تكاد الحرب الباردة المشتعلة بهدوء، تكون اتفاقاً غير معلن بين المعسكرين الشرقي والغربي، الذي يعي كل منهما مصالحه جيداً، إذ إنه يختفي عند أتباع التقاليد السياسية، مسمى الاصدقاء او الاعداء، ووحدها المصالح تضيء امام الأعين. وحدهم العرب يحتفظون باصدقائهم واعدائهم كما هم، ويفرطون بمصالحهم امام اعينهم. وفي المنطقة الملتهبة يعيد الاذكياء تموضعهم، بينما يترقب سكان المنطقة ذلك، وهم يعيشون اجواء الحرب، ليسألوا بهلع «يا ترى هل ستشتعل الحرب؟». الحرب بكل عناصرها هنا: بالقتلى، وبحالة الفزع، وترويع الامن، وبارتفاع اسعار النفط، وتضخيم المخاوف وانتشار البوارج، وطبعاً بحرب الاعلام التي تنسف ما تبقى من مهنية.في حروب المعسكرات القديمة التي قسمت العالم إلى شرقي وغربي، لا يوجد مكان لمن يقفون في المنتصف. وفي المنتصف تقع المنطقة العربية، المحايدة دائماً، لتجسد قيمة الخوف المضاعف من ايران والولايات المتحدة.
ايران، وروسيا، والصين، تحالف يجيد الاحتفاظ بالمصالح امام الاعداء التقليديين في العالم الغربي، وجميعهم غير مستعدين اطلاقاً، لدفع الثمن الباهظ، لحرب الاحتفاظ بالمصالح، لكن في الارض الخصبة تكمن الحلول، فتشتعل الحرب بالوكالة بين حين وآخر، وتكون المساحة العربية المغرية جزءاً تكتيكياً من اللعبة، فيأتي التدخل العلني باسم حماية مكتسبات الشعوب العربية الثائرة، لكن الاسم الحركي للتدخل هو ذاته العنوان القديم «الحفاظ على المصالح الكبرى للدول الكبرى». طبعاً في قائمة الدول الكبرى في  العالم، لا نجد اسم اي دولة عربية، حتى لو كانت قطر، إذ إنّ غالب الدول العربية مشغول بالحروب الصغيرة الداخلية، الى جانب العمل الدؤوب لتنفيذ اجندة الحرب الوهمية لمن يحمون المصالح العربية.
قد لا تقع الحرب بين ايران والولايات المتحدة، بل لن تقع، طالما مصلحة الطرفين قائمة، وطالما ليس هناك حاجة إلى مزيد من الخسائر، وخاصة الخسائر الأميركية. إذ إنّ حامية الديموقراطية في عالم النفط الهمجي، تكلفت الكثير من وراء تبنى هذا الهدف النبيل، لدرجة اعجزت ميزانيتها.
أيّ حرب ستؤجج الرأي العام المشتعل اصلاً في اميركا، وما دامت القوة ترسو على شواطئ الخليج والمصالح متحققة، وخريطة الشرق الاوسط الجديد تستعد للطبع، فلا حاجة إلى الحرب الكلاسيكة. وفي ربيع العرب المشتعل، يمكن ان تقوم الولايات المتحدة الاميركية بالمهمة المقدسة ذاتها، وفي الوقت نفسه تحتفظ بجنودها احياء، فلا تعود الطائرات الاميركية محملة بالتوابيت.
ويمكن لإيران النووية نفسها ان تستفيد من هذه الهجمة عليها، وتستغل الصورة النمطية عنها، لمزيد من فرض الهيبة في المنطقة، إذ إنّ ايران المخيفة، لن يخشاها الآن من يدفع فاتورة النفط، ولن يرضخ لما تريد الا من يبقى عاجزاً عن توفير ممر بديل للكنز الاسود، ولن يسلّم بقوتها الا المسكون بهواجس الضعف.
الا يبدو الخليج معزولاً، وحيداً، ويعيش بعيداً عن محيطه العربي ـــــ الاسلامي؟ من صاحب المصلحة في عزل الخليج عن محيطه، ليغذيه بكل هذه  المخاوف، ويسرق ما تبقى له من نفط؟
والى جانب مخاوف ايران النووية، هناك المشاغبون العرب، الذين لم يكتفوا بانحسار مدهم اليساري والقومي ـــــ الثوري، ليملأوا الاعلام الخليجي مجدداً بتقاليع لا تتناسب ووضع الخليج المحافظ. هكذا يضطر الخليج إلى أن يفرض حضوره الطاغي، إما بالاحتواء او بالالتواء، فيعرف متى يشد ومتى يرخي، ومتى يقطع، لكن يبقى حبل الثورات العربية الممتد كفتيل مشتعل بما يكفي ليصل إلى الخليج ذاته، ولا سيما ثورة اليمن، التي تعد الاقرب والاقوى، والمهددة فعلياً بعصف عمق الخليج. وطبعاً كلما زادت المخاوف كانت الفاتورة باهظة.
الخليج العربي لا يستطيع أن يؤمن نفسه ولا جيرانه، ولعله فريسة للمعسكر الغربي، هو الواقع جغرافياً في شواطئ ومفاصل الخليج، لتكون الحرب الكلامية بين ايران والولايات المتحده، حرباً لإشعال اسعار النفط، وجعل المنطقة دائماً غير مستقرة، متوترة ومقلقة... ودائماً بحاجة إلى دعم المستقر ـــ القوي، للحماية من وقوع الحرب.
* إعلامية يمنية