نحن هنا لنقف إلى جانب سلامة كيلة، صديقاً ورفيقاً وكاتباً وإنساناً. نحن هنا لنشجب القمعَ الذي لحقه، ولنصرخَ بأعلى صوت: إنّ اعتقال سلامة كيلة هو اعتقالٌ رمزيٌّ لنا جميعاً، لاتحاد الشباب الديموقراطي في لبنان، ولكلّ كاتب يكتب في مجلة الآداب! نحن هنا لنقول إنّ لسلامة كيلة عائلةً في لبنان. قد لا يكون لسلامة من يستطيعُ أن يخرجَه فوراً من سجنه، لكنّه على الأقلّ ليس مقطوعاً من شجرة: بل له رفاق، وقرّاء، وناشرون، ومحبّون، وأصواتٌ ترفض أن تتمتع بنعمة الصمت عن الخطأ والخطيئة! نحن هنا لنقول إننا مع حرية سلامة كيلة في التعبير، والنقد، والنشاط السياسي، وبخاصة في هذه الأزمة الهائلة التي تمرّ بها سوريا. في هذه الأزمة تحديداً أكثرُ ما نحتاجُ إليه هو الرؤيةُ الوطنيّة، العربيّة، العلمانيّةُ بلا تزمّت، الرافضة للتدخّل الأجنبيّ بلا هوادة، الكارهة للاستبداد بلا تلكّؤ. لكننا هنا أيضاً لنعلن شجبَنا للخطاب السياسيّ والثقافيّ العربيّ البائس في ما يخصّ الحريات عى نحو محدّد. فإذا قلنا «إننا مع حريّة سلامة كيلة»، صرخ شبّيحةُ النظام: لكنّ الوضع في سوريا دقيق، وعليكم أن تراعوا المرحلة التي تمر بها سوريا!وإذا قلنا «إننا مع حرية سلامة كيلة»، صرخ شبّيحةُ المعارضة: وماذا عن حرية زينب، وجورج، وعشرات آلاف المعتقلين السوريين منذ أكثر من سنة؟
وإذا قلنا «الحريّة لسلامة كيلة، الكاتبِ الفلسطيني مولداً، الأردنيّ جنسية، السوريّ هماً، العراقيّ دراسةً، اللبنانيّ حباً»، صرخ شبّيحةٌ آخرون: وماذا عن معتقلي الرأي في البحرين والسعودية وقطر والكويت والـ...؟
وإذا قلنا «أطلقوا سراح سلامة كيلة، الماركسيّ المتجدّد، الداعي الى تحرير فلسطين وبناء الدولة العلمانيّة الواحدة على كامل فلسطين التاريخيّة»، صرخ شبّيحة آخرون يقولون: يعني أنّكم، يا أنصار سلامة، معه فقط لأنّه ماركسيّ متجدّد ومع تحرير فلسطين؟!
وإذا قلنا «أخرِجوا المثقفين العرب من سجون الاعتقال والتعذيب»، قفز شبّيحة من نوع طريف، هو النوع الثورجي المزايد قائلاً: يعني معليش يعتقلوا الناشطين والطلاب والأطفال؟ انتو مو هاممكم الا المثقفين؟!
لكلّ الشبّيحة، مهما كان نوعُهم ومقاسُهم ودرجتُهم، نعلن، نحن المتضامنين مع سلامة كيلة، ما يأتي: نحن مع حرية كلّ العرب وغير العرب في الوطن العربيّ، مثقفين وفنّانين وطلاباً وفلّاحين ومزارعين وأطبّاء و...، في التعبير الديموقراطي، والتظاهر السلميّ، والعمل السياسيّ، والنشاط التعبويّ.
نحن هنا مع إطلاق جميع المعتقلين السياسيين وسجناء الرأي في سوريا والبحرين والسعودية وقطر والصومال وليبيا والأردن وتونس واليمن والكويت والإمارات وعُمان ومصر والعراق والسودان ولبنان والجزائر والمغرب وموريتانيا.
ومع ذلك فسيصدح الشبّيحة: هاي، وين رايح، نسيتَ جيبوتي وجزر القمر! وسيَزْعق آخرون: هلّق سوريا متل لبنان؟ وسيصرخ فريقٌ ثالث: وهل تطالبون بإطلاق سراح المجرمين والتفخيخيين؟ وسنجيب: نحن ندين الاعتقالَ السياسي والفكري في أيّ بلد، مهما كانت درجاتُه ومسوِّغاته، ما دام المعتقلُ لم يرتكب الجرائم.
نعم إننا في وضع ثقافيّ بائس فعلاً. لقد غدت المسلّماتُ بحاجة إلى أن نسوّغها على استحياء بنظريّة «6 و6 مكرر» اللبنانية المقيتة. وصار الدفاعُ عن حرية الرأي والتظاهر والإعلام عملاً ينبغي أن نقدّم إليه كلَّ المرجعيّاتِ الفكرية والقانونية والسياسية بمختلف اللغات. وصار علينا أن نفكّر مرتين في عواقب الدفاع عن إنسان فقير ونبيل ومناضل وصادق كسلامة كيلة!
لقاؤنا اليوم، إذن، ليس تضامناً مع سلامة كيلة الذي اعتقلته قواتُ الأمن السوري من بيته في دمشق قبل أيام، فحسب، بل هو أيضاً وبالدرجة نفسها شجبٌ لاعتقال كلّ سلامة كيلة في أيّ مكان من وطننا العربيّ، الموحّد بالبؤس والمهانة!
* رئيس تحرير مجلة الآداب، والمقال هو نص الكلمة التي ألقاها في المؤتمر التضامنيّ مع سلامة كيلة الذي عقد أمس في مركز توفيق طبارة في بيروت