في 11 أبريل/ نيسان 2002 تمكنت البرجوازية الفنزويلية، بدعم من الـCIA، من تنفيذ انقلاب عسكري على الرئيس هوغو تشافيز، هو تكرار لتقليد سياسي أميركي ضد خيارات الشعوب. ولكن بعكس أغلب هذه الانقلابات، تمكّن الفنزويليون من قلب المعادلة بعد يومين، أي في 13 أبريل، وإعادة تشافيز، وهو ما دعا الباحث الجاد جورج تشيكاريللو ماهر إلى أن يعتبر هذا اليوم يوم الثورة الفنزويلية الحقيقي؛ حيث أثبت الانقلابيون للشعب، أن الانتخابات البرلمانية وحدها لا تحقق الاشتراكية، وخاصة إن كانت النخبة متحكمة باقتصاد البلاد ومتغلغلة بجيشه وإعلامه.لكن من هم هؤلاء الفنزويليون الذين ثاروا على السلطة؟ ولمَ خشيهم الجيش، وانقسمت كوادره حول مواجهتهم؟ سنلخص في هذا المقال فكرة تشيكاريللو ماهر، التي ترى أن الشرائح الأفقر للشعب الفنزويلي فرضت بالعنف، لا بثقافة السلم، شروطها على مستغليها.

طلائع ودروس خارجية

عاشت فنزويلا لحظة ثورية مبكرة عام 1958، حيث ثار الشعب، واستجاب الجيش، فتأسست ديموقراطية ليبرالية على يد اليساري السابق روميلو بيتانكورت. وهي النموذج الذي يحلم به معظم أبناء وبنات برجوازيي الربيع العربي تحت شعار «الحرية». ولكن تلك الديموقراطية بقيت نخبوية ومعادية لطموحات أغلبية الشعب، فانفجرت الصراعات، وقرر بعض اليساريين اعتماد حلول أكثر ثورية وعنفاً كما حصل في كوبا. وتقوم فكرة الثورة الكوبية باختصار، على تشكيل طليعة مدينية تطلق تمرداً في الأرياف والجبال والغابات ضد السلطة. وأسهمت كتابات المنظر الراديكالي الفرنسي ريجيس دوبريه Regis Debray في شيوع النموذج الكوبي بين اليسار الفنزويلي؛ حيث لم يرَ حاجة لكسب الجماهير كما في النموذج الروسي أو الفرنسي. فطليعة ثورية تقود معارك حرب غوار قادرة على إسقاط النظام. لكن كالكثير من نظريات الثورة والتحديث والإصلاح التي اقترحها أبناء الشمال على أبناء الجنوب، لم تنجح نظرية دبراي وانتهت معظم تجارب الغوار في أميركا الجنوبية بالفشل (Ciccariello-Maher: p19). حيث يبدو أن دبراي ومن تبعه «بسذاجة» من ثوريي حرب الغوار ركزوا على الريف، معتبرين إياه الحلقة الأضعف في النظام. ولكنهم لم يقدروا مسألة أن عشية إعلان الكفاح المسلح كان الريف قد فقد الأغلبية الساحقة من سكانه لمصلحة المدن؛ حيث شكل الحضور الديموغرافي المديني ما نسبته 60% من سكان البلاد، وارتفعت هذه النسبة إلى 70% مع نهاية التمرد، لتصل إلى 90% حالياً!
كذلك إن اليساريين لم ينتبهوا في البداية لطبيعة المجتمع الما بعد ريفي الذي تشكل في العشوائيات والأحياء الفقيرة، التي تعرف بالباريوز (Ciccariello-Maher: 2013). ولم يعرفوا كيف يكسبون أهالي الباريوز إلى صفهم في البداية؛ اذ حاولوا تحويل الباريوز لساحة معارك مع السلطة، فتمرد بعض الأهالي على الثورة المسلحة.

المراجعة الفكرية والطليعة الثورية

كان هناك نقاش وانقسام كبير بين اليساريين حول كيفية التعامل مع مجتمع لا يملك بروليتاريا ناضجة، وخاصة بعد هزيمة حرب الغوار. فوفق النظرية الماركسية الكلاسيكية، العمال هم من ينهض بالثورة. ولكن في فنزويلا، وكمعظم دول الجنوب غير الصناعية، كان العمال قلة. وتمكن النظام بعد سنوات من القمع من قهر نقاباته وتدجين عمالها. فوقف الكثير من هؤلاء لاحقاً ضد إصلاحات تشافيز معتبرين إياه شعبوياً وغوغائياً.
ومع ذلك بقي قسم من اليسار مؤمناً بالتغيير الديموقراطي الانتخابي عبر الجامعات والنقابات. وما عزز ذلك، مرة أخرى النظريات اليسارية «الشمالية»، التي بدأت تلاحظ التحولات الاجتماعية المتمثلة باتساع الطبقة الوسطى بمعناها الرمزي والمادي، إثر انتشار التعليم وبروز الطلبة كشريحة اجتماعية واسعة، لها تنظيماتها وتطلعاتها ومشاكلها.
أخذ البعض يرى في الطلاب، بديلاً أو حليفاً أساسياً للبروليتاريا، إثر انتفاضات الطلاب بأميركا وفرنسا وإيران وغيرها في الستينيات.
ولكن خصخصة التعليم في التسعينيات، وتفشي الأمركة وقمع السلطة، أبقىا شريحة الطلاب محدودة عددياً ومنحازة طبقياً إلى الغرب. وهكذا عجز هذا القسم من اليسار عن الانتشار شعبياً، وخاصة في ظل تجاهله لقيمة الباريوز. في حين أن فريقاً آخر من اليسار انخرط في عالم الباريوز الرث. وجاء معظم هؤلاء من خلفيات «غوارية» ذاقت طعم الفشل، ولكنها عرفت معنى التنظيم واستخدام السلاح، مع إبقاء واجهات سياسية سلمية (Ciccariello-Maher: 2013, p50).

الباريوز عالم الثورة الرثة

انتمى معظم سكان الباريوز إلى البروليتاريا الرثة، ذات الجذور الريفية، مشكلين مجتمعاً ما بعد ريفي مميز. وانتمى إلى هؤلاء الهامشيين، ما نسبته 53% من مجموع القوى العاملة عام 1999، اذ لم ينتظم سوى 13.5% منهم بنقابات. فيما كان معدل الفقر قد وصل الى ما يقارب 70% عام 1995. فيما وصلت نسبة الفقر الشديد إلى ما يقارب 45%، وهي أعلى نسبة فقر في أميركا اللاتينية بالنسبة إلى مجموع السكان (Ciccariello-Maher: 2013, p224) (Wilpert: 2007,p109). لم يقدر الكثير من اليساريين «النصوصيين» الفنزوليين قوة أهل الباريوز بجدية. فبالنسبة إلى هؤلاء «الثوريين»، من الصعب الاعتماد على البروليتاريا الرثة التي حذرنا منها ماركس وأنغلز، بنعتها «أخطر الطبقات». فهم لا يؤتمنون، وعادة ما يستغلهم الرجعيون لضرب البروليتاريا (Marx and Engels: 2008, p48). إنها طبقة «السراق» و«البلطجية» و«القوادين»، وينبغي دائماً حفظ مسافة بيننا وبينهم. فهي غير مؤهلة لحمل مشروع الثورة الحقيقي كالبروليتاريا المنتظمة بنقابات أو أحزاب يسارية.
وسرعان ما اكتشف الفريق اليساري الذي لجأ إلى الباريوز، أن أهله مناسبون أكثر للثورة من بيئات البرجوازية، وحتى أكثر من البروليتاريا، رغم انحدار معظم الغواريين منها. فهناك تقبع «الحثالة الاجتماعية» حسب أدبيات خصومهم، التي نتجت من نظام اقتصادي «سافل»، وبلا أخلاق. وأعني به النيوليبرالية. فإذا كانت الرأسمالية العفنة كما كانت توصف قد خلقت بروليتاريتها الحاقدة، فالرأسمالية المتوحشة (النيوليبرالية) خلقت بروليتاريتها «البربرية».
فبفضل النيوليبرالية، صارت الباريوز مرتعاً للجريمة. كذلك تفشت فيها المخدرات بفعل الدولة. وظهرت آفات الانحطاط كإدمان الكحول، والعنف المنزلي، والبطالة، والسرقة، والدعارة وغيرها. لكن هذه البيئة المحاربة اقتصادياً، قاومت عشوائياً تعديات السلطة والعصابات.
وهنا تدخل الغواريون السابقون، وأسهموا في إعادة تنظيم الشباب كفرق مسلحة. فكشفت المعارك اليومية طوال العقود السابقة، عن فضائل نضالية وقتالية من الصعب استنباطها لدى أبناء الشرائح الاجتماعية الأوفر حظاً.
فأول أشكال الصدام المنظم بدأت، حين أخذ أبناء هذه العشوائيات بالتكاتف، لحماية أبنائها من ضربات السلطة الأمنية. فالشرطة ورجال القانون مثلوا الأجهزة القمعية لسلطة البرجوازية المعادية للشعب.
ومن هنا صار الكثير من «بلطجية» و«مجرمي» هذه الأحياء أبطالاً شعبيين في نظر الأهالي لتصديهم للشرطة. وما يلفت الانتباه هنا، أن الأهالي آمنوا بأن السلاح والعنف ليسا عيباً! فحياتهم ليست كحياة أبناء اليسار البرجوازي «المهذب»، وخاصة بعد هزيمة حرب الغوار. فأغلبية الجيل الجديد من اليساريين البرجوازيين أفسدتهم اللبرلة، وأقلعوا عن ثقافة السلاح، وآمنوا بالطرق السلمية كحل شبه وحيد. كثقافة الحوار، والانتخابات، والتظاهر، واحتلال الأماكن العامة، والوحدة الوطنية، واحترام القانون الذي وضعته نخبتهم البرجوازية. أما أبناء الباريوز، فوعيهم وتاريخهم مختلفان تماماً. فأشهر هذه الأحياء هو حي 23 من يناير، الذي اكتسب اسمه بعد أن انتفض سكانه بجسارة على دكتاتورية بيريث خيمينث عام 1958، وغيروا اسم الحي من 2 ديسمبر (وهو يوم وصول بيريث خيمينث إلى السلطة عام 1952) إلى 23 يناير، أي التاريخ الذي ثاروا فيه عام 1958 لخلعه ومصادرة الحي بأكمله. فالحي الذي يضم الآن نحو نصف مليون مواطن، صار قبلة للكثير من الغواريين السابقين. كذلك أنبت الحي مقاتليه المحليين، الذين اطلعوا وتتلمذوا على تجربة الغواريين، مشكلين ما يعرف بالأدبيات الماركسية الثورية بالتوباماروس (Tupamaros).
فهذه المجموعات الأهلية المسلحة ذات هوية مركبة. فبعضهم يعتبر نفسه مجرد حام للحي من ظلم السلطة؛ فهم «غير مؤدلجين»، في حين أن آخرين يعرفون أنفسهم على أنهم توباماروس ماركسيون لينينيون تدربوا على أيدي غواريي الريف.
البيدريتا
يقع حي البيدريتا (la Piedrita) العشوائي أي «الحصوة» في غرب كاراكاس وهو ملاصق لحي 23 يناير (Ciccariello-Maher: 2013, p2).
تشكل التنظيم الشعبي فيه أول مرة بمجهود متواضع من خلال تنظيم قوامه رجل واحد، هو فالنتين سانتانا، الذي تبع نصيحة لينين، فأسس صحيفة يسارية ذات نزعة تشي غيفارية في الحي. وأعطتنا هذه الصحيفة نواة لتنظيمه الشعبي الاشتراكي الأول.
أول ما قام به التنظيم هو تنظيف الحي من المخدرات، والإفراط في الكحول والعصابات. وأخذوا على عاتقهم إطلاق حملة لمواجهة العنف المنزلي، وتنظيم نشاطات تثقيفية، ورياضية، ودورات تأهيل مهني. هذا الجهد الجبار الذي نهض به سانتانا ورفاقه لاحقاً، كان مضنيا وطويلاً «كعمل النملة» على حد تعبيره (Ciccariello-Maher: 2013, p3-4).
تحولت البيدريتا إلى أحد أهم حصون الثورة المدينية على فساد الأوليغارتشية منذ 1989. وساعد موقع الحي الاستراتيجي، على مواجهة السلطة عسكرياً. كذلك إن هندسة البناء فيه، راعت بوعي أو غير وعي الجوانب الدفاعية لمواجهة حملات الشرطة والمعارك المحتملة مع قوات الأمن. وهي تذكرنا هنا بالأحياء الشعبية الشرقية، وديار العشائر في بلادنا التي واجهت السلطة لقرون. ومن المهم أن ندرك أن حي البيدريتا وحي 23 من يناير هما حصيلة ما سأسميه تمرداً إسكانياً واسعاً.

التمرد الإسكاني الجسور

لم تنتظر الباريوز السلطة المعادية لتوفر لهم المساكن والخدمات. بل حاولوا انتزاعها بأنفسهم، كما حصل عام 1958 بحي 23 من يناير. ولربما كانت هذه الخطوة «اللادستورية» أول فعل ثوري اجتماعي وجغرافي يقومون به. فاعتمدوا على احتلال المزيد من مساحات وأراضي الملك العام، من تلال وجرود ومتنزهات وطنية بشكل غير قانوني. وبنوا على هذه المساحات بيوتاً من صفيح وخشب وطابوق، تفتقر إلى مقومات الراحة والسلامة.
لكنهم في ظل الإهمال الكامل، حلوا إلى حد ما مشكلة السكن التي تعاني منها ملايين الأسر، التي تعيش بذلّ تحت رحمة البنوك وقروضها. وفرضوا وجودهم في العاصمة، والبقاء ضمن بيئة متجانسة. فأسسوا نمط حياة مستقل نسبياً عن الدورة الاقتصادية البرجوازية وقوانينها وثقافتها.
تذكرنا الخطوة بالمهمشين الإيرانيين، الذين صادروا الكثير من الأراضي عشية الثورة عام 1979، وفرضوا على السلطة الجديدة التسليم لهم بها. ويجب الانتباه إلى أنه لم تحصل أي احتلالات، أو مكاسب بروليتارية مماثلة في ثورات الربيع العربي، على الأقل في مصر وتونس واليمن وليبيا (عامر محسن: الأخبار 23 آذار 2013).
ورغم أن النظرة البرجوازية لهؤلاء، تلصقهم بنشاطات تعتبرها غير أخلاقية، كالسرقة والتهريب والقوادة الخ، فإن الكثير من المهمشين شُغلوا بمهن حرة صغيرة ومستقلة، مثل بيع ما تنتجه الرأسمالية من سلع بسيطة كبطاقات الهواتف والسجائر والعطور وغيرها. ويتنقل الكثير من هؤلاء الباعة المتجولين على دراجات نارية من شرق كاراكاس إلى غربها كل يوم، رابطين طرفي المدينة الغني والفقير بفاعلية أكثر من أي شريحة أخرى. كل هذا النشاط الاقتصادي الهامشي، وغير الرسمي، يجري باستقلال نسبي عن الاقتصاد البرجوازي للبلاد.
إذاً، نحن لدينا طبقة اجتماعية مستقلة سكنياً، وجزء لا بأس به منها معتمد على نفسه في تحصيل رزقه. غير مدجنة سياسياً، أو قانونياً، كما حصل مع طبقة البروليتاريا التقليدية الصغيرة في كل الأحوال.
قد يذكرنا هؤلاء بالبائعين الجوالين والتجار الصغار، الذين أدوا دوراً محورياً في تفجر الثورة الإيرانية. ومع أننا لا نملك سجلات عن نسبة هؤلاء، من مجموع القوة العاملة في الباريوز، إلا أن نسبتهم لا تبدو صغيرة حسب تشكاريللو ماهر. وتتصف مثل هذه الفئات بحركية ومرونة معيشية واضحة، واستقلالية نسبية، ما يمنح هؤلاء القدرة على اتخاذ قرارات أكثر شجاعة وحرية من غيرهم.

الثقافة الشعبية

تكونت لدى أهالي الباريوز ثقافة اجتماعية وأعراف جديدة. فالكثير من المفاهيم والقيم البرجوازية التي تسود بيننا، مثل مفهوم القانون، والشعب، والحرية والمساواة إلخ، تعني أمراً مختلفاً لدى أهل الباريوز وشعرائهم ومغنيهم ومفكريهم.
فمفهوم الشعب مثلاً (El Pueblo)، لا يشمل بالنسبة إلى الكثير من أبناء الباريوز أبناء النخبة البرجوازية. فالشعب يعني حصراً، الطبقات المهمشة الفقيرة التي تشكل الأغلبية الديموغرافية في البلاد. ولربما لو استمع شباب الباريوز، إلى الخطاب الذي صرعنا به بعض شباب الثورات العربية، (خاصة بعض البرجوازية المصرية) عن وحدة الشعب بفلوله وسلفييه وثورجييه وإسلامييه وناصرييه من أجل الحرية والكرامة لبدا لهم كحماقة كبيرة! فيمكن القول إن ثوار الباريوز أو شريحة مؤثرة منهم، لم يغفلوا عن العلاقة الاستغلالية بينهم وبين البرجوازية التي تحتقرهم وتسحقهم. ولم يبنوا أوهاماً كثيرة على مسألة الوحدة الوطنية، التي تعني أن تتقاسم البروليتاريا الرثة الجائعة مع الكومبرادور المترف والفاسد السلطة وأن يحلموا حلماً واحداً!
لم يكتف أهالي الباريوز بالتمرد الإسكاني بخلق أحيائهم، بل أخذوا على عاتقهم فرض القانون. فمسلحو الحي، سواء أكانوا توباماروس أم لا، هم وليس الشرطة، من يتصدون لعصابات الجريمة المنظمة (هم من تصدى لعصابات الجريمة وليس الشرطة). لتجري سنوياً تصفية مئات المجرمين على أيدي هذه الجماعات الأهلية المسلحة. ولا يسمح للشرطة المصنفة بالفساد وغير الموثوقة بالدخول لأحيائهم. ومع ذلك تبقى معدلات الجريمة في فنزويلا كما في معظم القارة، عالية جداً http://www.sfgate.com/crime/article/Venezuela-s-Tupamaros-on-the-side-of-the-law-3185278.php!
ويرى تشيكارييلو ماهر أن الباريوز لا تنظر إلى تشافيز على أنه القائد الملهم. بل ينظرون إليه على أنه ثمرة نضالهم العنيف والطويل ضد فساد الديمزقراطية الليبرالية. وهم في موقع المقوم والحامي لتشافيز، فهم من صنعوه ومن حموه وأعادوه إلى السلطة عقب الانقلاب الأميركي عليه عام 2002. وهذه النظرة تبدو معكوسة في الربيع العربي. خذ مصر مرة أخرى، فلوثة التقديس البرجوازي لشخص السيسي مثيرة للشفقة فعلاً. حيث صار السيسي اسماً لحلويات ومرطبات، لفرط الهيام بصنيعه!
في حين أن حياً كالبيادريتا، يمارس كل أنواع الضغط الشعبي على الحكومة والمعارضة. فهم يحبون تشافيز ويحترمونه، ولكنه لا يمثل الزعيم المطلق على الطريقة الستالينية أو الكاستروية. وحصل بين السلطة البوليفارية والبيدريتا عدة مواجهات. لكن الحي نجح في كل مواجهاته السابقة، وحمى الأهالي رجالهم. بل إنهم تصدوا للمعارضة بإرهابها بالتصفية والعبوات الناسفة (Ciccariello-Maher: 2013, p4).
لم يكن تشافيز شخصياً مقتنعاً بأهمية هذه الميليشيات الشعبية، وبأعمالهم الإرهابية، فحاول عدة مرات وضع حد لهم كما فعل سلفادور أليندي في تشيلي. وحسب فهم تشافيز قبل 2002، كان التطرف اليساري هو ما أسهم باستفزاز اليمين والانقلاب. لكن بعد حصول الانقلاب في 11 إبريل، رد أهالي الباريوز وانتفضوا دفاعاً عن تشافيز الذي انتخبوه، ونزل أبطال حرب الشوارع واصطدموا مع قوى الأمن وظهر السلاح الشعبي ووضعت خطط لاحتلال ومحاصرة مواقع حكومية. وهذه الهبة الشعبية شبه المسلحة قسمت المؤسسة العسكرية. وأقنعتها بأن البلاد متجهة صوب حرب أهلية إن لم يعد تشافيز، وهكذا عاد! ويعتقد أن تشافيز أدرك خطأه بأن أليندي سقط بعد أن حل الميليشيات الشعبية، وأن هذه القوى حماية للحركة البوليفارية، أكثر من حلقات المثقفين ومظاهرات الشباب السلمية.
وصارت هذه الحادثة التاريخية مثلاً لدى أهل الباريوز حيث يقولون «لكل 11 هناك 13» أي لكل انقلاب على شاكلة 11 أبريل هناك باريو مثل 13 من يناير الثوري ليتصدى له.
* باحث عراقي