إنّ «الجبهة الوطنية لحماية الدستور والقانون»، الملتئمة في مقرها في «مركز عصام فارس للشؤون اللبنانية»، تداولت في موضوع عدم ممارسة الحكومة صلاحياتها قبل نيلها الثقة أو بعد استقالتها أو اعتبارها مستقيلة، واطلعت على دراسات بشأنه موضوعة من عدد من أعضائها، كما قرارات اجتهادية لبنانية وفرنسية وآراء صادرة عن هيئة التشريع والاستشارات في وزارة العدل، وقررت بالإجماع في ضوء هذين التداول والاطلاع، إبداء الرأي الآتي:
أولاً: إن تصريف الأعمال هو بحدّ ذاته تضييق لولاية السلطة الإجرائية، إلا أنه لا يعني انكفاءً تاماً لهذه السلطة عن ممارسة الصلاحيات المنوطة بها دستوراً، بدليل ما ورد حرفياً في المادة 64 فقرة 2 من الدستور من أن الحكومة «تمارس ... صلاحياتها» بالمعنى الضيق لتصريف الأعمال، ذلك أن المقصود المزاوجة بين مبدأين: مبدأ استمرارية الحياة الوطنيةprincipe de la continuité de la vie nationale أو ما يعرف أكثر تداولاً بمبدأ استمرارية السلطات الدستورية أو المرافق العامة، ومبدأ المساءلة البرلمانية للحكومة عن سياستها العامة، والوزراء إفرادياً عن أفعالهم الشخصية (م 66 دستور)، الأمر غير المتاح بالنسبة إلى الحكومة المستقيلة أو المعتبرة مستقيلة أو التي لم تنل ثقة مجلس النواب بعد، أو أعضائها (دون أن يعني ذلك إنكار اختصاص مجلس النواب باتهام رئيس مجلس الوزراء والوزراء في حكومة تصريف الأعمال عند ارتكابهم الخيانة العظمى أو إخلالهم بالواجبات المترتبة عليهم، عملاً بالمادة 70 من الدستور).
ثانياً: إن تصريف الأعمال يفترض، والحالة ما سبق، أن المرحلة الانتقالية بين الحكومة المنقوصة الولاية والحكومة الكاملة الولاية الإجرائية هي بطبيعتها قصيرة نسبياً أو مؤقتة، ولا يجوز أن تدوم أكثر من مدة معقولة، حتى إذا طالت (كما هي الحال بالنسبة إلى الحكومة الحالية التي تصرّف الأعمال منذ ثمانية أشهر تقريباًَ)...
ثالثاً: إن تحديد مفهوم تصريف الأعمال، خلال المهلة المعقولة التي تسبق تأليف حكومة ونيلها الثقة وإيلائها الولاية الإجرائية الكاملة، هو من نتاج الاجتهاد الإداري اللبناني والفرنسي، وفقاً لما يأتي:
1ــ يحق للوزراء إفرادياً، بل يجب عليهم، تسيير الأعمال اليومية والعادية في الإدارات التابعة لهم، وهي أعمال عادية بطبيعتها تعدّها الدوائر التابعة للوزير الذي يكتفي عادة بتوقيعها بعد إجراء رقابته عليها.
2ــ لا يحق للوزراء إفرادياً أو مجلس الوزراء القيام بالأعمال التصرفية، أي الأعمال التي ترتّب مسؤولية سياسية على الحكومة والوزراء من جرائها، والأعمال التي ترتّب أعباء جديدة على الدولة أو تؤدي إلى صرف اعتمادات هامة أو تحدث تغييراً جوهرياً في سير المصالح العامة أو في أوضاع البلاد السياسية والاقتصادية والاجتماعية.
3ــ يجب على الوزراء إفرادياً ومجلس الوزراء مجتمعاً اتخاذ ما يلزم من مقررات وإجراءات وتدابير عند توافر الضرورة أو العجلة أو الظروف الاستثنائية عندما يتعلق الموضوع بالنظام العام ومصالح الشعب الحيوية وأمن الدولة الخارجي أو الداخلي ومصلحة لبنان العليا، أو التي من شأنها الحؤول دون تقادم الحقوق العامة والخاصة بمرور الزمن المسقط في حال توافر مهل محددة في القوانين لممارستها.
4ــ إن قيام الوزراء أو مجلس الوزراء بالإجراءات العادية أو الاستثنائية أعلاه يبقى خاضعاً لرقابة القضاء الإداري عند مراجعته.
5ــ إنّ «الموافقات الاستثنائية» بدعة دستورية تختزل سلطة مجلس الوزراء والوزير المعني معاً، شكلاً ومضموناً، كما تشرك رئيس الجمهورية في السلطة التنفيذية، في حين أنه يتولى رئاسة الدولة، كل ذلك وفقاً لإفادة موقعة من المدير العام لرئاسة مجلس الوزراء منفرداً.
6ــ إنّ المرجع الصالح لاعتبار أن المهلة المعقولة لتأليف الحكومة، تمهيداً لأعمال ولايتها الدستورية بنيلها الثقة، قد انقضت، ولم يعد بالإمكان المراوحة في حالة تصريف الأعمال بصورة ممنهجة تجافي مصلحة البلاد والعباد، أو أن ثمة دواعي ضرورية واستثنائية لانعقاد مجلس الوزراء لاتخاذ القرارات المناسبة لاستمرارية الحياة العامة وضمان مصالح الشعب وفقاً لما سبق، إنما هو رئيس الجمهورية باعتباره متولياً رئاسة الدولة عملاً بالمادة 49 من الدستور، وهو الذي ناط به الدستور تقدير عنصر «الضرورة» أو «أمر من الأمور الطارئة» أو حتى الاستنساب بمعرض ممارسة أكثر من صلاحية، كترؤس مجلس الوزراء «عندما يشاء»...
رابعاً: من المفيد عدم البقاء في دائرة البحث الدستوري النظري وإعطاء أمثلة عملية عن مواضيع تتوافر فيها عناصر العجلة والضرورة ومصلحة لبنان العليا:
الملف النفطي: يكفي في هذا السياق اقتباس ما ورد حرفياً في بيان الهيئات الاقتصادية تاريخ 13/11/2013 من أن المجتمعين تداولوا في السجال السياسي القائم بين القوى السياسية حول النفط ووجدوا فيه «هروباً الى الأمام باعتبار أن الحل الوحيد يبقى في الشروع فوراً باستثمار ثرواتنا النفطية والغازية العائمة في البحر، وبإقرار المراسيم المسهّلة لذلك، وخصوصاً في ظل مباشرة العدو الإسرائيلي في استخراج النفط والغاز والاستعداد لتصديره، الأمر الذي سيحرم لبنان مستقبلاً من المنافسة في حال بقاء الأمور على ما هي عليه اليوم».
ــ الوضع الأمني: يزداد تردياً وخطورة على مساحة الوطن (...)
ــ الوضع المالي: في ضوء تخفيض تصنيف لبنان الائتماني منذ أيام إلى معدل ينذر بعواقب خطيرة.
ــ تفاقم اللجوء السوري وتبعاته وتداعياته على كل الصعد.
ــ مؤتمر جنيف 2 وتقرير موقف لبنان من بنود جدول أعماله في حال توجيه الدعوة إلى مشاركته فيه.
خامساً: إما أن تنسحب حالة تصريف الأعمال على مجلس النواب الذي ناط به الدستور السلطة المشترعة، سواء في العقود العادية (م 32 دستور) أو في دورة الانعقاد الاستثنائية الحكمية التي يصبح مجلس النواب في دائرتها عند استقالة الحكومة أو اعتبارها مستقيلة حتى تأليف حكومة جديدة ونيلها الثقة (م 49 دستور)، فأمر فيه كل التطاول على سلطة التشريع للأسباب الآتية:
1ــ إن مبدأ فصل السلطات وتعاونها وتوازنها يفترض حتماً أن تكون السلطات عاملة، أي ممارسة لاختصاصاتها كاملة...
لا يمكن شلّ سلطة دستورية عن العمل بحجة أن سلطة دستورية أخرى لا تعمل بولاية كاملة وفقاً لأحكام الدستور.
2ــ إنّ المادة 31 من الدستور تعتبر كل اجتماع يعقده مجلس النواب في غير المواعيد القانونية باطلاً حكماً ومخالفاً للقانون (...)
أعضاء «الجبهة» المجمعون على هذا الرأي: الوزير شكيب قرطباوي – الوزير سليم جريصاتي - الدكتور عصام نعمان – الدكتور جورج قرم – الرئيس لبيب زوين – الرئيس سليم سليمان – الرئيس فوزي أبو مراد - السفير عبد الله بوحبيب – السفير الدكتور جوي تابت – الدكتور خليل حمادة - الدكتور خالد الخير - الدكتور وليد عبد الرحيم - الدكتور كميل حبيب – الدكتور عقل عقل – الدكتور مارون يزبك – الدكتور عصام اسماعيل – الدكتور حيّان حيدر – الأستاذ عادل يمين – الأستاذ زياد حمادة.