خوفاً من الفقدان السرّي للعذريّة، يلجأ الآباء المسلمون من أجل المحافظة على غشاء بكارة بناتهم ـــ باعتباره رأسمالهم الرمزيّ الأهمّ ـــ إلى أساليب كثيرة، أوّلها الفصل بين الجنسين والحبس، وأحياناً الخنق الاستباقي. ولأسباب كثيرة، أهمّها العامل الاقتصادي وتطوّر المجتمع، لم يعد ممكناً لبعضهم الاستغناء عن مساعدة الإناث في الحقول، ولا منعهنّ من مواصلة الدراسة وحتى الاختلاط بالذكور في المدن.
أمام هذا الوضع الجديد، ابتدعت الثقافة الشعبية في المغرب العربي وسيلة طريفة يعتقد أنّها تمكّن الفتاة من الدفاع الذاتي عن فرجها في حالة الاعتداء الجنسيّ، وتسدّ في وجهها أبواب الحب حتى حينما تجتاحها الرغبة. طريقة تعرف بـ«التصفيح»، وهي عملية سحرية تكون على مرحلتين: «غلق» البنت قبل بلوغها و«فتحها» سويعات قبيل ليلة زفافها. فهل التصفيح مجدٍ؟ وهل هو كفيل بتجنيب الفتاة فقدان بكارتها وطمأنة القبيلة؟ يدّعي «المصفّحون» و«المصفّحات» ـــ مدافعين عن مهنتهم ـــ أنّ فتيات قد حافظن على الغشاء بعدما اغتصبن، بل هناك من حافظن عليه حتى بعدما وجدن أنفسهن حوامل.
بغضّ النظر عن فعالية التصفيح وجدواه، يوجّه المجتمع الإسلامي المغاربي عبره رسالة إلى الشبان، وخاصة إلى الشابّات منهم، رسالة واضحة هي عدم تسامحه مع أدنى علاقة جنسية قبل النكاح الشرعيّ. ولكنّ الأهمّ في الرسالة هو التشديد في إقناع الفتاة منذ نعومة أظفارها على أنّ فقدانها لعذريتها يعني أنّها تتحوّل إلى شيء «مكسور» غير قابل للاستعمال، إذ تستخدم عبارات مختلفة مثل: «مفسدة»، «مكسرة»، «مخسرة»، «مخدومة»، وغيرها من الكلمات الدارجة المُحقّرة الدالة على هاجس فقدان العذرية. تمارس عملية «التحديد» أو «الغلق» أو «التصفيح» قبل بلوغ الفتاة، ما بين السادسة والعاشرة. هو طقس رمزيّ سحريّ يتمّ في أغلب الأحيان في أرياف تونس والجزائر والمغرب، يهدف إلى تعطيل جنسانية الفتيات عن طريق زرع اعتقاد باستحالة أدنى محاولة إيلاج قبل إعادة «الفتح» من جديد. تختلف طريقة إنجاز العملية من منطقة إلى أخرى، وأحياناً من عجوز فاعلة إلى أخرى، لكن العمليّة لا تتعدّى إحداث بعض جروح في ركبة الفتاة المعدّة للتصفيح تكون 7 في غالب الأحيان، ثمّ تمريغ 7 حبّات من التمر أو الزبيب في الدم المراق، وتُجبر الفتاة على أكلها الواحدة تلو الأخرى مردّدة في كلّ مرة: «أنا حيط وابن الناس خيط»، وهي متوجّهة نحو القِبلة، كما يجب أن تجرى العملية في بيت خال من الذكور. والمقصود من التعويذة هو أنّها أصبحت جداراً والرجل المغتصِب أو المحبوب خيطاً رفيعاً، وهي تورية تشير إلى فرجها المسلّح وقضيبه الذي غدا رخواً من أثر التصفيح. ولإبطال السحر ونزع مفعوله لفتح مجال للجنس في إطار الزواج الشرعي، تُطلب خدمات العجوز الفاعلة ثانية، ومن المستحسن أن تكون حاملة لاسم إسلاميّ دالّ كعائشة أو فاطمة، لتقوم بعكس ما قامت به ولتطلب من الفتاة ترديد كلمة العبور معكوسة: «أنا خيط وابن الناس حيط» (1). وهناك طرق أخرى وتعويذات أخرى ووضعيات أخرى لتحصين البنات وتقوية مناعتهنّ، ولكنّ الجهل يبقى واحداً، يعزّزه الدين ويحافظ عبره على لاعقلانية تضمن استمراره (2). ومن البداهة أن يتحايل الناس ويكذبوا ويخدعوا عندما يكونون محكومين بتقاليد دينية عتيقة ومضطرين إلى احترام قوانين شريعة قاسية لاإنسانية.
فهل تلك طمأنة وهمية ابتدعها منتفعون محتالون من أجل الابتزاز، أم هي حيلة مجتمع بكامله يبتغي من ورائها التحايل على نصوصه الدينية وتقاليده المتكلسة؟ وهل التصفيح وسيلة دفاع عن المرأة وتكيّف مع الزمن، أم هو ترسيخ للتخلف ولثقافة النفاق؟ أم هو بالأحرى حيلة أخرى من حيل الرجال لتغطية وهن فحولتهم في بعض الأحيان، إذ من الأحسن الاعتراف بقوة التصفيح بدل الاعتراف بوهن القضيب؟
أليس التصفيح اختلاقاً لعفاف وهميّ قبل الزواج؟ يحرّم الإسلام الجنس تحريماً مطلقاً خارج العلاقة الجنسية الشرعية، فما الداعي إذاً إلى اللجوء إلى السحر؟ هل هو اعتراف صريح بعدم جدوى الخطاب الديني، أم هو محاولة لمراوغة النصوص والأحكام الدينية والضمير الجمعي؟ لماذا نلجأ إلى تحصين سحريّ، في حين أنّ المرأة «محصّنة» شرعياً كما يقول القرآن؟
وإذا كان الجنس محرّماً خارج الزواج على الجنسين، كما يدّعي من يدّعون بأنّ الإسلام ساوى بين الرجل والمرأة، فلماذا لا نغلق أو «نربط» الذكور أيضاً؟ لا وظيفة لحزام العفّة الوهميّ هذا سوى تعزيز التفريق بين الجنسين والحيلولة دون تفتح البنات جنسياً، وإطلاق العنان لجنسانية الذكور.
لكن يمكن أن يكون للتصفيح دور في تحرير الفتاة المصفّحة، إذ تستطيع أن تفعل ما تشاء لأنّها تعرف أنّ عذريتها محميّة، وربما يترتّب عن تلك الخدعة نتائج وخيمة، فهناك من حملن خارج الزواج دون أن يدرين، ووجدن أنفسهن أمهات عازبات في مجتمع لا يرحم من لا يمتثل لخرافاته وأخلاقياته البالية. وهكذا كانت نتائج التصفيح عكس ما كان مرجوّاً تماماً. ومن المفارقات أنّ وظيفة التصفيح التي كان القصد منها عسكرة جسد المرأة وتحويل كلّ رجل يقترب منها إلى عاجز جنسي أصبحت مع الأيام حجاباً قد يستر عروساً تكون غير عذراء أحياناً، وقد يحفظ ماء وجه فحولة عريس أصيب بعطل ليلة الفضّ. ربما أفضل فضائل هذا الطقس هو نفيه لمسؤولية العروسين في حالة مصادفتهما لمفاجأة ما ليلة الزفاف. ولكن أرذل رذائله، مثله مثل ختان الذكور والإناث، هو كونه اعتداء على حرمة جسد نساء بريئات لا ذنب لهنّ سوى أنهنّ ولدن في بلدان يقدّس ذكورها العذرية، إلى درجة تتحوّل معها فرحة الحبّ عندهن إلى كابوس اسمه «ليلة الدخلة».


هوامش:
1- وفي بعض الأحيان، تجبر الفتاة على التلفظ بألفاظ مهينة كـ«دم ركيبتي سكّر لي نقيبتي»، بمعنى: «يا دم ركبتي الصغيرة أغلق لي حفرتي».
2- «سمعتُ عن سحر التصفيح للبنات ومشاكله، فما هي كيفية إزالته؟ وهل يؤثر على الحياة الزوجية؟ وماذا يعني أن يكون الجنّ خامداً في جسم الفتاة؟! أفيدوني وجزاكم الله خيراً»، تقول سائلة. وها هي إجابة فقيه على الشبكة الإسلامية: «بخصوص ما ورد برسالتك، فإنّ سحر التصفيح للبنات هو عبارة عن نوع من أنواع الربط للفتيات تقوم به بعض الأمّهات الجاهلات في بعض البلدان الإسلامية والعربية للحفاظ على بناتهنّ، حتى تظلّ الواحدة عذراء إلى أن تتزوج، ثم تذهب الأم لتفك عنها السحر، وهذا النوع من الربط يقوم فيه الجنّ بسدّ موضع الجماع عند المعاشرة، وغالباً ـــ مع الأسف الشديد ـــ تظلّ الفتاة مربوطة حتى وهي متزوّجة. مشاكله كثيرة، منها أنّه قد يستمرّ الربط حتى بعد الزواج، فيدخل الزوج الشرعي بزوجته فيجد كأنّها لا فرج لها، وهنا تبدأ المشاكل والبحث عمّن يفكّ هذا السحر، وقد يصلون إلى كاهن أو عراف أو دجال فيزداد الأمر سوءاً، وقد يوفّق بعض الرقاة الشرعيين فيفك هذا السحر بإذن الله تعالى. وأما عن كيفية إزالته، فليس له من إزالة إلا بطريقتين: الطريقة الأولى وهي الطريقة الشرعية عن طريق الرقية الشرعية التي يقوم بها المعالجون المتخصصون في هذا الأمر، بشرط أن يكونوا من أصحاب الديانة والصلاح ولا يستعملون سحراً ولا يستخدمون جنّاً، لأنّ هذا السحر يؤثر على الحياة الزوجية إن استمر، إذ تظل المرأة مربوطة فترة من الزمن. وأما المقصود بكون الجنّ خامداً في جسد الفتاة، فهذا يسمى عادة «خادم السحر»، وهذا يظل محبوساً في جسد الفتاة المسكينة حتى يتم إزالة هذا السحر، لأنّ هذا التصفيح نوع من أنواع السحر، فهو يظل موجوداً لحماية هذا السحر، حتى يأذن الله تبارك وتعالى بفكه، وهو كما ذكرتُ من أعمال الجاهلية».
بترديده لخرافة الجنّ والسحر، يظهر جهل المجيب المطبق بعلم النفس وابتعاده عن أبسط قواعد الروح العلميّة، إذ إنّه لا يفقه أنّ الفتاة تعيش عملية التصفيح كصدمة أو رضّة نفسية (تروماتيزم) يمكن أن تضطرب الوظائف الجنسية على أثرها بشكل خطير. ولا يعرف المجيب أنّ في القضية قدراً كبيراً من الإيحاء وانكماش العضو اللاإرادي... الخ، وأن لا دخل «للجن» إطلاقاً! وعموماً كل المأساة ترجع أساساً إلى تديين العلاقة الجنسية. ولكن كلما تقدمت قوة العقل تراجعت قوة الخرافة، وهو ما يقوم به علماء النفس والاجتماع والطبّ في بلدان المغرب العربي، رغم سيطرة الذهنية الإيمانية على العقول جراء الهجوم المضاد الذي يشنه الفكر الديني اللاعقلاني منذ عشريّتين، ممارساً رذيلته الفضلى: الإقناع بالإخضاع.

 
* باحث جزائري