ما قيمة رواية «شيفرة دافنشي» وما تورده من أفكار حول حياة السيد المسيح أمام الإنجيل وما فيه من تعاليم لخير الإنسان؟ وما قيمة فيلم «براءة المسلمين» أمام القرآن الكريم وسوره المنزلة لهداية الإنسان؟ ما قيمة هذه الرسائل السماوية التي تعبّر عن عظمة الله وعما في داخل الإنسان من جمال أمام بعض الإساءات المقدمة في مجموعة كتب وأفلام؟مشكلتنا ليست في بعض الأفلام، فالمسألة الأساسية هي مع ذاتنا ونظرتنا إلى الإنسان. الرسائل السماوية هي الكلمات التي بعثها الله لخير الإنسان، فالمقدس هو كرامة الإنسان وخيره، ونحن من ينتج أفكاراً متطرفة مغلفة باسم القداسة، وباسم الدين لقتل الإنسان وتكفيره. نحن الذين تنتج مجتمعاتنا أجيالاً تحمل في وعيها كرهاً للآخر، وهي أسوأ من إنتاج أي كتاب أو فيلم لا قيمة له ولا يساوي سعر إنتاجه. وعلى شاشاتنا، يعرض على مدار اليوم بنهاره وليله رجال دين يدعون إلى سفك الدم باسم المذهب والطائفة. إن كنا نريد أن نحفظ رسالاتنا السماوية من كل إهانة، فعلينا أن نتوقف عن إهانة أنفسنا في البداية وتفتيت مجتمعاتنا. فكيف نريد أن نواجه، ونحن مفككون بكياننا؟ فالمواجهة الأولى هي مع أنفسنا قبل أي جهة في العالم، فلا يستطيع أحد في العالم أن يهينه آخر إلا إذا سمح هو بهذه الإهانة.يحق لكل مؤمن أن يعترض ويعبر عن غضبه، ولكن الإيمان هو فعل وليس ردة فعل. فأين الفعل الحقيقي في إنتاج أفلام مشتركة تعبر عن جوهر الرسائل السماوية، وخاصة أننا نحن من نفتخر بأنّها انبعثت من أرضنا؟ أين الفعل الحقيقي في دفع الأموال لبناء منظومة إعلامية تقف في وجه الإعلام الديني المتطرف؟ أليس بناء الإنسان والمجتمع هو أولوية قبل إعمار الحجر؟ مشكلتنا هي مع الأفكار الدينية وليست مع الدين. مصيبتنا مع بعض رجال الدين وليست مع الإيمان. مشكلتنا ليست مع دان براون صاحب رواية «دافنشي كود»، ولا مع سام باسيل منتج فيلم «براءة المسلمين»، هؤلاء لن يمروا أمامنا إلا مرة في هذه الحياة. لكن رجال الدين هم بيننا كل يوم، فتأثيرهم أقوى علينا بأفكارهم التي تذهب في بعضها بعكس الرسائل التي يدّعون أنهم يحملونها. تهدف هذه الإفلام إلى إثارة الغريزة وقتل صوت العقل، فهي تعمل على أن نبقى ضمن محور الفوضى، بعيدين عن بناء دولنا ومؤسساتنا، نعمل جاهدين ومجاهدين لقتل الإنسان وتدمير المجتمع. هم يريدون أن نبقى نغوص في ظلامنا وبإرادتنا، فيما هم أصبحوا يبحثون عن الحياة ثانية في الفضاء. تمكنهم من السيطرة على عقولنا هو تسليمنا لهم هذه العقول، فالتربية والثقافة هما العامل الأساس في البناء والمواجهة، فمن خلالهما نستطيع بناء وتحصين كيان مجتمعاتنا وإنساننا. إن العمل المطلوب هو ضمن خطين متوازيين: الأول هو المؤسسات الدينية التي تشمل رجال الدين وجماعة المؤمنين في إحداث نهضة ضمن هذه المؤسسات والحاجة إلى هذه النهضة ضمنها هو نتيجة تأثيرها القوي على مجتمعاتنا التي لا تزال تحتل فيها مكانة أساسية. نحن بحاجة إلى إعادة تفعيل الاجتهاد في الإسلام والاعتراف بالمذاهب المختلفة، نحن بحاجة إلى أن يكون الإكليروس في الكنيسة قريباً من الشعب، لا على كراسيه وخلف مكاتبه. الخط الثاني الموازي هو بناء مفهوم المواطنة من المدارس، وصولاً إلى الأحزاب السياسية والحركات الاجتماعية وتحسين المستوى المعيشي والاقتصادي لمنع استغلال الجهل والفقر لتصاعد الفكر المتطرف في هذه البيئة الحاضنة له. لن تتوقف الإساءة للأديان، فهي مستمرة. ومحاولة خلق الفتنة ستبقى وتكبر، لكن يبقى المتغير هو موقفنا منها وكيفية تعاملنا معها. مشرقنا يشتت ويمزق تحت اسم الطائفة والمذهب، لأنّنا نحن من سمح بهذا التقسيم. ليست المسألة هي بجلد أنفسنا، وأجسادنا قد تشوهت من الضربات، لكن المسألة هي أن ندرك ونملك الوعي والإرادة في التغيير الحقيقي، بأن تكون الفسيفساء التي نفتخر بها مصدر قوة، لا مصدر تقاتل.
* كاتب لبناني