استثنت مسودة مشروع نظام انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني، المنبثقة عن اجتماع «لجنة تفعيل منظمة التحرير»، الذي انعقد منذ أيام في عمّان، والتي شاركت فيها كل الفصائل الفلسطينية، بما فيها حركتا حماس والجهاد الإسلامي، الأردن من تعريفها لمناطق الشتات الفلسطيني. إذ استثني اللاجئون الفلسطينيون المقيمون في الأردن من المشاركة في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني المزمع إجراؤها في أيار المقبل، بالإضافة إلى احتكام العملية الانتخابية لاتفاق أوسلو و«التزامات» منظمة التحرير الفلسطينية تجاه دولة العدو الصهيوني، بما يعني التزام أي مجلس وطني فلسطيني قادم بالاعتراف بدولة العدو الصهيوني وإقصاء فلسطينيي الداخل المحتل عام 1948 أيضاً من التمثيل في المجلس الوطني الفلسطيني. إنّ الخطورة التي تنطوي عليها قرارات «لجنة تفعيل منظمة التحرير»، في إطار هذه المشاركة الفصائلية الواسعة، تأتي في السياق المحدد لما يسمى «المصالحة الوطنية الفلسطينية» والتي يتم ترتيب فصولها على قاعدة اتفاق أوسلو و«التزامات» منظمة التحرير. وهو ما يؤكد صحة الاستخلاصات التي ذهبت إلى القول إنّ حركة حماس غارقة في الحل السلمي حتى ذقنها، ابتداءً من اتفاق القاهرة في 2005، وصولاً إلى اتفاق القاهرة 2011 الموقّع في أيار الماضي.
إنّ هذا السياق يكشف وجه المحاصصة السلطوية بين كل من حركتي فتح وحماس، وينفي بطبيعة الحال الخلافات المعلنة للشعب الفلسطيني بين أكبر فصيلين من كونها خلافات بين نهجين ـــــ نهج المقاومة ونهج العملية السلمية. فتلك المقررات تضع الجميع على قاعدة واحدة، هي قاعدة اتفاق أوسلو والعملية السلمية، وتطيح في الوقت ذاته الطروحات التي ترى في الأزمة السياسية الفلسطينية «أزمة تمثيل سياسي» تُحَلّ بطريق المصالحة ووحدة الصف الفلسطيني والبدء بعملية ديموقراطية. فالأزمة ليست أزمة تمثيل كما هو واضحٌ لنا، بقدر ما هي أزمة المشروع السياسي الفلسطيني وآفاقه.
وبذلك يخلق هذا المشروع السياسي الذي يرفع شعار إصلاح منظمة التحرير مأزقاً، عندما تكون القاعدة السياسية التي تنطلق منها اتفاقية أوسلو ومقررات دهاليز العملية السلمية والاعتراف بدولة العدو الصهيوني. هكذا يكون استثناء اللاجئين الفلسطينيين في الأردن من المشاركة في انتخابات المجلس الوطني الفلسطيني ترسيخاً لمقررات الواقع (أوسلو ـــــ وادي عربة ـــــ احتكار التمثيل الفلسطيني بـ«السلطة الوطنية الفلسطينية» وتغييب اللاجئين)، وإمعاناً في عزل أكبر كتلة بشرية من اللاجئين الفلسطينيين، وإخراجها من دائرة الانتظام في مواجهة المشروع الصهيوني. وبغض النظر عن «النيات الطيبة» التي أعلنها أعضاء المجلس، عن أن هذا الاستثناء لا يأتي في سياق مشروع التوطين، وأنه أتى في إطار تفاهم أردني فلسطيني (لكون الفلسطينيين المقيمين في الأردن لهم حق الانتخاب والتمثيل في البرلمان الأردني) وأنّ هذا الاستثناء لا يعني التنازل عن حق العودة، فإنّ هذا التبرير المفضوح لا يثبت من نياته الطيبة شيئاً، بل يؤكد مقررات الواقع، ويجعلنا نتكهن بأنّ سلسلة الاستثناءات قد تمتد لتشمل لاجئي كل من لبنان وسوريا بذرائع مختلفة. ذلك أنّ الغاية الحقيقية التي تطيح الشعار المعلن «إصلاح منظمة التحرير» هي إعادة صياغة المحاصصة السلطوية ودمج حماس في إطار مشروع التسوية السلمية على قاعدة أوسلو.
إنّ إخراج اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في الأردن، استناداً إلى قاعدة تفاهم أردني ـــــ فلسطيني من دائرة التمثيل في المجلس الوطني الفلسطيني، يعيد إلى الأذهان النهج المتبع في اللعب بورقة الهوية من قبل الطرفين في إدارة ملفات أزماتهما السياسية المستعصية، بغرض التخفيف من حدتها، فإذا كان النظام الأردني قد نجح، استناداً إلى لعب ورقة الهوية، بخلق انسلاخ طولي، وتشويه لمكونات المجتمع بهدف ضرب أفق التغيير الثوري الديموقراطي الذي سيطاوله؛ فقد فشلت منظمة التحرير عبر تجربتها التاريخية في تجاوز شروط هذه اللعبة التي وضعت نفسها في سياقها وباتت تستخدمها اليوم في مواجهة أزماتها الراهنة. إنّ اللعب بهذه الورقة يستوجب منا إعادة الاعتبار لحقيقة الصراع بكونه ليس صراعاً فلسطينياً ـــــ إسرائيلياً بقدر ما هو صراعٌ تحرري شامل، يقف في مواجهة المشروع الإمبريالي الاستعماري التفتيتي، وإنّ قاعدة المواجهة فيه متجاوزة أصلاً للنظام الرسمي العربي، ومستندة إلى القاعدة الشعبية الرافضة للاستعمار والتبعية. عبر إعادة الاعتبار للوجه الحقيقي للصراع، يخلق الفلسطيني العضوي والأردني العضوي والمصري العضوي، بحيث يضطلعون بمهمات مختلطة لكونهم مناضلين عضويين في مشروع التحرر العربي الشامل، لا يقف أيٌ منهم على خط الحياد وينتابهم التباسٌ هوياتي أملته عليهم استراتيجيات إدارة الصراع المفروضة من أنظمة التبعية التي تدور في فلك المشروع الإمبريالي. هكذا يصبح الفلسطيني العضوي في الأردن مشاركاً مباشراً في إنجاز مهمات التغيير الثوري الديموقراطي في الأردن، ومشاركاً مباشراً في تصحيح مسار البوصلة السياسية الفلسطينية وإطلاق المقدرات الثورية للشعب الفلسطيني وإنجاز مشروعه في العودة وتحرير كامل الأراضي المحتلة، يساندهُ في ذلك الأردني العضوي وكل المناضلين العضويين العرب، قاطعين الطريق بذلك أمام كل المتلاعبين بورقة الهوية. 
إنّ المضي قدماً في عزل اللاجئين الفلسطينيين ـــــ العضويين، يحمل في ثناياه بذوراً لانفجارات مقبلة لا يقف فيها اللاجئون مكتوفي الأيدي حيال استثنائهم وسلبهم حقهم في تمثيل أنفسهم وتصحيح المسار الكفاحي لمنظمة التحرير الفلسطينية عبر رفضهم للتوطين ومشاركتهم في إدارة الصراع مع العدو الصهيوني في إطار مشروع التحرر الشامل، من شأنه أن يجعل من مهمة إعادة تعريف «الممثل الشرعي والوحيد» وتنظيف هذا الشعار من العالقين به من رواد صالات أوسلو ودهاليز العملية السلمية مهمة ملحة سيضطلع بها جموع اللاجئين بأيديهم المجردة بالتكامل مع مشروع قوى التغيير العربية التقدمية.
 * كاتب فلسطيني مقيم في الأردن