أصدرت مجموعة من أبناء الكنيسة الأرثوذكسية بيان يشجب مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» الانتخابيّ، ويدعو إلى قوانين لاطائفية. وننشر نصه في ما يلي، على أمل أن يؤدي ذلك لفتح نقاش يتعلق بأي قانون انتخابات نريده لوطننا:
بحجّة «تعزيز موقع الطائفة الأرثوذكسية» برزت أخيراً مشاريع ودعوات، برز منها مشروع «اللقاء الأرثوذكسيّ» الانتخابيّ الذي يقضي بأن تنتخب كلّ طائفة نوّابها، ومشروع تأسيس اتحاد يضمّ الجمعيات والمؤسّسات الأرثوذكسية.
في هذا السياق، نحن الموقّعين أدناه، مجموعةٌ من أبناء الكنيسة الارثوذكسية الأنطاكية، جئنا بهذا البيان نعلن رفضنا لكلّ تكتّل طائفيّ يتّخذ من الهويّة الأرثوذكسية غطاءً له، وذلك لتَعارضِه المُطلق مع الرؤية المسيحيّة الإيمانيّة لالتزام شؤون المجتمع والانسان. هذه الرؤية التي ترتكز على وصيّة يسوع المسيح بأن نكون، كمسيحيين، خدّاماً للجميع نجسّد محبّته خدمةً للمظلومين والفقراء، الذين وحّد ذاته بهم، أياً كان دينهم أو معتقدهم.
إنّ المشاريع المذكورة آنفاً، الداعية إلى انغلاق الارثوذكسيين وتشبّثهم بمصالحهم الطائفية، لن تؤول، حقيقةً، سوى إلى خدمة مصالح بعض السياسيّين الذين يتقنون مهنة استغلال الناس من خلال خطاب «الدفاع عن حقوق الطائفة»، وأخذهم بعيداً عمّا يخدم مصالحهم الانسانية الحقيقية. كما أنّها تصبّ في خدمة النظام الطائفيّ اللبنانيّ، حيث تزيد من حدّة التجاذبات الطائفيّة بين المواطنين، وتُسهم في تنامي التكتّلات الطائفيّة، وترسّخ حالة «استملاك» المراكز الادارية على الأسس الطائفيّة وتُخلّد دوّامة تفتيت وحدة الوطن والمجتمع.
إنّ هذا النظام الطائفيّ، إضافة الى ما يعتريه من شرور بنيوية وما ينخره من فساد، شرّع استغلال الدين، والله، لخدمة الصراع على السلطة والمال والنفوذ. وساهم أيضاً:
1. في تعميق الهوّة بين الأغنياء والفقراء وفي تدهور مريع للعدالة الاجتماعيّة، إذ إنّ نحو 30% بالمئة من اللبنانيين يعيشون بمبلغ ستة آلاف ليرة يومياً.
2. في إفراغ الدولة من الأسس التي تقوم عليها وجعلها رهينةً لمجموعة من أصحاب المصالح الماليّة والسلطويّة الذين أحكموا قبضتهم على مقوّماتها.
3. في تأجيج الحرب اللبنانيّة، والتأسيس لحروب جديدة، عبر تسخير العامل الدينيّ في خدمة الاقتتال الداخليّ الذي ذهب ضحيّته مئات الآلاف من قتلى، ومعوّقين، ويتامى، وأرامل، ومفقودين.
إننا، لهذه الأسباب، نرى أنّ النظام الطائفيّ يناقض إنجيل يسوع المسيح، فالمسيحية لا تعرف سلطةً غير الخدمـة التي، من خلالها، ينقل المسيحيّون محبّة الله الى العالم ليتعرّف العالم إليه، ويصير أكثر حريّةً وعدالة اجتماعيّة وسلاماً. ونرى أنّ الموقف «السياسيّ» المستقيم للإنسان المسيحيّ هو ذاك الناقد للطائفية والمنحاز الى جانب المحرومين والمقهورين والساعي إلى تغيير جذريّ للبنى التي لا تقيم وزناً للعدالة وكرامة المواطنين. وبالتالي، فإنّ الموقف الارثوذكسي الحقّ هو ذاك الساعي إلى السير بلبنان نحو دولة المواطنة (الدولة المدنية اللاطائفيّة) التي تقوم على أسس الحرّية والعدالة الاجتماعيّة. أمّا طروحات كالتي نراها اليوم في لبنان، فإنّها تُجذّر النظام الطائفيّ ومفاعيله في أذهان المواطنين، مما يجرّ المجتمع اللبنانيّ إلى مزيد من التقوقع والانغلاق والخوف والتزمّت والعنف الذي سبق وشهدناه في الحرب اللبنانيّة.
إننا إذ نؤكّد، ثانيةً، رفضنا لهذه الطروحات الطائفيّة، ولكلّ طرح طائفيّ مماثل، وللنظام الطائفيّ اللبنانيّ، ندعو سائر المسيحيين في لبنان إلى مشاركتنا العمل على تحقيق نظام يكون أكثر انسجاماً مع المفهوم المسيحيّ للدولة الذي يتجلّى في دولة تحترم المواطنين والمواطنات كافةً. هذا ونحن على يقين بأنّ هذه الرؤية اللاطائفيّة لا يمكن أن تحقّق أهدافها إلّا عبر مسيرة لاطائفيّة تقوم بالشراكة مع كلّ أخواتنا وإخواننا في الوطن ممّن يريدون أن يحيوا متساوين في وطن واحد، في ظلّ دولة مدنيّة لاطائفيّة، ترعى الحريّة والعدالة معاً.

الموقعون:
د. كوستي بندلي (مدرّس جامعي وثانويّ متقاعد وكاتب)، الأستاذ رينيه أنطون (أمين عام سابق لحركة الشبيبة الأرثوذكسيّة)، د. خريستو المرّ (أستاذ جامعيّ وكاتب)، البروفيسور نيقولا لوقا (أستاذ جامعيّ)، د. أسبرانس دبس لوقا (أستاذة جامعيّة)، د. إليان الأشقر (أستاذة جامعيّة)، د. يارا أنطون (طبيبة)، الأستاذ فؤاد الصوري، المهندس ألكسندر رومي، المهندس فؤاد الدروبي، المهندس الاستشاريّ نجيب كوتيا، المهندس رامي حصني، الآنسة أرجان تركيّة، المهندس بول صوّان، المهندس عماد حصني، المهندس إيلي كبّة، المهندس فادي نصر، الأستاذ جوزيف حاج، المهندس فرح أنطون، المهندس فادي بيطار.

يمكن المشاركة بالتوقيع إلكترونيّاً على الموقع التالي: www.change.org/petitions/orthodox-opinion