضح أنّ دول الخليج ليست بحاجة للخوف الآنيّ من تظاهرات على الطراز المصري بسبب سعر الطعام واليأس الاقتصادي، لأنّها محصنة. فهي دول رعاية قوية ولديها قدرة على توزيع الثروة وتأمين فرص العمل لمواطنيها (لكن في حالة البحرين والسعودية لا يمكن استبعاد ذلك دائماً).
لكن لا يمكن اعتبار مناوئيهم المحليين، الذين يصبحون اكثر تنظيماً، اسلاميين خطرين بسهولة، او كما في حالة البحرين عملاء يثيرون فتنة سنية ــ شيعية. قطعاً لا يمكن لحكام الخليج ان يستمروا في ايصال صورة عن مناوئيهم الى بقية العالم، بأنّهم متطرّفون مجانين، يريدون تأسيس دول دينية اسلامية مناهضة للغرب. اظن انّهم لا يريدون ذلك ولم يفعلوا ذلك منذ زمن. من الصعب، بالطبع، تخيّل انتفاضات شعبية في دول الخليج الغنية بالنفط، لكن مع تغيّر الانظمة وبدء محاصرة دول الخليج بديموقراطيات، فإنّ الحكام ــ ومعظمهم يبدون عاجزين عن تطبيق تغيير حقيقي ــ سيشعرون بضغط كبير من الدول المجاورة ذات الكثافة السكانية العالية. أشكّ في أنّ هؤلاء سيسمحون ببعثرة النفط القومي العربي الثمين على مشاريع لفرض الهيبة وعلى ممتلكات في دول اجنبية ومصاريف نخبوية أخرى، فيما الملايين يعانون في مساكن القاهرة الغاضبة وتونس وعمّان ودمشق.
* أستاذ العلاقات الدوليّة في جامعة دورهام في بريطانيا ــ خاص «الأخبار»