منذ شهرين تتواصل الهجمات في طول غرب كردستان (كردستان سوريا) وعرضها من قبل كتائب «الجيش الحر» وتنظيم القاعدة، ممثلاً في جبهة النصرة ودولة العراق والشام الاسلامية بهدف احتلال المنطقة الكردية وتعريبها وأسلمتها وافراغها من أهلها الكرد. وذلك وفقاً لمشاريعها الظلامية الهادفة إلى تأسيس إمارات اسلامية، وإعادة انتاج دولة البعث بصيغة أخرى. فهذه الجماعات التي ما فتئت تخسر المجابهة مع النظام وتتراجع ميدانياً في حمص وريف دمشق... وبعد اسهامها مع النظام القاتل في خلق حرب سنية ـــ شيعية مفتوحة، تتطاير شظاياها يمنة ويسرة نحو دول الجوار، ها هي تحاول عبر غزواتها الهمجية للمناطق الكردية الدفع نحو حرب عرقية عربية ــ كردية، بما يخدم أجنداتها الظلامية في ضرب النموذج الديموقراطي الوحيد في سوريا، والمتمثل في نموذج غرب كردستان. وبدأت هذه الهجمة الواسعة بالتزامن مع اعلان حركة المجتمع الديموقراطي ومجلس شعب غرب كردستان مشروع تأسيس الإدارة الموقتة، تمهيداً للانتخابات، وانشاء برلمان وحكومة اقليميين في المناطق الكردية. الأمر الذي استدعى كل هذا التحشيد العروبي الاسلاموي ضد الكرد ومناطقهم، وبدفع وتحريض من القوى الاقليمية المعادية للقضية الكردية وعلى رأسها تركيا. والحال أن الهجمة الارهابية التكفيرية المنظمة ضد الكرد في سوريا، وصلت إلى حد ارتكاب جرائم التطهير العرقي والابادة الجماعية، كما حصل في تل عران وتل حاصل مثلاً، حيث ذهب الحقد العنصري بهذه الجماعات إلى درجة تحليل دم الكرد وأعراضهم وممتلكاتهم، في الوقت الذي تتوالى فيه هزائمهم واخفاقاتهم في وجه النظام وحلفائه كحزب الله اللبناني، محاولين حفظ ماء وجههم عبر التعويض قدر ما أمكن عن هزائمهم تلك في المنطقة الكردية. هذه الكتائب الارهابية، التي تكفي اطلالة على مسمياتها الماضوية لتبيّن مدى وحشيتها واجرامها، باتت تتكالب على غرب كردستان من مختلف المناطق العربية السورية. من دير الزور إلى ادلب وحمص وحتى دمشق ذاتها، لتجابه بمقاومة شعبية واسعة تقودها وحدات حماية الشعب (YPG). فرغم توسع جبهات القتال من أقصى غرب كردستان إلى أقصاها، وكل الدعم الذي تلقاه تلك المجموعات الارهابية في حملاتها التعريبية لم تحصد سوى الهزيمة تلو الأخرى، لكونها مجموعات قطّاع طرق دخيلة، تعمل وفق عقلية الغزو والغنائم ولا تملك حاضنة اجتماعية شعبية في المنطقة. وذلك رغم وجود بعض الأدوات المساندة لها من عرب المنطقة أو حتى من بعض الكرد، كما هي الحال مع ما كتائب «كومله» و«آزادي» وغيرها ممن يؤدون دور الطابور الخامس لهذا الغزو، الذي هو أكبر خدمة للنظام وأكبر طعنة في ما كان يسمى ثورة في سوريا. هذه الثورة تحولت بفعل الجماعات الارهابية والنظام القاتل إلى حرب أهلية ومذهبية، وما الهجوم على غرب كردستان إلا توطئة لتوسيع هذه الحرب، كما أشرنا، إلى حرب عربية ــ كردية. ولعل الاعلان أخيراً في تل تمر عن تأسيس كتيبة تابعة لوحدات حماية الشعب تتألف في معظمها من أبناء المنطقة من العرب، يمثّل خير شاهد على أنّ رهان هذه العصابات على إحداث فتنة بين العرب والكرد لن ينجح، بفعل تحوط الكرد ومعهم مختلف مكونات المنطقة لهذا المخطط.فهذه الجماعات لئن وجدت أرضية لها في المنطقة، فهي تكاد تنحصر في عملاء النظام، وحتى الأمس القريب جداً من عتاة البعثيين ممن لديهم نزعات صدامية (من صدام حسين) يزيدها همجية وانحطاطاً مزاوجتها مع نزعات ظلامية قاعدية (من تنظيم القاعدة)، وتحولوا بقدرة قادر إلى ثوار وأحرار. ومن هنا يمكن تلمس مدى خطورة الهجمة على غرب كردستان، التي تخدم مختلف الأجندة المعادية للقضية الكردية داخل سوريا وخارجها، بوصف تلك القضية محكاً للتحول الديموقراطي البنيوي في البلاد. فالهجمة والحال هذه على المشروع الديموقراطي الوطني التعددي السوري ككل، هي هجمة تخدم النظام بداهة، وينفذها التحالف بين «الجيش الحر» وتنظيم القاعدة، ما يثبت محورية الدور الكردي في دمقرطة سوريا، بدلالة هذا الاستهداف المزدوج له من النظام والمعارضة. ويؤكد فاعلية القضية الكردية ومشروعيتها بما هي قضية قومية وديموقراطية لا غبار على عدالتها.
* كاتب كردي