لا يسع المرء نسيان شعار الراحل وديع حداد "وراء العدو في كل مكان"، وهو الشعار الذي تحقق في مستويين.الأول: في مستوى الجغرافيا حيث طوردت الثورة المضادة من لبنان إلى ألمانيا إلى فرنسا... الخ.
والثاني في مستوى القوميات، حيث ضمت الجبهة الشعبية ــ جناح الخارج مناضلين من أمم عدة وانتماءات فكرية عدة.

بهذا المعنى، كان وديع حداد المؤسس الأول لأممية المقاومة الغوارية المسلحة. ولكن لا شك بأن الإرهاب المعولم كان سابقاً على الأممية الثورية، لأن الثورة المضادة موجودة قبل الثورة، بل لأن الثورة هي أساساً قوة كامنة تنفجر رداً على عدوان الثورة المضادة، مقودة براس المال ولصالحه طبعاً.
في خطاب السيد حسن نصرالله إثر مجزرة الضاحية ورد الكثير، بين الموقف الأخلاقي والأمان تجاه الفلسطينيين والسوريين، بل التأكيد على أن الجبهة واحدة والصف واحد، وبين تكريم الشهداء والجرحى وأهاليهم وبين الحديث عن الداخل السياسي اللبناني بما هو مستعمرة من طراز مناطق النفوذ وخاصة للسعودية... الخ. لبنان مستعمرة معولمة في شكل دولة ذات سيادة.

لا يجب أن يغيب عنا أن
الهجمة التي تُشنّ على حزب الله هي من اتجاهات عديدة

لكن ما أعتقده الأهم، هو القرار المعلن لحزب الله بمطاردة العدو أينما كان. لعلها المرة الأولى التي يعلن حزب الله بأنه سيقوم بمقاومة ودفاع خارج وجوده الجغرافي والفيزيائي. ولا أقصد دور الحزب في سوريا لأن لبنان جزء من سوريا، قصد ذلك حزب الله أم لم يقصد، هذا أمر الجغرافيا والواقع الشعبي والتاريخ. بل لعل ما قصده السيد هو توسيع المقاومة بمدى انتشار واحتضان الإرهاب وخاصة "داعش"، وهذا يتضمّن تغييراً تاماً في الموقف من حيث بعده الجغرافي والفكري والكفاحي والاشتباكي.
حرص حزب الله دوماً على أن يبقى أو يبدو على الأقل لبنانياً محضاً من حيث التنظيم والعمل الجغرافي. وقد يكون مرد ذلك لدرء تهمة مشايعة إيران، حيث تلقى هذه التهمة لدى مروجي الهوس الطائفي الذي لفرط ضحالته يتقاطع مع الخيانة بل يستمرئها نظراً لشدة الشحنة الطائفية أو لشدة شغل مثقفين معينين (الطابور السادس الثقافي) على إشعال دائم لتلك الشحنة.
وبقي الحزب كذلك ضمن إطار الطائفة الشيعية تحديداً، وربما كان ذلك لدرء تهمة مفادها محاولة السيطرة على كل لبنان وتسلم السلطة هناك أو لأن البنية الفكرية السياسية للحزب تحتم ذلك.
وقد يكون التقاط السيد لحدث المجزرة لحظة ذكاء خارقة تضرب في الاستراتيجية. فداعش منتشر ومدعوم ويرضع من كامل جغرافيا الخليج واوروبا والولايات المتحدة وتركيا والأردن وجارته الصهيونية.
وإذا كانت عملية التفجير هذه ذات ارتباطات بدواعش على مستوى الوطن وربما الإقليم، فإن من الطبيعي ان يستثمر ذلك حزب الله ويطاردهم في المدى الجغرافي نفسه.
لنتذكر قبل أيام حينما صرح أوباما بأن من المفروض اجتثاث الانتفاضة وحزب الله. وكأنه يشير إلى علاقة ما لحزب الله بالانتفاضة حتى ولو من باب روحي ونفسي. ومعروف طبعاً أن اميركا تعتبر حزب الله منظمة إرهابية.
ولكن، أن يدرك أوباما، وطبعاً بوحي مخابراته والموساد ومخابرات الأنظمة العربية التابعة، البعد والتأثير والتفاعل الروحي والأخلاقي والسياسي بين جمهور الانتفاضة الفلسطينية وحزب الله، فهذا يعني تفعيلاً أكثر للحرب على المقاومة مخافة امتدادها قومياً. ولكنه بالطبع يبيّن البنية الفكرية الخسيسة للطائفية التي تنكر هذا، وتشنّ حرباً على حزب الله وخاصة من بيوت الله.
وإذا صح ما أزعمه أن اميركا هي التي أنتجت الاستشراق الإرهابي، وبأن هذا الإرهاب منتشر في الجغرافيا، فهذا يعني أن لا مجال امام حزب الله سوى أن يخرج إلى الأعداء على رأي الإمام علي: «ما غُزي قوم في عقر دارهم إلا ذلُّوا».
لكن مشروع مطاردة العدو أينما كان، وهو تجديد لمشروع الراحل وديع حداد، يتطلب من حزب الله توسيع البيكار إلى حد ليس جغرافيا فقط بل مقاوماتياً أو بتحديد أكثر قومياً وأممياً.
لو كان لي أن أتمنى، هو فقط أن يكون هذا. لأن هذا التوسيع يخلق اشتباكاً على أرضية وطني وخائن، وليس طائفياً وطائفياً. ذلك لأن أخطر ما نمر به في الوطن العربي من فلسطين إلى طنجة هو أن نختلف مع أناس وقوى على وطنيتها وليس على فكرها، لأن البديهة التاريخية هي أن تبدأ وطنياً. ولأن اي تخارج وتأجنب عن الوطن إلى الآخر بانواعه هو أشد العلل التي نعانيها.
لا يجب ان يغيب عنا أن الهجمة التي تُشن على حزب الله وخاصة بعد انتصار 2006، هي من اتجاهات عديدة اتخذت شكلاً طائفياً، وهي حقيقة مسألة سياسية تتركز في دفاع القوى والأنظمة الاستتباعية بل العميلة للمراكز الإمبريالية والتي ينتهي حصادها لصالح الكيان الصهيوني الأشكنازي، بمعنى أن شيلوخ يجلس دائماً على الكاش.
وإذا كانت الهجمة على مدرسة حزب الله هي طائفية وممتدة جغرافياً تحت تسمية طائفية، فإن التحدي الذي يواجهه هو الخروج حيث الأعداء. ولكن الأهم هو أن أمام هؤلاء الأعداء جمهور واسع ينتظر التلاقي والتلاقح مع حزب الله على أرضية الوطن والمقاومة. وهو جمهور متعدد منه الوطني المحلي ومنه القومي ومنه الشيوعي مما يوجب تكوين كتلة تاريخية مقاومة ومسلحة وحدها التي بوسعها اقتلاع القناع الوسخ الذي أُلبس للوطن مؤخراً.
هذه الخطوة تعني أن القتال الضاري بين معسكر المقاومة والمساومة يتخذ خروجنا إليهم بعد دخولهم إلينا.
* كاتب عربي ــ فلسطين