الائتلاف العربي السوري لم يوافق على البندين اللذين أضافهما، من باب حفظ ماء الوجه، المجلس الوطني الكردي على الوثيقة الموقعة بينهما كشرط لانضمام الأخير إليه. كذلك أصدر الائتلاف قانون السيادة الوطنية، الذي يبدو واضحاً أنّه يستهدف، من الآن، الالتفاف على القضية الكردية وسبل حلها ديموقراطياً، بدلالة الإشارة في القانون العتيد إلى أنّ البرلمان المنتخب هو المخول بالموافقة على أية اتفاقات يبرمها الائتلاف، فيما ثمة تعاقدات وطنية تأسيسية فوق دستورية، لا بد من ابرامها والتوافق عليها، منذ الآن حتى قبل سقوط النظام وبدء عملية التحول، وعلى رأسها القضية الكردية واقرار حلها، وفق حق الشعب الكردي في تقرير مصيره في إطار ديموقراطي اتحادي.ومع هذا لا يزال المجلس الكردي مصراً على المضي في خياره الانتحاري للانضمام إلى هذا الائتلاف، وبدفع من جماعة الاتحاد السياسي وراكبي موجته، كالحزب التقدمي. وليس خافياً هنا أن دوافع هذا التهافت هي محض مصلحية وشخصية، تتعلق بتولي منصب نائب رئيس الائتلاف، وبضعة مناصب في حكومة الائتلاف العتيدة ووزارتها الوهمية، فضلاً عن الدور السلبي للحزب الديموقراطي الكردستاني في دعم هذه التوجهات، الذي يبدو كمن يعمل على تخريب التجربة الديموقراطية الجنينية في غرب كردستان (كردستان سوريا)، لا لشيء إلا لكونه لم يفلح في بسط الوصاية على ذاك الجزء من كردستان، ولكون صيغة المناصفة («ففتي ففتي») التي كان عرابها، رفضها حزب الاتحاد الديموقراطي (PYD) بعد عرضها عليه من قبل البارتي، جناح حكيم بشار، الذي ليس خافياً أنه يعد بمثابة الفرع السوري للديموقراطي الكردستاني العراقي. فحزب PYD طرح بدلاً عن ذلك مشروع الإدارة المشتركة الموقتة، المنوط بها تنظيم الانتخابات بما يحدد النسب وفق إرادة الناس، لا وفق اتفاقات مفروضة من أعلى ولا تتناسب وحقيقة الأحجام والأوزان السياسية الشعبية للأطراف المعنية. الأمر الذي ينبغي أن تدعمه مختلف القوى الكردستانية في الأجزاء الأخرى من كردستان، لا أن تضع العصي في عجلته وتسعى إلى فرض وصايتها على غرب كردستان وإلى تأزيم الأوضاع فيه.
ولنا في اغلاق معبر سيمالكا بين كردستان العراق وكردستان سوريا، خير شاهد على كنه هذه السياسات الفاشلة. فمن يطالب بالمناصفة، عليه أن لا يخشى صناديق الاقتراع، وإلا فعلى أيّ أساس جرتّ المطالبة بالمناصفة تلك، طالما أن ذاك الطرف بمجرد الحديث عن إدارة وانتخابات وبرلمان وحكومة أخذ وعلى خلفية هزال قاعدته الشعبية الناخبة يماطل، بل ويرفض المشاركة في هذا المشروع التاريخي لجهة وضعه البنية التحتية للكيان القومي الديموقراطي في غرب كردستان في اطار سوريا ديموقراطية فدرالية، على غرار ما حدث قبل نحو عقدين من الزمن في جنوب كردستان (كردستان العراق). وفي الوقت الذي تتجه فيه الأنظار نحو مؤتمر «جنيف 2» على قاعدة اقرار حل توافقي ينهي الحرب الأهلية، ويطوي صفحة النظام القاتل وفق صيغة ديموقراطية توافقية لتقاسم السلطات بين مختلف المكونات وخاصة الثلاثة الرئيسية منها: السنة والعلويين والكرد، بما يضمن التوازن والتشارك والاتحاد الطوعي الاختياري.
اليوم ملاحم المقاومة والانتصارات التي حققتها وحدات حماية الشعب (YPG)، الذراع العسكرية للهيئة الكردية العليا، ضد جماعات القاعدة الارهابية وحلفائها، معطوفة على تبلور ملامح توجه دولي عام يمتد من موسكو إلى واشنطن لقبول تمثيل الكرد كمكون مستقل في إطار الهيئة الكردية العليا في المؤتمر الدولي للحلّ، وبما يتسق مع حقيقة كونهم رافعة التحول الديموقراطي البنيوي، ولا سيما في حال تعذر تمثيل مختلف قوى المعارضة في وفد واحد، حيث تشير المعطيات إلى تمثيل المعارضة بثلاثة وفود: الائتلاف وهيئة التنسيق والهيئة الكردية. الأمر الذي لا يتوافق والأجندات المعادية للقضية الكردية داخلياً واقليمياً، ولموقع الكرد ودورهم في سوريا كمكون رئيسي وكشريك، وكطرف مفاوض ومهندس لشكل سوريا الجديدة وأسسها.
لكن وللمفارقة، وتناغماً مع تلك الأجندات العنصرية العروبية، تصرّ بعض الجهات الكردية المذكورة آنفاً، على المضي في التآمر على قضية شعبها وفقاً لحسابات فئوية. ووصل بها الأمر إلى حد الاسهام الجدي في محاولة تفويت هذه الفرصة الذهبية لضمان حقوق الكرد في سوريا في المؤتمر الدولي للحل، وبضمانات ورعاية دوليين، من خلال تمثلهم كطرف مستقل قائم بذاته عبر الالتفاف على هذا الاستحقاق التاريخي، واللهاث خلف الائتلاف الذي يعاني الانقسامات العاصفة وفقدانه السيطرة على قطاعات واسعة من «الجيش الحر».
ولعلّ الرهان على ضربة «الكيميائي»، التي ذهبت أدراج الرياح هو ما دفع المجلس الكردي إلى السقوط في هذا الفخ الوجودي. فالمجلس بقراءاته السطحية للمشهد، شد الرحال نحو إسطنبول، ظنّاً منه أنه سيعود بعد أسابيع بمعية الائتلاف حاكماً على البلاد والعباد، ودوماً عبر التعويل على أن الضربة الأميركية كانت قاب قوسين أو أدنى.
* كاتب كردي