اكتسبت تركيا عام 1922 بعد تحولها إلى دولة قومية علمانية حديثة مع كمال أتاتورك أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الغرب. وبالرغم من هشاشة ديمقراطيتها فهي حافظت على روابط أمنية شاملة وحساسة مع الولايات المتحدة على امتداد أعوام الحرب الباردة. اليوم تراهن على حاجة الغرب إليها، ولا سيما أنها تؤدي دوراً محورياً كقوة اقليمية في المنطقة. كيف تحولت علاقتها مع الغرب منذ نهاية الحرب الباردة؟ هل فعلاً يراهن اليوم الغرب عليها، وما مضمون هذا الرهان؟ وما العوائق التي تعترض هذا الرهان؟
تركيا وأهمية الموقع الجيوسياسي

لتركيا أهمية استراتيجية بالنسبة إلى الأمن القومي الأميركي. وهو ما استدعى التعاون مع أنقرة لتحقيق أهداف السياسة الأميركية، وخاصة أن الشراكة الأمنية مع تركيا تمثل أحد أهم مرتكزات هذه السياسة في منطقة الشرق الأوسط.
لطالما اعتقد الأميركيون أنّ نظاماً ديمقراطياً تركياً غربي الطراز، يمكنه أن يربط تركيا فعلياً بالغرب عبر ما هو أكثر من مجرد عضوية في «الناتو»، ولا سيما بعد انخراطها في عملية التحديث وابدائها رغبة في الخضوع لشروط الاتحاد الأوروبي من حيث الممارسة القانونية والدستورية الداخلية، التي تتناسب مع المعايير الغربية، إذ بالامكان عندها الوثوق بأنّ تركيا ستكون قادرة على أن تمثل درعاً تحمي أوروبا والغرب عموماً من الشرق الأوسط المضطرب.


تركيا والدور الإقليمي المنشود

في سعيه نحو تحديد العمق الاستراتيجي لتركيا انطلق أحمد داوود أوغلو من فكرة أن تركيا يمكن أن تكون قائدة إقليمية عبر اتباع سياسة خارجية تحابي المناطق التي كانت جزءاً من الإمبراطورية العثمانية، الممتدة من شرق المتوسط وشمال أفريقيا وما بين النهرين. وعبر توظيف ديناميتها الاجتماعية _ الاقتصادية الراهنة، وإعادة بناء علاقات كانت قائمة تاريخياً واضمحلت في القرن العشرين بسبب التركيز الأتاتوركي على العلمنة الداخلية وغرس نزعة قومية تركية تحديداً.
وشدّد على أنّه لا تناقض بين تقاليد الدين االإسلامي من ناحية، وعمليتي إشاعة الديمقراطية والتحديث من ناحية ثانية. ينطوي هذا الأمر بالنسبة إلى الولايات المتحدة على أهمية هائلة، ولا سيما بعد الـ2001 ومعاناتها مما تسميه ارهاب التطرف الاسلامي. هذا من جهة، أما من جهة أخرى، فحضور تركيا على الصعيدين التجاري والثقافي يمثل بالنسبة إليها تعزيزاً محتملاً لسيرورات التحديث، والعلمنة وإحلال الديمقراطية لاحقاً في مجمل آسيا الوسطى المستقلة حديثاً، التي هي بمعظمها تتكلم اللغة التركية اجمالاً. فدور تركيا الإقليمي المتعاظم في آسيا الوسطى الغنية بالطاقة سيمكنها من تيسير وصول الغاز الى أوروبا - بالتعاون الوثيق مع أذربيجان وجورجيا - عبر بحر قزوين، ومن الاستفادة من نفطها بعد محاولات روسيا احتكار منافذ تصدير طاقة آسيا الوسطى المباشرة إلى الخارج.
كذلك تعتقد واشنطن أنّه يمكن لتركيا أن تكون الناسفة لجاذبية التطرف الإسلامي والمعززة للاستقرار الإقليمي في آسيا الوسطى، لا لمصلحتها وحدها وحسب، بل ولفائدة كل من أوروبا وروسيا أيضاً. وترى أن التزام تركيا بالتعاون السلمي مع جاراتها في الشرق الأوسط، يجب أن يكون متطابقاً ومتناغماً مع المصالح الأمنية لكل من الغرب والمنطقة.
ضمن هذا الاطار، حذّرت الولايات المتحدة الأميركية الأوروبيين، ولا سيما فرنسا وألمانيا، من أن رفضهم المتواصل لانضمام تركيا إلى الاتحاد الأوروبي يمكن أن يحدث خصومة مع الغرب، ولا سيما أن الأتراك يشعرون اليوم بالاستياء. هذا الأمر يمكن أن يسهم في زيادة خطر احتمال عودة تركيا، إذا ما أخفقت تجربتها الديمقراطية، إلى الخلف نحو تبني هوية سياسية إسلامية أكثر تشدداً. ومن شأن تركيا أن تسهم في تضخيم أحجام التحديات وتصديرها إلى قلب أوروبا عبر البلقان، بدلاً من تشكيل سد يقي أوروبا مشكلات الشرق الأوسط.


العلاقات التركية الأميركية: تجاذبات ومصالح

شاركت تركيا بعد الحرب الباردة في حرب تحرير الكويت خلال عام 1991، كما في الحرب الأميركية ضد «الإرهاب الدولي»، وانضمت إلى التحالف الدولي الذي أنشأته الولايات المتحدة خلال التدخل العسكري في أفغانستان. القوات التركية كانت أولى الوحدات العسكرية التي وصلت إلى أرض المعركة في افغانستان، وكان انضمامها إلى هذا التحالف مهماً بالنسبة إلى الولايات المتحدة، لكونها قاعدة عسكرية قريبة من الجوار الأفغاني، وخاصة أن هيئة أركان حرب الجيش التركي تعدّ أفغانستان واقعة في نطاق الأمن الإقليمي التركي.
بالنسبة إلى حسابات الأتراك دخل الأمر في اثبات الأهمية الاستراتيجية لتركيا بعد انتهاء الحرب الباردة، ولا سيما أن جوهر الحرب التي خاضها التحالف الدولي كان ضد نموذج مضاد للنموذج العلماني الذي يسعون إليه. استطاعت تركيا الاستفادة من دعم أميركي لدخولها إلى الاتحاد الأوروبي - وإن لم يتحقق بعد - لكنها حصلت في ذلك الوقت على قرض من صندوق النقد الدولي بـ16 مليار دولار.
لكن في مارس/ آذار 2003، طبع التدهور العلاقات بين البلدين، وخاصة مع الحرب الأميركية على العراق، التي رافقها تزايد معدل العنف الطائفي في العراق، ومطالبة الأكراد العراقيين بالاستقلال والحكم الذاتي الذي زاد مخاوف تركيا لاحتمالية وجود دولة كردية على حدودها الجنوبية، الأمر الذي يرتب تزايد الضغوط الانفصالية، وبالتالي تهديد سلامة أراضيها الإقليمية.
زاد من حدة التوتر بينهما، الخلاف بشأن السياسات تجاه كل من إيران وسوريا. ففي الوقت الذي اتبعت فيه الولايات المتحدة سياسة العزل لكلتا الدولتين، عملت تركيا على التقارب منهما اقتصادياً لضمان مصالحها، ورأت أن الولايات المتحدة لا تراعي هذه المسألة. لم تتحسن العلاقات بين الطرفين إلا عند زيارة باراك أوباما في ولايته الأولى تركيا عام 2009. ولإعادة إحياء العلاقات بين البلدين والشراكة الأمنية بينهما، كان لا بد من اتخاذ خطوات ملموسة بشأن عدد من المسائل التي تسببت في التوتر سابقا. شجعت الولايات المتحدة تركيا على القيام بمزيد من الخطوات الإصلاحية، وعلى تنشيط عملية التحول الديمقراطي، واستمرت في دعم تركيا للحصول على عضوية الاتحاد الأوروبي، وحاولت مساعدة تركيا عبر تشجيع الحوار بين الطوائف القبرصية، وتسوية النزاع القبرصي من أجل تعزيز الأمن والاستقرار الشاملين في شرق البحر الأبيض المتوسط، كما أنها بذلت جهوداً من أجل تعزيز التحسن في العلاقات بين تركيا وأرمينيا، وفي الوقت نفسه أبدت الولايات المتحدة قبولاً تجاه نمو الاتجاه الديني في تركيا، لكون الإسلام في تركيا يتميز بأنه أكثر اعتدالاً من دول أخرى في منطقة الشرق الأوسط من أجل تحسين علاقات الغرب مع العالم الإسلامي.


العلاقات الأميركية التركية في ظل الربيع العربي


توتر العلاقات التركية الإسرائيلية، إثر مقتل ناشطين أتراك في أسطول الحرية الذي كان متوجهاً لنصرة غزة ودعمها في حصارها ضد إسرائيل عام 2010، إضافة إلى اصرار إسرائيل على عدم الاعتذار والتعويض لذوي الضحايا، كانت لهما سلبيات على العلاقة بين البلدين، لكن في الوقت عينه أعطت لتركيا إضافةً إلى الخطاب الاستفزازي الذي توجه به أردوغان إلى شيمون بيريز في مؤتمر دافوس شحنة ايجابية لعلاقاتها العربية، حيث ثمنت الشعوب العربية، والفلسطينيون بالذات هذا الموقف الاسلامي التركي، وعدّت أردوغان مدافعاً عن حق الشعب الفلسطيني. مع العلم أنه لم يقطع العلاقات التجارية والعسكرية مع إسرائيل.
كانت سياسة صفر مشاكل آخذة في التوسع في المحيط العربي _ الاسلامي إلى أن اندلعت انتفاضات الربيع العربي في كل من تونس ومصر. عدّ داوود أوغلو ما يجري في العالم العربي «مساراً طبيعياً للأمور»، ورأى أن التغييرات التي تشهدها دول الشرق الأوسط ناتجة عن ضرورة اجتماعية، مشدداً على وجوب ابتعاد الزعماء العرب عن الوقوف أمام رياح التغيير. وفي هذا الإطار رأت اتجاهات عريضة في بعض الأدبيات التركية أن «الربيع العربي» من شأنه أن يسهم في تعزيز قدرة تركيا على وضع استراتيجية «العثمانية الجديدة» موضع التطبيق، بحيث تتكامل تركيا بصورة أكبر وأعمق مع الدول العربية التي خضعت لسيطرة ونفوذ الإمبراطورية العثمانية. ركز الاتراك على دعم حركة الإخوان المسلمين وبقية التيارات الإسلامية التي نشطت على الساحة السياسية بعد الثورات العربية، وذلك عبر تشجيعهم على العمل السياسي وفق منهج يتسم نسبياً بالبراغماتية، من خلال الاستفادة من الاستشارات واللقاءات السياسية التي عقدتها تركيا مع الكثير من هذه التيارات.
لكن تعثر السياسة التركية لم يبدأ فقط مع سوريا، وإن بدا طفيفاً في مقاربتها لمصر، فالبرغم من فوز الاسلام الاخواني في مصر وتونس إلا أنّ مصر توجست من نموذج الاسلام العلماني التركي، الذي ذهب أردوغان إلى القاهرة للتبشير به. صحيح أن حزب العدالة والتنمية مع نجاحاته الاقتصادية والسياسية مثّل نموذجاً يحتذى به بالنسبة إلى الإسلام الاخواني المصري، لكن الأرضية المصرية هي أرضية دينية لا يستطيع اسلامها التماشي مع الاسلام المتبع في تركيا. وإن كانت مصر قد قدمت تنازلات جمة للأميركيين لا تتناسب والمبادئ التي أعلنتها ضد نظام حسني مبارك، فضلاً عن طموحات المصريين لاستعادة جزء من دورهم الاقليمي الذي تحاول تركيا رعايته مع أنها عملت على توثيق العلاقات في أبعادها المختلفة مع مصر، وصولاً إلى التعاون العسكري والأمني، ولا سيما أن ثمة رؤية تركية تقول إنّ التقارب المصري _ التركي سيكون من شأنه أن يعيد ترتيبات الأمن الإقليمي، ويعيد أيضاً تشكيل خريطة التحالفات الإقليمية في المنطقة.
استثمرت تركيا الربيع العربي لتوثيق علاقاتها الدولية: وذلك بمحاولة إعادة تأكيد محورية دورها لكل من الولايات المتحدة الأميركية والاتحاد الأوروبي، من خلال إعادة توظيف هذا الدور في خدمة الاستقرار الإقليمي في المرحلة الجديدة، مستغلة في ذلك نفوذها السياسي وقوتها الناعمة وتشعب علاقاتها الاقتصادية مع دول المنطقة. وفي هذا الإطار تجلى تزايد التقارب التركي _ الأميركي في ضوء التنسيق المشترك حيال التعامل مع الملف السوري، وإزاء طرق استيعاب التيارات الإسلامية التي تصاعد حضورها في المشهد السياسي العربي. بدا جلياً خفوت الموقف التركي حيال الوضع في كل من البحرين واليمن، حيث ارتبطت التوجهات التركية بالحرص على العلاقات السياسية مع دول مجلس التعاون الخليجي، والدعوة إلى الحل السلمي ترافقت مع رفض التدخلات الخارجية، وخصوصاً الإيرانية منها، لما لها من تأثير وتداعيات على دورها الذي يخفي وراءه طموح تزعم الاسلام السني في المنطقة.
الحرب على سوريا وتدهور العلاقات التركية ــ الأميركية
تفعيل الموافقة التركية على قرار نشر الدرع الصاروخية على الأراضى التركية في سبتمبر/ أيلول 2011، كان له مقابل وهو حصول تركيا على دور أكثر نفوذاً وتأثيراً في العالمين العربي والإسلامي بموافقة أميركية أوروبية. وتعقيدات الوضع في سوريا، واستمرار الحرب فيها لأكثر من عامين، والتأثيرات الجمة السياسية والاقتصادية التي خلفها على الحدود التركية، أدت جميعها إلى نمو معارضة داخلية ضد التدخل التركي في الشأن السوري، ودعم اسلاميين ومجاهدين من الخارج. إضافة إلى التذمر والخوف من انتقال الصراع الطائفي الذي بدأ يضرب جذوره في سوريا إلى الأرض التركية، من خلال التمييز الموجود بين المذاهب الاسلامية، والشكوى من فرض الحكومة التركية مناهج مدرسية اسلامية على كافة المكونات التركية حتى العلمانية منها. واعتماد قيود على ما يعدّه العلمانيون الأتراك حرية شخصية.
إلى ذلك أتى تشرذم المعارضة السورية في مواجهة تماسك النظام واستعادته مناطق نفوذ كان قد خسرها في بداية الحرب على سوريا، ليزيد الأمور تعقيداً، كذلك صراع النفوذ بين قطر حليفة تركيا، والسعودية التي شعرت بأن تقوية نفوذ الاخوان المسلمين يمكن أن يمتد إلى الخليج برمته، فوقفت بوجهه ودعمت السلفيين في بلدان الربيع العربي، كما ابدت انزعاجاً من طموحات الحليف التركي الذي تريده عاملاً مساعداً لا مهيمناً.
لبّت الولايات المتحدة طلب تركيا بنشر صواريخ باتريوت بعد فشل عدد من التدخلات الاستخبارية والعسكرية التركية، اضافة إلى محاولة أميركا تحييد العنصر الكردي عن المعارك الدائرة في سوريا، عبر عقد اتفاقات مع عبد الله أوجلان، التي يمكن لانعكاسها على الداخل التركي اضعافها في الصميم كما توسط أوباما لإعادة العلاقات الإسرائيلية التركية إلى مسارها، - في زيارته الثانية التي كان لافتاً أنها هذه المرة بدأت من إسرائيل عكس الزيارة الأولى إلى الشرق الأوسط، التي بدأها عام 2009 من تركيا -. كل ذلك لدرء الانعكاسات السلبية للحرب في سوريا على نحو أكبر على تركيا، التي كانت تعدّ من أهم ثلاث قوى اقليمية في المنطقة، ولها تأثير كبير في الشرق الأوسط، وعليها أدوار مهمة في رسم مستقبل المنطقة، لكن حزب العدالة والتنمية بنى سياسته تجاه منطقة الشرق الأوسط على إسقاط النظام السوري والتطلع إلى بناء منظومة إقليمية تقوم على توليفة من حكم حركات الإخوان المسلمين في دول المنطقة، وإيصالهم في سوريا إلى السلطة، لكن تعثر المشروع بدأ يرخي بظلاله على العلاقات الأميركية _ التركية. فدعم الجماعات الجهادية المسلحة التي تعاظم دورها، بات يمثل قلقاً لواشنطن التي تدخلت للحد منه، عبر دعم إنشاء «الائتلاف» للحد من نفوذ الاخوان المسلمين من خلال المجلس الوطني، أو وضع جبهة النصرة على قائمة الإرهاب، والتأكيد على الطابع المدني التعددي الديمقراطي للدولة السورية. أظهرت الأزمة السورية عدم قدرة تركيا على تسوية الأزمات في المنطقة وحدها، الأمر الذي بدأ يهدد العلاقة بين أنقرة وواشنطن، التي أبدت الانزعاج من الموقف التركي، ولا سيما لجهة المساهمة في زيادة نفوذ الجماعات الجهادية المسلحة، وخاصة جبهة النصرة المصنفة في تنظيم القاعدة. ومما زاد الأمور تعقيداً نقل المواد الكيميائية بواسطة قطر إلى هذه المعارضة السورية، وتستر تركيا على الأمر واتهام النظام بذلك. الأمر الذي حمل الاستخبارات الروسية على فضح الموضوع، مما أحرج الولايات المتحدة التي أصرت على اتهام النظام السوري باستعمال هذه المواد الكيميائية، وشدّدت على وجوب انسحاب حزب الله عسكرياً، الذي كان قد وضع هو الآخر على لائحة الارهاب.
صحيح أنّ الأمور تعقدت بين تركيا والولايات المتحدة بعدما رفضت الأولى الحوار بين المعارضة السورية والنظام، كما برز من رفض أردوغان وداوود أوغلو للمبادرة التي طرحها رئيس الائتلاف الوطني السوري معاذ الخطيب، فيما كانت واشنطن تؤيد هذه المبادرة وتحاور موسكو من أجل التوصل إلى مخرج سياسي للأزمة السورية، لكن تركيا أبدت خشية وخيبة شديدة من الموقف الأميركي، وحملت الإدارة الأميركية مسؤولية بقاء النظام السوري.
لقد عكست مواقف أردوغان وداوود أوغلو خشية من تهميش تركيا وإيجاد تسوية لا تلبي رهان أنقرة الأساسي. خلال زيارته الولايات المتحدة شعر أردوغان بخيبة الأمل، حيث تبيّن له أنه لا نية أميركية للقيام بتدخل عسكري في سوريا من أجل إسقاط الرئيس السورى بشار الأسد. خشيت تركيا من أن تدفع ثمن الأحداث الجارية في سوريا وحدها، ولا سيما اذا جرى التفاهم مع روسيا. وهي ترى سياسة أميركا تجاه الأزمة السورية تقوم على حسابات لها علاقة بإسرائيل، وتداخل العوامل الإقليمية والدولية واعتبارات الأزمة الاقتصادية الأميركية وغير ذلك من العوامل. من الواضح أن المقاربة الأميركية تنطلق من الحسابات الاستراتيجية الأميركية، التي لا تتطابق في العديد من الجوانب مع التطلعات والحسابات التركية، التي تنتهز الفرصة للحصول على المزيد من الدعم الأميركي لتعزيز دورها الإقليمي في الشرق الأوسط، بينما لواشنطن استراتيجيتها المبنية على مصالحها تجاه المنطقة، حيث إنّ إسرائيل في قلب هذه الاستراتيجية. هذا الأمر جعلها تخرج عن اللياقة، وتعلن موقفها الرافض علانية لاعلان رئيس الوزراء التركي عزمه على زيارة غزة بعد الاعتذار (الإسرائيلي). ولعل تعيين جون كيري في وزارة الخارجية الأميركية عمق من الشكوك التركية هذه، وبناءً عليه بدأنا نشهد ما يشبه الأزمة في العلاقات التركية _ الأميركية، وخاصة في ظل حديث كيري عن مراجعة السياسة الأميركية بخصوص الأزمة السورية، وتعليقاته على العنف غير المبرر الذي قامت به الشرطة التركية أثناء التظاهرات التي حدثت أخيراً في إسطنبول وأنقرة وعدة مناطق تركية، من أجل كف يد حكومة أردوغان ومنعها من المساس بالمكتسبات العلمانية، ومحاولة أسلمة الحياة العامة التركية. هل ستعود الولايات المتحدة إلى رأي الكاتب الذي تحدث عن ضرورة تجنب صناع القرار الأميركي تأطير تركيا باعتبارها نموذجاً للشرق الأوسط، مما يفقدها الهوية الغربية ويدفعها سياسياً نحو الشرق الأوسط، الذي قد يؤدي بدوره إلى تعزيز الإسلام السياسي في تركيا، وتقويض العلمانية على المدى الطويل. صحيح أنه لا غنى عن العلاقات المميزة مع تركيا، لكن السؤال البديهي أيّ تركيا؟
* باحثة في علم الاجتماع السياسي