«لو رضيت عنّي أميركا، اعلموا أنّي أسير في الطريق الخطأ» جمال عبد الناصر
في الـ18 من شهر تموز (يوليو) من عام 2012، قال حمدين صباحي، من قادة المعارضة المصريّة، الذي يُعَدّ من الناصريين التقدّميين في بلاد النيل، إنّ الثورة التي يقوم بها الشعب السوريّ، ستكتمل ببركة دماء الشهداء، وهي الثورة التي قامت ضدّ الطغاة والمستبدين، على حدّ وصفه. وأكّد صباحي، عبر حسابه على تويتر، أنّ الثورة السوريّة هي ضدّ كل التابعين والمتآمرين على سوريا وعلى شعبها.

نعلم عن صبّاحي مواجهته للرئيس أنور السادات في عام 1977، عندما كان رئيساً لاتحاد الطلاب في مصر، وقد دفع وقتها ثمناً باهظاً بسبب ذلك، أنّ موقفه المذكور أعلاه ليس كافياً وشافياً للحكم عليه، ولكنْ مع ذلك وعلى الرغم من ذلك، فإنّ اعتبار المؤامرة الكونية على بلاد الشام من قبل المرشح لرئاسة الجمهورية المصرية، ثورة، يُثير لدينا الشكوك الكبيرة في ما يتعلّق بمصير مصر ما بعد عزل حسني مبارك وإطاحة محمد مرسي، بعد مرور سنة واحدة على تسلّمه مقاليد السلطة، التي وصل إليها عبر انتخابات ديموقراطيّة، وتفوّق على صبّاحي بفارقٍ ضئيل في عدد الأصوات. وبالمناسبة، لماذا عُزل مرسي بهذه الطريقة المهينة والمشينة؟ لماذا، مثلاً، لم يُقرّر الجيش والمعارضة الاحتكام إلى صناديق الاقتراع وإعلان انتخابات مبكّرة، عوضاً عن القيام بانقلاب عسكريّ بوجه مدنيّ وغطاء دينيّ لإطاحة الرئيس مرسي؟ أوْ لماذا لم يلجأ الجيش لاستفتاء في أسبوع على تنحية الرئيس أو لا؟

■ ■ ■


السؤال الذي يطرح نفسه بقوةٍ في هذه العجالة: هل يعلم الشارع المصريّ أنّ قيادة المعارضة تؤيد جبهة النصرة والقاعدة والإخوان في سوريا؟ ما الفارق إذن؟ ما الفارق بينهم وبين الرئيس المعزول مرسي، الذي قام في خطوةٍ غير مسبوقةٍ بقطع العلاقات مع سوريا، وطالب جهاراً ونهاراً بتنحّي الرئيس الأسد عن السلطة، متهماً إياه بإبادة شعبه. الشعب المصري بسواده الأعظم توصّل إلى نتيجة بأنّ مرسي لا يستحق لأنْ يكون رئيساً لمصر، لا لأنّه من جماعة الإخوان المسلمين، بلْ لأسباب أخرى وعديدة، منها على سبيل الذكر لا الحصر، أنّه لم يُعالج قضية الفقر والتجويع، وأيّد الترويع، والأمثلة على ذلك كثيرة، أبرزها أنّ مقتل أربعة مصريين من أتباع المذهب الشيعيّ، وفي مقدّمتهم الشيخ حسن شحاتة، من قبل جماعة من الغوغائيين، هذه الجريمة النكراء والبشعة لم تدفع الرئيس مرسي إلى الإدلاء بدلوه، ولم نسمع منه تصريحاً علنياً واحداً يُدين هذا العمل الإجراميّ، الذي لا يمتّ إلى الدين الإسلاميّ الحنيف بصلةٍ. علاوة على ذلك، الخطير في الأمر أنّ الصراع في المنطقة تحوّل من صراع طائفيّ إلى نزاع مذهبيّ، يخدم أولاً وأخيراً، المشروع الإمبريالي الأميركي، المتحالف عضوياً مع صنيعة الحركة الصهيونيّة الاستعمارية، إسرائيل. أَلَم يقُل محلل الشؤون العسكريّة في صحيفة «يديعوت أحرونوت» العبريّة، أليكس فيشمان، الأسبوع الماضي في مقالٍ نشره: دعوا العرب يقتل بعضهم البعض بهدوء. وبالمناسبة، لفيشمان علاقات وطيدة ومتينة مع الأجهزة الأمنيّة في الدولة العبريّة، ولا نستبعد بالمرّة أنْ يكون ناطقاً غير رسميّ لأجهزة الظلام، التي تُخطط على مدار الساعة لإحباط أمّة الناطقين بالضاد، والقضاء على روح المقاومة لدى هذه الأمّة العريقة، مجيّرةً أيضاً وسائل الإعلام من أجل كيّ الوعي العربيّ في محاولة لإقناع المواطن العربيّ بفوقية الصهاينة واستعلائيّتها عليه، وتكريس الاعتقاد غير الصحيح بأنّ الجيش الإسرائيليّ هو الجيش الذي لا يُقهر، علاوة على غرس فكر الهزيمة في عقل العربيّ والعربيّة على حدٍّ سواء.

■ ■ ■


الدكتور محمد البرادعي، الرئيس السابق لوكالة الطاقة الذريّة، التي تتّخذ من جنيف في سويسرا مقراً لها، قام في شهر تموز (يوليو) من عام 2004، بزيارةٍ للدولة العبريّة، بصفته رئيساً للوكالة المذكورة. وبما أنّ هذه الدولة مارقة بامتياز ومعربدة مع علامة الجودة، فقد رفض أقطابها السماح له بزيارة مفاعل ديمونا الذريّ، ولم ينبسّ الرجل ببنت شفة على هذا التصرّف المعيب، على الرغم من معرفته بأنّ دولة الاحتلال، كما قال غدعون سابيرو، الناشط الإسرائيليّ «من أجل شرق أوسط خالٍ من أسلحة الدمار الشامل»، قال إنّ الدولة العبريّة تتحوّل إلى مكان لجمع قمامة الأسلحة النوويّة وحذّر من سيطرة اليمين المتطرف على هذه الأسلحة، مُذكراً بأنّ وزير الخارجيّة السابق وزعيم حزب «إسرائيل بيتنا»، المتطرّف، أفيغدور ليبرمان، هدد باستعمالها ضدّ الجمهوريّة الإسلاميّة الإيرانيّة. بموازاة ذلك، فإنّ البرادعي نفسه أرسل المفتشين الدوليين التابعين للوكالة التي كان يرأسها للتفتيش عن الأسلحة النوويّة في العراق قبل الغزو الأميركي _ البريطاني لبلاد الرافدين في عام 2003، وهؤلاء قاموا بحملة تفتيش غير مسبوقة، في محاولة يائسة وبائسة للعثور على هذه الأسلحة ومنح الولايات المتحدّة الأميركية غطاءً دولياً لاحتلال العراق وإسقاط صدّام حسين، بهدف تفتيت هذا القطر العربيّ وتمزيقه إلى دويلات عرقيّة ودينيّة ومذهبيّة، ونهب النفط فيها. ولكنّ محاولاتهم الحثيثة للعثور على أسلحة الدمار الشامل باءت بالفشل، لا لأنّهم لم يعثروا عليها، بل لأنّ النظام العراقيّ لم يكن يملكه، كما قال رئيس الفريق، هانس بليكس، بعد إنهاء عمله في وكالة الطاقة الذريّة. وبما أنّ أميركا وزبانيتها يكيلون بمكيالين أوْ أكثر في ما يتعلّق بإسرائيل والدول العربيّة، فقد تمكّنت واشنطن، من طريق الكذب والخداع من الإيحاء لأعضاء مجلس الأمن الدوليّ بوجود أسلحة دمار شامل في العراق، وعلى الرغم من عدم حصولها على قرارٍ بمهاجمة العراق، الذي عارضته فرنسا بقوةٍ، فقد قامت بتنفيذ خطتها وغزت العراق، وقتلت وجرحت وشرّدت الملايين من بلاد الرافدين.

■ ■ ■


والشيء بالشيء يذكر: المعارضة المصريّة الحاليّة تشمل أيضاً ضمن قادتها السيّد عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربيّة، الذي تولّى المنصب بعده، نبيل العربيّ، وهو من عرّابي اتفاق الذل والهوان، المسمّى اتفاق «كامب ديفيد» بين تل أبيب والقاهرة، الذي حقق هدفه الرئيسيّ بإخراج أكبر دولة عربيّة من محور المقاومة والمواجهة مع إسرائيل. السيّد موسى، وهو من المروجين للتطبيع مع الـكيان الغاصب، كان في منصبه عندما بدأت الاحتجاجات في ليبيا لإسقاط الطاغية معمّر القذافي من منصبه. الجامعة العربيّة، التي سيطرت عليها دويلة قطر، سارعت، من أجل «إنقاذ» الشعب الليبيّ بالتوجه إلى مجلس الأمن الدوليّ طالبة التدّخل العسكريّ من حلف شماليّ الأطلسيّ (الناتو) لوضع حدٍّ لمعاناة هذا الشعب العربيّ، وتمكّنت أميركا، بغطاء عربي رسمي من التغرير بروسيا والصين وإقناعهما بضرورة اتخاذ القرار بالتدخل العسكري، وفعلاً قامت المقاتلات الحربيّة الغربيّة بقصف الجماهيريّة، الأمر الذي أدّى إلى مقتل أكثر من مئة ألف ليبيّ على الأقل. وها هي ليبيا اليوم، بعد مرور أكثر من سنتين على «تحريرها» تنزف دماً ودموعاً، والحرب الأهليّة بين القبائل ما زالت مستمرّة بوتيرةٍ عاليةٍ، ولا حلّ يلوح في الأفق. وبإمكاننا القول والفصل أيضاً، إنّ الجامعة العربيّة من حيث تدري، أسهمت بنحو فعّال في تنفيذ مشروع الشرق الأوسط الجديد أو الكبير لتفتيت الوطن العربيّ وتمزيق المجتمع العربيّ. وهو المشروع الذي وضعته وزيرة الخارجيّة الأميركيّة سابقاً، كوندوليزا رايس، وتطرّقت إليه في مقال نشرته في صحيفة «واشنطن بوست» (26/11/2012) حيث كتبت: إنّ الحرب الداخلية في سوريا هي الستارة الأخيرة في مسرحية التقسيمات الجارية في الشرق الأوسط، مضيفةً أنّ الربيع العربيّ، ومن ضمنه ما يجري في سوريا، إثبات عمليّ بأنّ مشروع الشرق الأوسط دخل حيّز التنفيذ خطوة بخطوة. وعندما أطلقت رايس هذا المشروع عام 2003، ذكرت أنّ خريطة الشرق الأوسط ستتغير بدءاً من المغرب العربيّ حتى الخليج العربي، وستشمل 22 دولة، ومن ضمنها تركيا. وبحسب المحللين، يتركز المشروع على سيناريوات عدة، منها: وضع 73% من إجمالي بترول العالم تحت السيطرة الأميركية، فرض نظام جديد على الجغرافية الإسلاميّة، بدءاً من شمال أفريقيا حتى خليج البصرة، يتناسب مع المصالح الغربيّة، تقسيم تركيا، وإنشاء دولة كرديّة جديدة في المنطقة تحمي المصالح الأميركية والإسرائيلية.

■ ■ ■


وعود على بدء: هل معارضة حركة «تمرد» مختلفة عن معارضة حمدين صباحي وعمرو موسى؟ وهل الجيش المصريّ، الذي يعتمد على المعونات الأميركية قادرٌ على التخلص من التبعية لواشنطن؟ الجنرال غيورا آيلاند، رئيس مجلس الأمن القومي الإسرائيلي السابق، كتب منذ أيام في صحيفة «يديعوت أحرونوت»: ما دام هذا الجيش يعتمد على المعونات الأميركية، فإنّه سيعمل المستحيل لمنع تنفيذ أيّ اعتداء على إسرائيل من سيناء، كذلك فإنّه بغضّ النظر عن الشخص الذي سيتسلم منصب الرئاسة، سيكون مشغولاً جداً في حلّ المشاكل الداخلية المستعصية في مصر، وبالتالي من المستبعد جداً، إن لم يكن مستحيلاً، أنْ يُوجه الجيش المصري طاقاته ضد إسرائيل.

■ ■ ■


خلاصة الكلام تكمن في أمرين، الأول: قال شكسبير إنّ «الدنيا مسرح كبير، وإنّ كلّ الرجال والنساء ما هم إلا لاعبون على هذا المسرح»، والمسرح اليوم يُدار من قبل واشنطن، التي تختار الممثلين، حسب مصالحها. هنا مربط الفرس، وهذا بيت القصيد، الحكّام في مصر يتغيّرون، ولكنْ للأسف الشديد، فإنّ التبعيّة المُطلقة لأميركا الرأسماليّة التي لا تعرف الجشع، باقية ليس في مصر فقط، بل في الوطن العربي برّمته. والثاني: هل تفقد الطبقات الشعبيّة البوصلة مرة ثانية؟ وحتى لو حصل، أليست جماهير 30 حزيران (يونيو) قادرة على الانتفاض مجدداً إذا لم تحصل على الحد الأدنى من حرية العيش والعمل وليس الكلام والتجمهر في الميادين فقط؟ وهل يمكن حكّام مصر الجدد أنْ يكرروا سياسات الأنظمة السابقة؟ هل سيخلقون لعبة جديدة؟ بالحد الأدنى لن يكونوا تماماً كمن سبقهم، ولكنّ الضمان هو فقط حذر أكبر ووعي أعمق من الفقراء، هذا هو التحدّي.
* كاتب من فلسطينيي 48