كأنّنا فوجئنا بالوحوش تخرج من أجسادنا الطيبة... كأنّ الدولة كان لديها مدينة ملاهٍ فتدخلنا فيها كلّما بدأت معركة. عندما ضعفت الدولة وجدنا أنفسنا في بيت المرايا. نحن أمام أنفسنا كما لم نكن منذ ٢٠٠ سنة، هي عمر الدولة الحديثة، إذ أجّلت كلّ المعارك عبر رفع الدولة إلى مقام التقديس والهيمنة بالقبضة الكبيرة. نحن الآن امام الحجم الطبيعي للكيانات، ونراها بعد الخروج إلى العلن، في ضوء البحث عن مستقبل بعد ضعف قبضة الدولة... وبعد تكسير حنان الدولة مع هيبتها.الباعة المتجولون يحتلون مساحاتهم نفسها التي كانوا يحتلونها تحت رعاية الدولة وبرشوتها، لكن بدون هندسة الدولة تنتفخ مساحتهم وتصبح مصدر إزعاج ورعب. وهذا ما يمكن أن نرى به فورة السلفيين. هؤلاء يتصرفون كما لو كانوا أمراء طوائف منتصرين، وعليهم اعلان النصر في كل مكان. هذه مشاعر تصنع دائرة لا يستطيع الفرد الخروج منها ببساطة. إنّها تحدد موقفه من العالم، ونظرته الى المستقبل. يتصور الفرد مثلاً أنّه متسامح لأنّه يقبل وجود الآخر أو يبتسم في وجهه.
ربما في هذه البسمة شعور خفي بالاستعلاء، لأنّه فقد كل ما يتعلق بالعالم إلا ما تبثه الطائفة من نرجسية قاتلة. سحر الطائفة جاذب في لحظات الضعف. لماذا اذن يلمع هذه الأيام وبعد انتصار الثورة؟ لماذا يتكلم الجميع، بمن فيهم اصحاب خطاب التسامح، ليس كبشر عاديين لهم مصلحة في المساواة والعدل والحرية، بل كموزعي أنصبة على أسرى ومهزومين. هذه مشاعر عجز تنتفخ بقوة وهمية. مشاعر لم تتخلص من ماضيها في حرب «المظلومية». المسلمون صارعوا المسيحيين على موقع «من هو المظلوم»، ودخل كتاب وصحافيون، وقورون المزاد لإثبات أنّ طائفتهم هي الأكثر ظلماً. لماذا اصبحت الهوية الدينية حاضرة بقوّة هذه الأيام؟ هل لأنّ المسلمين اصبحوا مسلمين اكثر؟ هل لأنّ هناك خطراً على الإسلام؟ هل لأنّ هناك خطراً على المسيحية؟ لماذا اصبحت الطائفة أهم، واقوى، والتعامل بمنطق الجماعات الصغيرة هو السائد؟
الاستبداد في مصر يوحّد الأديان، ينشر اليأس ويزيد أعداد المستضعفين في البلاد. وهذا سر النزعة العنيفة باتجاه الطائفة أو العائلة أو كل جماعة صغيرة. الدين هنا ليس اكثر من لافتة تتجمع عندها عصبية، تتوهم حرباً دينية، لتغطي عجزها عن الحرب الأساسية ضد الاستبداد والفساد. الكنيسة في مصر ليست عدوة المسلمين، إنّها مؤسسة سياسية تلعب بالسياسة لتحقيق سلطة اوسع على المسيحيين. سلطة سياسية ومالية، وتلعب بها السلطة الكبيرة لتسيطر على المسيحيين. الكنيسة لا تخوض حرباً ضد الاسلام، لكنّها تخوض حرباً بالمسيحيين لصالح موقعها في السلطة، كما أنّ الاسلام ليس في خطر. المسلمون مثل المسيحيين كانوا يشعرون بالضعف في مواجهة سلطة غاشمة، جبروتها مفرط، وبدلاً من البحث عن الخصم الحقيقي، من السهل تصنيع عدو. وبدلاً من الصراع حول وضع قواعد ديموقراطية تضمن الاحترام للجميع، يبحث المصري عن ميزة، او ريشة توضع على رأسه ليهرب من مصير الضحايا. مناخ يعلّي الطائفة ويغوي كل من يجد في نفسه ميول زعامة سهلة. زعامة طائفية أكثر سهولة من زعامة سياسية تتصادم مع السلطة. الزعامة الطائفية لها وجاهتها الأخلاقية ايضاً، فأنت مدافع عن أعداء الدين، وهؤلاء لا يمكن تحديدهم على نحو دقيق. إنّهم حسب الأهواء، لأنّ العقيدة في القلب اساساً. وهكذا فإنّ الحزازات الصغيرة تحوّلت الى قاعدة متينة يركب عليها كل طلاب الزعامة في الطائفة. الشيخ يتحوّل الى زعيم باسم الدفاع عن الإسلام، رغم أنّه ليس سياسياً ولا يفهم في السياسة. ورجال الدين في الكنيسة لا يزالون هم نواب المسيحيين في الدفاع عن موقعهم، الذين يشعرون الأن بأنه مهدد اكثر من اي وقت مضى. إنها غواية الدفاع عن الطائفة. غواية سهلة. سهلة جداً. هي تصنع شعبية، لكنّها تشعل الحرائق بعيداً عن صانع الاستبداد او مهندسي القمع، قبل الثورة وبعدها.
هل هناك من يسمع؟ هل هناك من يقرأ تاريخ الطوائف في اي بلد في العالم، من اميركا الى لبنان، ومن الأندلس الى العراق؟ ماذا فعلت الطوائف بكل بلد لمع فيه سحر الدفاع عن الطائفة؟ للطائفة سحر قاتل... يقتل سعادتنا جميعاً. إنّهم القذاذفة الجدد في مصر. يكتبون الدستور وفي مادته الأولى أن «مصر دولة... شورية». ويشرح السلفي الفصيح: إنها نسبة الى الشورى، أي اللفظ العربي للديموقراطية. لا اعرف لماذا اصبت بالضحك، وتذكرت إبداعات العقيد القذافي في البحث عن اسم للدولة، ولم يجد الا الجماهيرية. الجماهيرية هي تجميع لأفكار خيالية عما سماه العقيد حكم الجماهير. المشكلة ليست في الاسم، بل في أنّه لم يعبر عن معنى سوى اعادة انتاج حكم الفرد، وديكتاتورية العائلة، واستبداد الميليشيات التابعة لطاغية مستبد.
هذا ما انتهت اليه الكلمات التي تعبر عن احلام افتراضية، خارج الزمن والتفكير. يتصور اصحاب الكلمة أنّه يمكن استخدام ما تعوّدوا ان يحشدوا عليه أتباعهم. يقولون لهم إنّ الحكم الإسلامي هو الشورى لا الديموقراطية، باعتبار انّ الديموقراطية وليدة انظمة الغرب الكافرة، والشورى هي الحل السحري الذي قدمه الاسلام. وهذا الشحن الدعائي لتنظيم لا يصلح أن يكون اساساً لدولة، الا اذا كان اعلان رقائق «الشيبس» التي تجعلك تشعر بالقوة المقاومة للجاذبية، بمعنى انّه يمكن اعتماد التهام هذه الرقائق وسيلة للطيران. ماذا يعني نظام الشورى في الدولة الاسلامية؟ ومتى جرى تطبيقه؟ وهل يصلح الآن بعدما تغيّر شكل الدولة وتطوّر المجتمع ولم يعد هذا زمن الدول التي ترسم حدودها بسنابك الخيل وغزوات الجيوش، ولا العقود بين السلطة والشعب هي عقود البيعة، أو التسليم بأنّ الحاكم مقدس وتفرض عليه أمراً شكلياً غير ملزم من التشاور مع بعض حاشيته. الزمن تغيّر كما تغيرت وسائل المواصلات من الجمل الى السيارة، والبيوت من الخيم الى الشقق والفيلات، والتبادل المالي من صرة الدنانير الى البطاقات البلاستيكية. لماذا يريدون ربط الاسلام بهذه اللحظة الزمنية؟ إنّه اللعب على فكرة «العصر الذهبي» او «اعادة المجد القديم». وهذه فكرة سحرية تماماً، ترضي قطاعات من الشاعرين بالعجز، وغير القادرين على التواصل مع المجتمع. وهذا نوع من الأفكار التي تعتمد عليها الفاشية، إذ تصوّر لمن تدعوه أنّها طريق لإحياء مجد الأجداد، وانّه في حرب مع كل العالم باعتباره من السلالة الموكول اليها المجد. هذه افكار فاشية، لكنّها في تنظيمات ليس لديها قدرة على الفاشية، أي لا تمتلك سلطة ولا ابداعاً. إنها فاشية عقيمة كما كانت ديكتاتورية مبارك عقيمة. هكذا وصلنا إلى كوميديا دستورية من نوع القذافي ايضاً، لكن بدون خفة ظل وجنون. وأعترف هنا بأنّه بعد مسألة «الشورية»، عبرت عن الصدمة في تغريدات أشارك فيها الاصدقاء قوة الدهشة. وفوجئت بأنّني عندما تناولت القذافي، أنّ هناك قائمة طويلة من القذاذفة، يحيطون بنا من كل لون سياسي وفي كل مجال: من القضاء الى الاعلام الى السياسة، ومن السلطة الى المعارضة.
في مصر قذاذفة لا حصر لهم، وان كانوا قادرين على شغل عقل البلد كلّه بهذا الحشو الضخم، الذي لن نشعر بخطورته الا عندما نجد انفسنا امام واقع نتمنى فيه او نحلم بعودة دستور ١٩٧١، الذي اقمنا الثورة ضده. وسنكتشف ساعتها أنّ ليبيا الارض التي انجبت القذافي الاول، اختارت الليبرالية، بينما في مصر يكتب القذاذفة دستور الثورة.



الغنيمة

ألعاب صغيرة... هذا ما تفعله حاشية مرسي. اخترعت الحاشية معركة عودة البرلمان وسربت ميليشيات البروباغندا لتسحبها. «ضربة معلم» في طريق إزاحة العسكر وإعادتهم الى الثكن. اللعبة لم تفشل فقط، وكانت اصغر من اي توقع واحتمال، لكنّها شقت صف القوى الرافضة لحكم العسكر او عودة دولتهم التنكرية كما كانت في الستين عاماً الماضية. القوى المناهضة للعسكر أربكها موقف مرسي: هل هي صحوة باتجاه الثورة ام حركة إخوانية معتادة من اجل الحفاظ على غنيمة البرلمان؟ هل نؤيد مرسي وندعمه ضد العسكر، ام أنّ مرسي سيعيد سيناريو البيع الإخواني المعتاد؟
أسئلة شقت صف القوى المناهضة للعسكر، وخاصة بعد طوفان التخوين الإخواني والمزايدات التي كان اغلبها مبتذلاً ورخيصاً. هنا عاد الاستقطاب ولم يعد البرلمان، وظهر واضحاً أنّ مرسي لم يكن هدفه تأسيس قواعد دولة مدنية، بل استعادة الغنائم الإخوانية. لعبة صغيرة انسحب بعدها الاخوان من الميدان ومن كافة ساحات مواجهة العسكر وأهمها المحاكمات العسكرية والمعتقلين في السجون الحربية. اللعبة الصغيرة استخدمت وسائل اصغر للحفاظ على الغنيمة الإخوانية، فكان انعقاد البرلمان يوماً واحداً فقط لإحالة موضوع صحة العضوية من الدستورية إلى النقض، وهو ما اظهر عدم دراية فاضح بالقانون او الدستور، كما اظهر أيضاً تركيز الخبراء على اللعب بالقانون او استخدامه في معارك غير معلنة. الغريب أنّ المزايدة الإخوانية لا تزال مستمرة لإثبات أنّ مرسي قائد في معركة ضد العسكر، رغم انه لم يتحرك أبعد من خطوة استعادة الغنيمة والحفاظ على بقيتها المتمثلة في لجنة الدستور.
كل المحاولات الآن تجري لتحصين لجنة الدستور التي شكلت برعاية العسكر ومؤامرة الاستفتاء الشهيرة في ١٩ آذار/ مارس٢٠١١، لكن الاخوان يستغلون كراهية العسكر للإيحاء بأنّ استعادتهم للغنيمة انتصار ضد هؤلاء، تحشد من اجله القوى المدنية ويخون من يناقض لجنة الكوميديا الدستورية التي تتعامل كما لو كانت مندوبية احتلال يفرض شروطه على بلد محتل. مرسي اذن لا يهمه تأسيس سلطة رئاسة مدنية، لكنه يؤسس للغنيمة الإخوانية، وذلك يتطلب استعادة صورة الضحية، فيكون الرد على اي نقد هو «وماذا يفعل بدون صلاحيات؟». ويبدو أنّ مفهومه للصلاحيات يقتصر على مهمة استعادة الغنيمة، حتى لو كانت ضد القانون الذي دخل به قصر الرئاسة.
هذا الوضع الرئاسي يعيد المتاهة إلى أولها، وستعمل فيه ماكينات التخوين الشهيرة بتساوٍ وبمنتهى الابتذال بين البرادعي وعكاشة لأنّهما انتقدا قراراً لمرسي...
وهناك فرق كبير بين الموقف المؤسس على فكرة ومرتزقة الأنظمة، وطبيعي أن يختار الإخوان «العكاكشة» لأنّهم أسهل في الحرب. وهذه هي المتاهة التي تقودنا اليها حاشية مرسي، أو يقودنا إليها مرسي نفسه أو الجماعة التي تريد الحكم من خلال مرسي. إذا أراد أي طرف من هؤلاء تجنب حروب باردة أو دموية أحياناً، فعليه أن يلتفت الى الحكم وإلى إدارة شؤون الدولة، وهذا حق الرئيس المنتخب وحقه على المجتمع كلّه بمعارضته قبل انصاره.
أما بناء الجمهورية الجديدة، فهذا شأن آخر... ليس غنيمة للأغلبية ولا لأي تيار آخر، إنّه وديعة المستقبل وعقد بين الدولة وأفرادها لا يمكن أن يترك فقط لشروط واقعية هي من صنع نظام مبارك بامتياز. بناء جمهورية جديدة لا يحتاج إلى قانون الأمر الواقع وعرض العضلات، إنّه هندسة للأحلام في دولة تمنح فرصة لسعادة كل فرد فيها. كل فرد له حقوق، لا مظالم ولا منحة من الأغلبية. هذه قواعد تختلف طبعاً مع طبيعة الغنيمة. يستحق مرسي الحكم بعدما فاز في انتخابات وضعت برعاية العسكر ومن تحالف معه. يستحق الحكم والدعم في عبور المرحلة الانتقالية الثانية، أمّا الدخول في الدولة كلّها وجسدها الكبير كله من أجل استعادة الغنائم، فهذا مشوار قصير جداً. على مرسي وحاشيته وجماعته أن يرحمونا من ألعابهم الصغيرة، وأن يركزوا على إدارة البلاد. خذوا الفرصة كاملة... لكننا لسنا غنيمتكم.



لنتذكر نصر حامد ابو زيد



كل ثابت يتحرك بايقاعه، وزمنه... كوميديا ودراما وعبث وسيريالية في ايقاع لاهث مستهلك، بعدما كان الايقاع ينافس السلحفاة. كيف نفكر في هذه اللحظة؟ هل نفكر فيها كأنّها معزولة عما سبقها كلّه وما سيليها كله، وهو ما يقترب من الانحطاط حيث تتحرك الغرائز وتفرض سطوتها، ام نوسع التفكير لنرى فعلاً موقعنا في مسار طويل؟
هل نترك انفسنا لتستهلكنا لحظة عبثية كما استهلكتنا 30 سنة من عمر مبارك كان الانحطاط فيها ملك المشاعر والافكار ولا يزال يفرض ملكه علينا؟ ام نخرج قليلاً ونوسع المشهد لنرى جيداً؟ وهذا ما جعلني احاول تحقيق هدفين في مقال واحد. اعتذر عن نسيان الموعد، وفي الوقت نفسه انشط ذاكرة من يريد ان يفهم ويفكر، ويخرج من دائرة الانحطاط القاتلة. انشغلت قبل فترة قليلة بما تفعله ثقافة السمع، وقلت إنّها تصنع سلطة حاملي توكيل الفتاوى. هؤلاء هم الذين يبنون الجدران العالية بين الفرد والحياة، وبين العقل والواقع. كأنّ مهمة العقل الوحيدة تثبيت سلطتهم. هذا ما لا يحب ان يسمعه فتوات يقتحمون الحياة الآن بفتاوى تكفير تحمل في طياتها اتهاماً بأنّ كل ما عشناه لم يكن سوى «خروج عن شرع الله». الناس يصدقون، او يشعرون بالذنب ويفسرون خراب حياتهم بالابتعاد عن الله، لا بسيطرة رأس مال فاسد وسياسات تصنع الفقر وتصيب الاغنياء بالتخمة. هل الاعتراض على سلطة هؤلاء الفتوات ضد الدين؟ هل اصبح غير متدين اذا لم ارضخ ولم استمع لشخص مثل شومان او الشحات او يعقوب او البرهامي وغيرهم؟
وهنا عثرت في اوراقي على كلام مهم لنصر حامد ابو زيد قاله في ندوة الجمعية الفلسفية (في الاسكندرية ٢٠٠٤)، واستعيده هنا للذاكرة وليس لتحويله شعارات بدون تفكير (هذه ايضاً صياغات وليست نصوصاً):
1 ـ الدين عنصر مؤسس من عناصر النهضة. لكنّه ليس شرط النهضة. ولا يمكن لأي مشروع نهضة ان يتجاهل الدين.
2 ـ لكن يظل السؤال: أي دين؟ بمعنى أي فهم للدين؟ هل هو الدين الذي صنعته المؤسسات وتطور من الايمان الى العقائد الى الدوغما (او الدائرة المغلقة التي لا تحتمل التفكير)؟!
3 ـ هل هو الدين الرسمي ام الدين الشعبي؟ هل الدين الشعبي كفر؟ محمد عبده ورشيد رضا قالا إنّ الفلاحين الذين يتبركون بالأولياء ويزورون الأضرحة هم عبدة أوثان. هل هم كذلك فعلاً، أم اننا امام تأويل اجتماعي للدين؟ فهل في العصر الذي لم يكن فيه الفلاح يستطيع الكلام مع العمدة مباشرة ويحتاج الى وسيط، هو يحتاج الى وسيط بينه وبين الله؟
4 ـ نحن مهمتنا ليست الحكم على عقيدة احد، بل الفهم. او السؤال عن كيف تطور انتاج المعنى.
5 ـ نحن جميعاً نتصارع حول المعنى.
6 ـ المعرفة مشاركة وحوار ونقد. لكن هناك من يدعون سلطة معرفية ويتصورون انّنا نصارعهم عليها. وهذا ليس صحيحاً فنحن لسنا طلاب سلطة، نحن طلاب معرفة.
7 ـ المؤسسات تختزل الدين في الحلال والحرام. لكن الدين معطى ثقافي حي وفاعل.
8 ـ التراث عنصر أصيل من عناصر النهضة. لا أحصر التراث الديني في الاسلام وحده. هناك تراث من المسيحية واليهودية، دخل في تراث الاسلام.
9 ـ المرعب هو استخدام الدولة للفكر في مشروعها، فتكون الدولة علمانية وهي تحارب الارهاب، ودينية وهي تحارب المعارضة العلمانية، وإرهابية وهي تحجب الحركات الاسلامية.قبل هذه النقطة الأخيرة، حكى نصر حامد أبو زيد عن اعلان استوقفه في محطات المترو في باريس. في مركز الاعلان غلاف كبير لكتاب «نقد العقل المحض»، أشهر كتب الفيلسوف الفرنسي كانط. الاعلان كان عن لبن اطفال والاشارة الى أنّه اذا شرب طفلك هذا النوع من اللبن سيستطيع ان يقرأ فلسفة كانط. يقول نصر: «... المعلن عن السلعة يعمل دائماً على الاشياء المعروفة... وهذا معناه انّ الفيلسوف كانط معروف عند غالبية الفرنسيين. ويفسر ذلك ايضاً انّ كل اعلاناتنا تعتمد على راقصات باعتبار ان هذا ما نعرفه... سأسأل هنا كم شخصاً يعرف طه حسين في مصر؟». هذا يفتح الطريق امام مجموعة اشارات اخرى قالها ابو زيد:
1 ـ اكره كلمة التنوير. لا احب استخدامها، ولا استخدام نقيضها «الظلاميين». هذه التوصيفات تذكرني بمحاولة الدولة في استخدام المثقفين في معركة ضد الارهاب. قلت للمسؤول وقتها: كيف تتحدثون عن التنوير والشرطة توقفني على باب الجامعة وتطلب مني بطاقة الدخول. وفي كل مكان اجهزة السلطة تطاردنا. هل يحدث تنوير برغبة هذه الدولة؟ ام أنّ المفروض ان يتحوّل المثقف الى موظف عند الدولة؟
2 ـ المثقف عندما يتحول الى موظف يفقد دوره.
3 ـ هل فكر احد كيف تتحول النصوص الى نصوص مقدسة؟! بمعنى آخر لماذا يعتبر البعض أنّ اشكال القصاص مقدسة. على الرغم من انّ اشكالاً مثل الرجم او الجلد كانت موجودة قبل القرآن، أي انّه تبناها. ونحن اليوم نعتبرها مقدسة. أي انّنا نهتم بالشكل ونعتبره صالحاً لكل مكان وزمان. والسؤال هنا هل نهتم بالعدل ام بتحقيق العدل؟ وهذا سؤال ارجو التفكير فيه لا البحث عن سبب لتحويل نصر الى قديس او رمز، او تحويله الى شيطان وهدف للرجم...