ينتقد رئيس المخابرات البريطانية الحرب على الإرهاب سنة 2001 بعد تدمير البرجين في نيويورك، وذلك في حوار إعلامي له، فيسأله المحاور: ما البديل؟ فيقول أن يقتل المسلمون بعضهم بعضاً.يتحدث وزير الخارجية الأميركي الأسبق هنري كيسنجر عن حرب المئة عام بين الشيعة والسنة. بناءً عليه، كيف نفهم هذا الموضوع؟
إن عدو الاستكبار والصهيونية هو الإسلام والمسلمون، وكل من يمتلك وعياً لخطورة هذا التحالف القائم بينهما ويعمل على مواجهته، بغض النظر عن دينه أو توجهه الفكري. لكن لعلمهم بالطاقات الكبيرة الكامنة في المجتمعات الإسلامية، وأن الإسلام كدين يرفض الظلم والاستكبار والاحتلال، ويدعو إلى مواجهة كل ذلك مهما غلت التضحيات، كان عليهم أن يفكروا في كيفية مواجهة الخطر الإسلامي.
جربوا أطروحة الحرب على الإرهاب، فكانت النتيجة أن ارتدت عليهم في البلاد التي عملوا على احتلالها في أفغانستان والعراق، بل في عقر دارهم ومدنهم.
لذا كان الحلّ الأفضل بالنسبة إليهم هو العمل على أطروحة التدمير الذاتي للمجتمعات الإسلامية والبلدان العربية وشعوبها.
هم يعلمون أنّ العديد من أبناء تلك المجتمعات الإسلامية وغيرها يسهل امتطاؤه واتخاذه وقوداً للفتنة، وهم يعلمون أن العديد من السياسيين، أو المتزيين بزي علماء الدين، أو المستثقفين، هم على درجة من خفة العقل بحيث يُقبلون على خدمة المؤامرة الغربية الصهيونية في زرع الفتن والحروب في جسد الأمة الإسلامية والعربية، وهم يظنون أنهم يحسنون صنعاً. وهم يعلمون أن العديد من الأنظمة العربية وغير العربية حاضر للانغماس حتى أذنيه في هذا المشروع.
وهم يعلمون أنّ الأزمة في سوريا هي أهم فرصة لديهم لتحقيق تلك الأهداف، ولحرف طاقة الحراك العربي من أن يتجه لإضعاف إسرائيل ومواجهتها، إلى أن يكون طاقة لخدمة المشروع الأميركي والصهيوني في المنطقة. ما المدخل إلى مشروع التدمير الذاتي ذاك؟ الجواب: إشعال نار الفتنة بين الشيعة والسنّة، الفرس والعرب، إسلامي ومدني... بل التوسل بأي انقسام أو اختلاف ديني أو مذهبي أو عرقي أو جهوي أو فكري... للوصول إلى نوع من التدمير الذاتي المتنقل بين مختلف البلدان الإسلامية والعربية، لتحقيق جملة من الأهداف التي سنُجمل الحديث فيها.

ما هي تلك الأهداف؟

1ــ إضعاف الأمة الإسلامية والعربية، واستنزاف المجتمعات الإسلامية، وخلق ديناميات متعددة للتدمير الذاتي في البلاد العربية والإسلامية، تؤدي إلى هدر طاقاتها في ما بينها، والوصول بها إلى حالة من النزف الدائم.
2ــ تشويه صورة الإسلام والمسلمين، وذلك من خلال إظهار المجتمعات الإسلامية أنها مجتمعات متخلفة متناحرة همجية، لا تعتني إلا بالقتل والحروب والدمار، ولا تعرف معنى للتعايش أو الحوار والحضارة.
3ــ إضعاف محور المقاومة، بل القضاء عليه أو على بعض أطرافه إن أمكن؛ لأن هذا المحور استطاع أن يوجد معادلة في المنطقة أصبحت تمثل تهديداً وجودياً للكيان الإسرائيلي وللمصالح الأميركية، وهذا ما لا تقبل به إسرائيل.
4ــ إراحة إسرائيل من التهديد المتفاقم من قبل محور المقاومة، وإعادة ترتيب أوضاع المنطقة بحيث يتحول الكيان الإسرائيلي إلى القوة التي تهدّد جميع دول المنطقة، فيما يعمل على إضعاف كل من يمثل تهديداً لها ولوجودها.
5ــ قد يشكل فرصة للإسهام في تحريك الاقتصاد الأميركي والغربي المأزوم، وذلك من خلال إيجاد الكثير من النزاعات التي تسمح بعقد صفقات تسليح كبرى في المنطقة، شرطها ألا تشكل تهديداً لإسرائيل وكيانها.
6ــ قد يحقق مزيداً من النفوذ الأميركي والغربي في المنطقة، لأنه في زمن النزاعات والحروب ستصبح حاجة الأنظمة العربية وغيرها أكثر إلحاحاً للحليف الأميركي والدعم الغربي.
7ــ سيدفع الأنظمة العربية الحليفة لأميركا إلى تقديم مزيد من التنازلات في الموضوع الفلسطيني، وذلك لشراء مواقف أميركية وغربية في أماكن أخرى، يدفعون ثمنها تنازلاً للكيان الإسرائيلي على حساب فلسطين وشعبها وقضيتها.
8ــ إشغال المسلمين والعرب، وخصوصاً الحركات الإسلامية في المنطقة عن المشاريع الأميركية والغربية، وتضييع البوصلة على تلك الحركات لمنعها من ترتيب تحالفاتها الإقليمية والإسلامية بما يؤدي إلى زيادة منسوب التهديد الوجودي للكيان الإسرائيلي.
عقد في الكيان الإسرائيلي قبل أشهر مؤتمر هرتسيليا الصهيوني، الذي يُعنى باستراتيجيات ذلك الكيان، ماذا كانت النتيجة؟
يوصي مؤتمر هرتسيليا بزرع الفتنة والحروب بين الشيعة والسنّة، لما في ذلك من مصلحة استراتيجية لإسرائيل!
ألا يتطلب هذا الأمر مزيداً من الوعي والعقل؟ أمّا لماذا العقل، فالجواب:
أثنى قوم بحضرة الرسول (ص) على رجل، حتى ذكروا جميع خصال الخير، فقال رسول الله (ص): كيف عقل الرجل؟ فقالوا: يا رسول الله نخبرك عنه باجتهاده في العبادة والخير، تسألنا عن عقله؟ فقال (ص): إن الأحمق يصيب بحمقه أعظم من فجور الفاجر.
* أستاذ في الجامعة الإسلامية في لبنان