لا يستحق قمر البث التلفزيوني الذي تسيطر عليه دولة لا تعترف بالتعددية السياسية ولا بالحرية الإعلامية والتعبير عن الرأي، وتفرض سياستها وما تريده على بقية القنوات التي تبث على ذلك القمر أن يحمل اسم العرب «عربسات»، لأنه يحارب العرب ورغبة الشارع العربي، ويحارب صوت الحق العربي في المقاومة وبالخصوص مقاومة الاحتلال الصهيوني... هو في الحقيقة قمر خاص باسم «سعودسات» يمثل عقلية وسياسة السعودية التي تحجب على أرضها اي موقع إخباري أو سياسي أو ديني لا يعجبها أو يختلف معها، فهي لا تؤمن ولا تتحمل الرأي والرأي الآخر.
رغم ما تملكه من امبراطورية إعلامية ضخمة، إلا انها تبذل كل ما تستطيع من مال ونفوذ سياسي وبكل الوسائل لإسكات اي وسيلة إعلامية واي صوت يختلف مع توجهاتها كما فعلت مع قناة "الميادين". قيام السعودية مؤخراً بالضغط على إدارة قمر عربسات (عفواً سعودسات) لحجب بث قناة "الميادين"، شكّل صدمة للمشاهد العربي في كل مكان، وبالخصوص للإعلاميين العرب وغيرهم، لأنه يعبّر عن حالة الغرور والغطرسة، وفرض الرأي الواحد بالإكراه والإجبار على المشاهد العربي من قبل السعودية، في عالم يشهد طفرة تقنية في مجال الإعلام الجديد وعالم الاتصال وتنوع الوسائل. فالاقمار الفضائية للبث التلفزيوني تملأ السماء، وبرامج تجاوز الحجب للمواقع تتجدد في كل يوم، اي لا يمكن لأي دولة تمنع وتحجب اي وسيلة إعلامية في ظل هذا التطور الإعلامي،
كما ان السعودية لديها تجارب عديدة فاشلة في محاربة وحجب القنوات والمواقع وبعض برامج التواصل عن مواطنيها. قناة الميادين أكبر من مجرد قناة تلفزيونية ناجحة بامتياز في عالم عربي يعيش أصعب المراحل خطورة ويعيش الانقسام. هي تمثل مشروعاً عربياً ناجحاً، إذ استطاعت ملء الفراغ في الاعلام العربي الحر، وأن تحافظ على بقاء أهم قضية عربية وهي قضية فلسطين حيّة حاضرة في وجدان المشاهد العربي، والافتخار والاعتزاز بخيار المقاومة في ظل تخلي الإعلام العربي الرسمي والتجاري عن دعم القضية الفلسطينية وخيار المقاومة مقابل روح الانهزام والانكسار والاعتراف بالكيان الصهيوني.
نجاح سياسة "الميادين" جعلها قناة مفضلة للمشاهد داخل الوطن العربي وخارجه، ومدرسة إعلامية في النضال في فترة قصيرة. واستطاعت الكشف عن الوجه القبيح لأصحاب مشاريع الوسائل الإعلامية العاملة لإشعال الفتن الطائفية بين أفراد الشعب العربي، والتطبيع مع الكيان الصهيوني، ومنع الإعلام الحر والتعددية والتنوع واحترام إرادة الشعوب.
ونتيجة فشل إعلام هذه الدول - رغم ما تملكه من أسطول إعلامي هو الأكبر في العالم العربي - في مواجهة قناة "الميادين" بالكلمة والرأي، والحد من انتشارها واتساع رقعتها وتأثيرها على المشاهد، سعت هذه الدول (وبالخصوص السعودية) إلى إسكات صوت الميادين عبر سياسة الترغيب. ولكن تمسك القناة بسياستها لنقل الواقع كما هو، ولتكون صوت المقاومة وفلسطين وفضح الكيان الصهيوني ومن يقف معه من الأنظمة العربية، لجأت السعودية بشكل مباشر وصريح إلى منع بث القناة على قمر عربسات (سعودسات)، مستخدمة نفوذها المادي في حجب الكلمة الحرة.
لجوء السعودية الدائم إلى التضييق على الأصوات الإعلامية الحرة لفرض مشهد واحد وصورة واحدة بالإجبار على المشاهد، عبر سيطرتها على وسائل الإعلام التي تبث عبر القمر، هو جزء من الحرب التي تديرها ضد من يختلف معها، وسيكون مصيره الفشل الذريع، وسيصب في مصلحة القناة التي تمكنت عبر سياستها من فتح مساحة للجميع للتعبير عن الرأي بحرية وتكريس احترام التعددية والتنوع... ليبحث عنها المشاهد ويتابعها على اي قمر وبطرق عديدة.
خضوع إدارة القمر (سعودسات) للارادة والمزاج السياسي السعودي، بحذف وحجب اي قناة، قرار تعسفي يظهر مدى غطرسة النظام السعودي في محاربة الرأي الآخر والتعددية السياسية، وتهميش دور ورأي أي دولة عربية أخرى، وهذا أمر خطير على جميع المواطنين العرب، ومن حق الجميع التعبير عن رفض هذه السياسة الإعلامية التدميرية، فمن حق المشاهد أن يختار ما يريد مشاهدته ومتابعته، من دون فرض وإجبار من أي جهة من باب احترام حرية الرأي وتكريس الإعلام الحر... تحية للإعلام الحر ولقناة "الميادين".

* كاتب سعودي