يجب ألّا تمرّ مقابلة أشرف ريفي على «إم. تي. في» في برنامج «بموضوعيّة» من دون تعليق أو ردّ، وخصوصاً أن إعلام خصومه يغطّ في سبات عميق. الرجل يتنطّح بنابوليونيّة (مشبعة بالوهابيّة القاتلة لجهاز الاستخبارات السعودي) للعب دور سياسي بارز في الحياة السياسيّة اللبنانيّة. فلتفرد الحارات والأزقّة في لبنان مكاناً لمُرشد زعماء الأزقّة والحارات في باب التبّانة. أشرف ريفي بدأ حياته الأمنيّة _ السياسيّة في فريق الحماية التابع لسليم الحص، لكن كان عليه أن يختار في ما بعد بين صاحب الضمير وصاحب الثروة فاختار الأخير، ونبذ سليم الحص، وسهّل صعوده للسلّم الوظيفي ولاؤه الشخصي لرفيق الحريري، وفيما بعد تعاظم دوره لأنه التحق بفريق الأمير نايف بن عبد العزيز، وابنه من بعده. هذا في لبنان يُسمّى الصعود الوظيفي المبني على الكفاءة.أطرف ما في مقابلة أشرف ريفي أنه ما فتئ يكرّر أن والده حذّره من «قاتل الرجال»، في إشارة إلى الغرور. لكن ريفي كشف في المقابلة عينها عن مرض غرور عضال يعاني منه. أشرف ريفي طراز جديد من الساسة في لبنان: يتحدّث عن نفسه بإعجاب شديد وبقدرة فائقة على مديح الذات من دون أي رادع أخلاقي تجده في معظم الناس، حتى الذين يضطرّون إلى قمع غرورهم لضرورات العلاقات العامّة بين الساسة في لبنان. لا رادع عند الرجل: لا يجد غضاضة في الحديث عن إنجازاته هو، وحتى عندما يسأله وليد عبّود عن مميّزات وقدرات (مُفترضة ومزعومة طبعاً) لوسام الحسن، لا يتوقّف عن الإشادة بنفسه، وعندما يشيد بأعمال الحسن، يستدرك أنها كانت بـ«مشاركتي أنا». لا حدود لإنجازات أشرف ريفي في عقل أشرف ريفي وحده. يظنّ الرجل أن ولاءه وتبعيّته لآل سعود وآل الحريري دليل على إنجازات وقدرات فائقة. يأخذ ريفي على جميل السيّد «طاووسيّته» متناسياً أن طاووسيّته هو تفوق بكثير طاووسيّة السيّد البارزة. هل هناك من يعيد بثّ الحلقة لريفي لعلّه يلاحظ طاووسيّته؟
لكن مشكلة ريفي تتعلّق بالنظام السياسي اللبناني عينه. الرجل الذي بقي في منصبه بسبب انتمائه لفريق الحماية الشخصي لرفيق الحريري ظنّ أن بقاءه في المنصب دليل تفوّق ومواهب لا توجد عند سواه. يحتاج أشرف ريفي إلى مكاشفة شخصيّة لعلّها تخفّف من مرض الغرور المُزمن الذي يعانيه، والذي سيعانيه لبنان لو أنه قدّر للاستخبارات السعوديّة أن ترقّيه إلى منصب سياسي ما.
يستحسن ريفي الحديث عن «مهنيّته» ويكثر معجبوه في الحديث عن تلك المهنيّة. وفريق الحريريّة في لبنان يفتقر إلى الزعامات وإلى شخصيّة قياديّة (بسبب وجود _ لا غياب _ أمثال سعد الحريري) إلى درجة تدفع بشخص مثل ريفي إلى موقع الصدارة. أما عن مهنيّة ريفي، فيكفي ملاحظة نماذج عنها في الحديث المذكور.
أين هي المهنيّة وأين عقليّة المؤسّسات التي يسهب في الحديث عنها وقد كشف في الحديث أن جهاز المعلومات وقوى الأمن الداخلي لا يزالان يستشيرانه. أبعد من ذلك، وبعنجهيّة يتصف بها، يتحدّث عن إعطائه الأوامر لمن يقود جهاز قوى الأمن الداخلي وفرع المعلومات: يقول إنه أمرهم باستجواب فلان. رجل المؤسّسات هذا يجزم للمشاهدين والمشاهدات أنه توصّل (بفضل ذكائه الحادّ الذي عبثاً يجهد المشاهد للعثور على دليل عنه في حديثه على الشاشة) إلى معرفة من كان وراء تفجيريْ طرابلس مع أن التحقيق لم ينته رسميّاً، ومع أن أحداً لم يُدَن. رجل المؤسّسات هذا يعطي أسماء للمنفّذين ويعطي تفاصيل (بصرف النظر عن صحّتها) في مخالفة صريحة للقانون، ومن دون إعلامنا بكيفيّة مواكبته لسريّة التحقيق وهو خارج المنصب الرسمي. لو كان ريفي فعل هذا في أي بلد قانوني لزجّ به في السجن.
أكثر من ذلك، كشف ريفي نفسه أنه يحضر اجتماعات أمنيّة ويستدعي مسؤولين لحزب الله إلى مكتبه في بيروت. بأيّ صفة يحضر أشرف ريفي الاجتماعات ويأمر أجهزة في الدولة؟ من يحاسب أشرف ريفي على تلقّيه معلومات سريّة عن تحقيق سرّي ومن يحاسبه على كشف تلك المعلومات، وعن تعريض حياة مواطنين (قد يكونون أبرياء وقد لا يكونون) للخطر؟ وبعدما أعلم ريفي المواطنين بالمسؤولين عن تفجيرات طرابلس (وهذا الأمر بذاته كاف كي يُبطل التحقيق من أساسه في أي دولة قانون في العالم، وهو كاف أيضاً في أي دولة في العالم كي يُقاضى من قبل عائلات الأفراد الذين أعطى أسماءهم على الهواء من دون وازع)، لكنه في ما يتعلّق بتفجير الرويس، يبدو متحفّظاً. وهو يقول إنه يقترب (بفضل ذكائه الحاد، طبعاً) من معرفة المسؤول عن تفجير الرويس، لكنه يضيف أن المسؤول قد يكون النظام السوري وقد يكون تنظيم «جهاد مُضاد» من سوريا بسبب تدخّل حزب الله في سوريا. ويتذاكى أشرف ريفي في استعمال عبارة «جهاد مضاد»، إذ إنه يوحي أن تلك التنظيمات الجهاديّة المتطرّفة التي عانى منها العالم بأسره ما هي إلا ردّ على تدخّل حزب الله في القصير. يريد أشرف ريفي الخبير الأمني الذي بات يذكّرنا بنباهة حسن السبع وتحليلاته أن يقنعنا أن التنظيمات الجهاديّة لم تفجّر ولم تقتل ولم تعذّب ولم تدمّر قبل تدخّل حزب الله في القصير. وفي تسمية «الجهاد المُضاد» يريد صاحب العقليّة الطائفيّة البغيضة أن يوحي أن الشيعة وتنظيماتهم الإرهابيّة هم أصل البلاء، وأن تنظيمات القاعدة ومشتقّاتها ما هي إلا ردة فعل على سلاح حزب الله. لكن في اجتراح مصطلح «الجهاد المُضاد» هل يُرشّح ريفي نفسه لمنصب المُرشد الروحي للقاعدة؟
لكن ريفي هذا يقع في تناقض صارخ عندما يعترف بأنه لم يتوصّل (وهو لا يزال يتحدّث بالنيابة عن أجهزة أمن الدولة برمّتها) إلى معرفة هويّة المسؤول عن تفجيريْ الضاحية، ثم يضيف بثقة (الجاهل) أن عمر الأطرش لا علاقة له البتّة بالتفجيريْن. ولكن إذا كنت تعترف بأنك لا تعرف هويّة المُنفّذ، فكيف تستطيع أن تجزم أن الأطرش غير مسؤول؟ هذا هو منطق الدعاية (المليئة بالطائفيّة) التي تحكم منطق أشرف ريفي ومن هو وراء هذه النماذج في السياسة اللبنانيّة والتي يتحمّل مسؤوليّتها أمراء آل سعود أكثر مما يتحمّل مسؤوليّتها أشرف ريفي.
ونعود إلى مهنيّة أشرف ريفي فنقول إن الرجل لا يجد غضاضة في الزهو بنصحه لنجيب ميقاتي ولغيره من الساسة. يقول إنه قال لميقاتي بعد تكليفه عام 2005 إن عليه بدلاً من استشارة عمر كرامي أن يستشير قبر رفيق الحريري. أفتى ريفي (بناء على فتوى من هيئة كبار العلماء في الرياض على الأرجح) أن استشارة الميت الحريري أكثر فائدة من استشارة الحيّ عمر كرامي، ربما لأن الأوّل أكثر ملاءمة للسياسة السعوديّة ومؤامراتها الطائفيّة.
لكن نعود إلى المهنيّة: هل سبق أن سمح مدير عام في الدولة اللبنانيّة لنفسه بأن يأمر أو يعظ مسؤولاً حكومياً بهذه الطريقة؟ وهل ظنّ أو يظنّ ريفي هذا أن قوة موقعه في الدولة تعود إلى شخصه الكريم، لا إلى تمتّعه بالحماية الطائفيّة السياسيّة في لبنان وبدعم قوى من جهاز الاستخبارات السعودي الذي كان وراء استمراره في المنصب، والذي هو وراء تنطّح الرجل للعب دور سياسي؟
ومهنيّة أشرف ريفي تسمح له _ هو رجل المؤسّسات والدولة، عليك ألا تنسى _ بأن يتبنّى جهاراً «قادة المحاور» في طرابلس (أي «زعران المحاور») وأن يجعل من كل أعمالهم (من قصف عشوائي لجبل محسن إلى حرق محلات العلويّين في المدينة إلى تهجير العلويّين إلى الاعتداء على قوى الجيش والأمن في المدينة) مجرّد دفاع عن النفس. لكن ريفي كشف عن المُضمر في المشروع الحريري (ولم يبق منه إلا تنفيذ أوامر جهاز الاستخبارات السعودي، لا أكثر) عندما تمثّل بنموذج بشير الجميّل ومشروعه. لقد شبّه مشروع قادة المحاور في طرابلس (الذي يرعاه ويحميه من داخل الدولة ومن خارجها) بمشروع بشير الجميّل لـ«حماية المُجتمع المسيحي»، الذي أشاد به. هذا هو المشروع الحقيقي الذي يريده جهاز الاستخبارات السعودي في لبنان: مشروع طائفي سنّي يحاكي مشروع بشير الجميّل الطائفي المسيحي. لا لبس في ما كشف عنه ريفي في هذا الصدد. ماذا تقول إذا كان بشير الجميّل هو قدوته، بعد الأمير نايف طبعاً؟
ولا يجد ريفي تناقضاً بين حديثه عن المهنيّة وبين طائفيّته التي تصل إلى حد المرضيّة. يقول الرجل باحتقار شديد إن نجيب ميقاتي لم يحتج إلى استشارة عمر كرامي لأن الأخير «خرج» عما سماه «الوجدان السنّي». لم يتكلّم رجل سياسي في لبنان بهذه الطائفيّة المقيتة الصريحة والصارخة منذ أيّام الحرب الأهليّة اللبنانيّة. ماذا يعني مُقلّد بشير الجميّل بـ«الوجدان السنّي»؟ ومن يحدّد أهواء هذا الوجدان وطبيعته؟ وهل يخرج عن هذا الوجدان كل من لا يتفق بالكامل مع أوامر الجهاز السعودي، الذي لم يكن فرع المعلومات يوماً إلا فرعاً صغيراً ومنفّذاً له (كما أنه يدين بالولاء لجهاز الاستخبارات الأميركي الذي قوّى الجهاز بعد اغتيال الحريري وبطريقة سريّة لا تمرّ عبر موازنة الدولة ولا عبر مجلس الوزراء)؟ الوجدان السنّي؟ لكن النزعات الفاشيّة للرجل تتكشّف عندما يفتي حضرته بضرورة عزل الـ30 في المئة _ حسب قوله _ من الذين لا يوافقون الحريريّة في طرابلس، أو في أي مكان آخر في لبنان. هكذا وببساطة شديدة دعا رجل الأمن السابق إلى ضرورة تطهير المناطق السنيّة من كل من لا يتفق مع الحريريّة في لبنان. كان كلام أشرف ريفي أشبه بدعوة صريحة للقضاء على (أو تصفية) السنة (وهو يتحدّث عن نسبة الـ30 في المئة على أساس أنها لا شيء، على الطريقة النازيّة التي تسمح بتصفية من يتجرأ على معارضة «وجدان» الأغلبيّة وهي مُعرّفة طائفيّاً عند الرجل) الذين لا يوافقون على الحريريّة. وبناء عليه، يمكن القول إن ما فعله زعران الميليشيا الحريريّة في الطريق الجديدة عندما شنّوا حملة قصف وتفجيرات على كل معارضي الحريريّة في المنطقة، وبحماية وتعاطف من أشرف ريفي شخصيّاً الذي زارهم مهنّئاً، كان وفق رؤية «وجدان» الرجل. هذا هو مشروع الحريريّة الحقيقي: مشروع طائفي بغيض مرتبط بجهة أجنبيّة (سعوديّة _ أميركيّة صهيونيّة) يهدف إلى إقامة كانتونات طائفيّة مسلّحة لمقاومة مقاومة العدوّ الإسرائيلي.
والمهنيّة التي يتحدّث عنها ريفي هل تتضمّن أيضاً عضويّته في مجلس إدارة جامعة الأمير نايف الأمنيّة؟ وهل كانت علاقته بنايف وابنه محمّد تمرّ عبر أجهزة الدولة؟ ثم هل يسمح القانون اللبناني لرئيس جهاز أمني بتولّي مسؤوليّة من أي نوع في جهاز مرتبط بالأمن في دولة أجنبيّة؟ وما الحكم على تلقّي الموظّف في الدولة لمرتّب آخر من دولة أجنبيّة مقابل القيام بمهام أمنيّة، استشاريّة كانت أو غير استشاريّة؟
وعندما يظهر أشرف ريفي وأمثاله من قادة الفريق السعودي في لبنان (الطريف أن ريفي يأخذ على حزب الله ولاءه لإيران، كأنه يريد أن يقنعنا بأن ولاءه وولاء فريقه للحكم السعودي هما أخف وأقل من ولاء حزب الله لإيران، أو أن حظوته عند آل سعود تفوق حظوة حسن نصرالله عند إيران، أو أن آل سعود يأخذون بمشورة أمثاله كما يأخذ الحكم الإيراني بمشورة حسن نصرالله) على إعلام حريري أو سعودي يعلمون أنهم يتحدّثون مثل الذي يخطب في صالون المنزل. هو بين أهله وصحبه ولن يتلقّى سؤالاً محرجاً واحداً. كان وليد عبّود يدعه يتكلّم من دون أي استجواب على طريقة الصحافة المهنيّة التي لا تعلم «إم. تي. في» عنها شيئاً طبعاً. إذا كان ريفي يريد أن يعزو تدهور الوضع الأمني إلى غيابه عن السلطة، فكيف يفسّر الوضع الأمني الذي كان أكثر تدهوراً في سنوات حكمه وحكم فريقه هو؟ وإذا كان حل كل المشاكل الأمنيّة المُستعصية يكمن في تقديم «داتا» الاتصالات، فلماذا لم تتوقّف الجرائم على أنواعها أثناء سنوات حكم فريقه عندما كانت «داتا» الاتصالات بمتناوله كاملة (لا نقول طبعاً إن «الداتا» كانت أيضاً بمتناول الفريق الخارجي الذي يدين هو ومرؤوسوه من آل الحريري ورئيسهم في الرياض بالولاء له لأن ذلك مخالف للقانون)؟
لكن ريفي يلجأ إلى الكذب والخداع في حديثه عن «داتا» الاتصالات. يقول مُستفظعاً إن تسليم «داتا» الاتصالات هو الكفيل بمنع الجريمة. ولكن لماذا لم يمنع اغتيال قادة في 14 آذار قبل اغتيال الحريري وبعده، ولماذا لم يمنع كل التفجيرات التي حصلت في عهدة سيطرة جهاز أمنه، ومن يأتمر بأمره هو؟ هذه أسئلة مشروعة. لكن ريفي يكذب على الشعب اللبناني عندما يقول إن أميركا التي تتفوّق على لبنان في حماية حقوق الإنسان والديمقراطيّة تقرّ بتسليم «داتا» الاتصالات كاملة. لا، يا أشرف ريفي: أنت إما جاهل بطبيعة عمل الأجهزة الأمنيّة في أميركا وغيرها _ وهذا مجال اختصاصك على ما تقول لنا صبح مساء _ أو أنك تراوغ وتكذب على الناس عمداً من أجل إمرار مخطّطات لا تصبّ في مصلحة الشعب اللبناني. القانون الأميركي يمنع منعاً باتاً تسليم (التسليم الشامل والعشوائي، كما يريده أشرف ريفي والفريق الذي يستفظع الأنظمة الشموليّة _ فقط إذا لم تكن متصالحة مع حكم آل سعود) «داتا» الاتصالات، إلا في حالات محدّدة تفصيليّاً وبعد الحصول على موافقة محكمة مختصّة على طلب الحصول لمواطن أميركي معيّن. طبعاً، القانون الأميركي لا يمنع أن تحصل أجهزة الاستخبارات والأمن الأميركيّة على «داتا» الاتصالات من دول أخرى عن أفراد غير أميركيّين، ومن حقّنا أن نسأل أشرف ريفي عن خدماته وإنجازاته في هذا الصدد، وإذا كان الأمر يتطلّب محاكمة خصوصاً إذا سُلّمت معلومات خاصّة باللبنانيّين لأجهزة أجنبيّة، وهذا ما حصل فعلاً في حالة محكمة الحريري المهزلة. أما ما كشفته وثائق المُسرّب الشجاع، إدوار سنودن، فهو أن «وكالة الأمن القومي» كانت تحصل على «داتا» الاتصالات بطرق غير شرعيّة ومخالفة للقانون الأميركي. لا، يا أشرف ريفي: إن الدول التي تحترم حقوق مواطنيها تعتبر أن تسليم «داتا» الاتصالات هو من باب خرق الحقوق الفرديّة للأفراد.
يقول ريفي إن «داتا» الاتصالات لا تتعلّق بخصوصيّة الأفراد لأنها ترصد فقط حركة الاتصالات وليس مضمونها. هذا قول مردود وينمّ عن فكر آل سعود الوهّابي الذي لا يقيم اعتباراً لخصوصيّة الأفراد. لا يعلم ريفي ومن يدين بفكر هيئة كبار العلماء وصغارهم أن حركة الاتصالات هي أيضاً حق من حقوق الأفراد وهي ليست ملكاً مشاعاً للدولة ولأجهزة الأمن الطائفيّة العاملة فيها، وليس هناك في لبنان من جهاز يبزّ فرع الملعومات وقوى الأمن الداخلي في الطائفيّة والمذهبيّة الصريحة، والتي عبّر عنها خير تعبير ريفي في حديثه.
و«داتا» الاتصالات يجب أن تبقى في منأى عن جهاز أمني تابع لدولة متحالفة مع العدوّ الصهيوني، والتي تريد أن تجهض أي عمل مقاومة ضد مصالحها واحتلالاتها وجرائمها. ثم آن الأوان أن نرمي في سلّة المهملات كذبة أن تقنيّي فرع المعلومات هم الذين عمدوا إلى اكتشاف حركة الاتصالات التي ربطت خيوط عمليّة تفجير موكب رفيق الحريري (حسب زعم المحكمة الدوليّة وإسرائيل وأميركا، وتوابعهم في لبنان). إن الخريطة التقنيّة لحركة الاتصالات التي بُنيت على أساسها نظريّة تنفيذ اغتيال الحريري (وهي النظريّة المُعتمدة الان في محكمة الحريري) كانت من تخطيط وحياكة وإخراج «وكالة الأمن القومي» الأميركيّة والربط الذي حصل على مستويات عدة بين أجهزة هاتف كان نتاج جهاز سرّي لـ«وكالة الأمن القومي» التي بات متاحاً لها الاصطياد والترصّد في خصوصيّات الشعب اللبناني بفضل ريفي وأمثاله في فريق حكم تابعي آل سعود في لبنان.
لكن ريفي له موقفه الصارم من الولاء الخارجي: إنها العروبة، وهي لا تعني له إلا الولاء الأعمى لآل سعود وما يرتأون. والمرة الوحيدة التي ردّ عليه وليد عبّود الصامت والموافق في المقابلة عندما ذكّره أن تعيير الآخرين بالولاء الخارجي يُردّ عليه بولاء فريقه للسعوديّة. فردّ أن إيران غير عربيّة، كأن الولاء للنظام السوري لا يزعجه ويزعج فريقه الذي تمرّس في معظمه لسنوات وعقود. وهناك ما يلفت في شخصيّة رجل السياسة الجديد: يظهر على الشاشة معتداً بنفسه وقدراته. كاد المشاهد أن ينسى أنه لولا النظام الطائفي البغيض، ولولا تدخّل النظام السعودي في الشأن اللبناني بتفاصيله، لما كان ريفي وأمثاله ليحظوا بمنصب قيادي في الدولة العليّة. وهو متوتّر ومتشنّج وعصبي وسوقي ومبتذل وله من أسلوب آداب الحديث ما لدى منتجي أفلام الـ«بورنو»: لا يتورّع عن التهديد والسخرية على طريقة أولاد المدارس في الأيّام الحارّة خصوصاً عندما يتحدّث عن رفعت عيد («لا هو ولا اللي أكبر منّه»، يقول). ويصف النظام السوري (الذي كان هو ومعلّموه ومعلّمو معلّميه في الرياض من الخانعين المطيعين له لسنوات طويلة) بأنه «شلح البنطلون»، لكن ريفي يقول عن نفسه في الوقت نفسه إنه «ديبلوماسي» و«مهذّب»، ونعم التهذيب.
وفي الحديث عن السياسة العربيّة، يستذكر ريفي عهد حافظ الأسد ويعبّر عن حنين إليه لأنه خلافاً لابنه لم يختلف مع آل سعود يوماً (كلمة «عرب» و«عروبة» عنده لا تعني إلا أمراء آل سعود). والرجل التابع لجهاز الأمير نايف وابنه يؤكّد أن الأنظمة القمعيّة لا تتواكب مع الحداثة وهي زائلة. أما النظام السعودي فهو حديث وديمقراطي وغير زائل عند ريفي. لا حاجة لربيع عربي إلا في دول لا تماشي إرادة أمراء آل سعود عند الرجل.
من المهازل أن ريفي كان قائداً لجهاز أمني تحوّل على يديه إلى ميليشيا طائفيّة تجسّسية تأتمر بأوامر غير لبنانيّة. لكن المهزلة الكبرى أن هناك بين أمراء آل سعود من قرّر أن الرجل يصلح للعمل السياسي. هذا لا يبشّر بالخير وخصوصاً أن الرجل عبّر صراحة عن آماله في نقل نموذج بشير الجميّل الإسرائيلي إلى الطائفة السنيّة، وربّما إلى كلّ لبنان.
* كاتب عربي (موقعه على الإنترنت:
angryarab.blogspot.com)