قانون مورفي

  • 0
  • ض
  • ض

في الفيزياء، هناك قانون يعرف بقانون مورفي ويقول: "الأشياء تنزع دائماً إلى أن يختل نظامها". ويستعمل الفيزيائيون مصطلح الانترويبا entropy لقياس درجة اضطراب أحد النظم في الطبيعة. ومن المعروف في الفيزياء أن الاضطراب ينزع إلى أن يتزايد عندما تُترك الأشياء لذاتها (يعطي ستيفن هوكينج مثلاً عن حديقة المنزل إذا تُركت من دون تدخل بشري كيف ستصبح غير منظمة وفوضوية). ويمكن للمرء أن يعيد النظام الى الاضطراب (فيمكن اعادة ترتيب حديقة المنزل) ولكن هذا يتطلب انفاق طاقة، وهذه الطاقة تكون بشكل غير منتظم، بمعنى آخر الحفاظ على النظام يؤدي دائماً إلى انتاج طاقة غير منظمة تنتشر في الكون. هذه الفكرة تعرف بالقانون الثاني للديناميكا الحرارية وهو ينص على أن الانتروبيا (او الاضطراب) في نظام منعزل تتزايد دائماً، وأنه عندما يتحدّ نظامان معاً فإن انتروبيا النظام المتحد تفوق حاصل الانتروبيا في النظامين الفرديين. ويعطي ستيفن هوكنج مثلاً عملياً آخر، فهو يقول إنك إذا قرأت كتابه "موجز مختصر للزمن" مثلاً واستطاعت ذاكرتك تسجيل كل كلمة في الكتاب فإن الذاكرة ستكون قد سجلت مليوني قطعة من المعلومات تقريباً، ما سيزيد النظام في المخ بما يقرب مليوني وحدة، وسيكون القارئ قد حول على الأقل ألف سعرة حرارية من الطاقة المنتظمة على شكل طعام إلى طاقة غير منتظمة (صرفها خلال القراءة) على شكل حرارة نبثها في الهواء، وبالتالي سيزيد ذلك من اضطراب الكون بما يقارب "العشرين مليون مليون مليون وحدة او ما يقارب عشرة مليون مليون مليون" ضعف الوحدات التي أدّت إلى زيادة النظام في المخ. إذا أردنا اسقاط القوانين الفيزيائية على المجتمع البشري، واعتبرنا النظام السياسي والاجتماعي هما كنظم الطبيعة، واستبدلنا الكون بالمجتمع البشري لوجدنا، انطلاقاً من قانون مورفي وقواعد الانتروبيا (او الفوضى كمرادف بشري) التالي: أولاً، إن الانظمة تنزع دائماً الى أن يختل بنيانها مع الوقت، دون أي تدخل خارجي، وهذا بحسب قوانين الطبيعة، حيث أن عوامل الاضطراب ستنتشر في المجتمع وفي داخل النظام نفسه بفعل عوامل الزمن. ثانياً، كلما سعى النظام إلى ترتيب نفسه وتقوية حكمه وزيادة سيطرته بالقوة كلما أدّى ذلك الى انتشار طاقة غير منظمة في المجتمع، بمعنى ارتفع منسوب طاقة الفوضى ورفْضِ النظام عند الأفراد كردة فعل طبيعية تجاه قوة النظام، فالنظام يستمد عناصر قوته من السيطرة العسكرية والسياسية والاقتصادية، وهذا سيؤدي الى مضاعفة رفض النظام من قبل الشعب بملايين المرات... يظهر هذا في الثورة الفردية في المجتمعات الغربية عبر التفلت من كل القيود منذ المراهقة وعبر العنف الفردي، وفي الثورات الجماعية في المجتمعات الشرقية. ولا يبقى للنظام من حل في سبيل الحفاظ على نفسه غير الاعتماد على القوة العسكرية لضبط المجتمع، وبدل ان يتأقلم النظام مع الطاقة الجديدة لتغيير نفسه يتم اللجوء للعسكر لتغيير المجتمع واعادته الى الحالة المناسبة للنظام. ثالثاً، كلما تحالفت انظمة او دول، في سبيل تثبيت حكمها، كانت عوامل الاضطراب المنتشرة في الكرة الارضية كافة اكبر، وهذا يُظهر كيف تقوم الانظمة بحسب القوانين الفيزيائية بتصدير عوامل اضطرابها الداخلية إلى خارج حدودها ما يؤسس لحروب اقليمية وعالمية. في البيولوجيا، السيطرة والخضوع موجودان في كل انسان عبر جينات مسيطرة وجينات خاضعة يتفاعلان سوية بهدف إنتاج نظام انساني صحي، لكن في البيولوجيا لكل عضو دوره، بحيث يصبح النظام حصيلة الادوار المتفاعلة دون أيّ احتكار أو حرب. في البيولوجيا، النظام حصيلة الدور الفردي لكل الاعضاء، ولو أردنا اسقاط هذا النموذج على الواقع البشري لتوجب توزيع السلطة وتفتيتها باكبر قدر ممكن بهدف تقليل الانتروبيا أو الفوضى الناتجة. وبدلاً من مركزة السلطة في يد حفنة من البشر وجب انشاء نظام اجتماعي يمنح السلطة بشكل مباشر لابنائه. ومع دخول البشرية في عصر الثورة الثالثة أي الثورة التكنولوجية والتي سمحت بقدر كبير من اللاتمركز والفردية الاقتصادية والاجتماعية، اصبح من الممكن انتاج نظام سياسي وقانوني يشبه الواقع الذي نعيشه ويتماشى مع هذا العصر، اي "فردنة" السلطة وردها لمفهوم فردي لا جماعي. ورغم مخاطر الانترنت من الممكن الاعتماد عليه للسماح للافراد بممارسة سلطة مباشرة على شؤون حياتهم، على الصعيد الاقتصادي والسياسي، حيث لم يعد مناسباً حصر دور الفرد السياسي بعملية انتخاب يقوم بها كل أربع سنوات مرة دون أن يكون له أيّ سلطة اخرى تتعدى صوته ودون أن يكون له على الاقل حق سحب التوكيل الذي أعطاه لممثله عبر الانتخابات. لقد اصبحت الصيغ القديمة للعمل السياسي غير مناسبة لهذا العصر. يقول فرويد إن الضمير هو رعب المجتمع، وأن الانسان حين يتحرر من سلطة المجتمع يعود الى غريزته الحيوانية القائمة على القتل. والسلطة بمفهمومها الحالي فوق المجتمع، هي آلة مولّدة للقتل بحسب القوانين العلمية لغتها العنف والعسكر، وهذا مدخل لفهم الحروب التي ما زالت تتكرر على البشر كقدرٍ محتوم، والتي يبدو أنها لن تتوقف يوماً. * كاتب لبناني

0 تعليق

التعليقات