التحدي الحقيقي الذي تخوضه محطة «الجديد» من خلال برنامج «الزعيم» يستوجب تدخلاً من الحرصاء على المحطة والجيل الشاب معاً، كي لا يخرج البرنامج عن أهدافه المعلنة والمفترضة على السواء. ووجوب التدخل يستمد مبرراته من اللحظة السياسية التي يمر فيها لبنان والمنطقة بما هي لحظة حراك احتجاجي واسع ضد الأنظمة، سواء كان ذلك انتفاضة شعبية أو تمرداً مسلحاً أو مؤامرة خارجية. وهو حراك يؤدي الشباب دوراً محورياً فيه، ولذلك وجب الحرص عليهم. والمحطة لا تزال، رغم تأرجحها السياسي إقليمياً، تحظى باحترام أوساط واسعة من الرأي العام اللبناني ترى فيها عناصر هوية سياسية جامعة، ويمكن الجزم بأن رصيدها هذا هو الذي شجّع معظم الذين تقدموا للاشتراك في برنامج بدا نوعياً. وهم ربما لم يكونوا ليشاركوا فيه لو كان لمحطة أخرى. وشأن الكثير من المهتمين والمتابعين، تريّثنا بعد الافتتاح الذي غلب عليه الطابع التسويقي وانتظرنا مجريات الأسبوع و«البرايم الثاني» من أجل تكوين فكرة كافية، ولو بالحد الأدنى، للحكم والتقويم.لولا الحراك الشبابي اللبناني والعربي، لما كان هناك مكان لفكرة مثل هذا البرنامج الذي يبحث بين الشباب عن مؤهلين لأداء أدوار قيادية على المستوى الوطني. وهذا الربط حاصل موضوعياً في أذهان الجمهور، حتى لو لم يكن موجوداً في ذهن الجهة المنتجة. بمعنى آخر، فنحن ــ موضوعياً ــ مدعوون إلى التعرف إلى عينة مختارة من خلال المقابلات والاختبارات من الشباب، الذين يعبّرون بدرجات مختلفة عن جيل ينخرط في عملية تغيير سياسي واجتماعي لواقع بلدانه. والذي يحصل في البرنامج أنه لا يتاح للجمهور التعرف فعلياً إلى المشتركين، بما يمكنه من تكوين رأي في أفكارهم وتوجهاتهم السياسية وتصوراتهم البرنامجية، وما أمكن من قدراتهم وكفاءاتهم العملية. فالثواني القليلة (60 في الافتتاح و120 موزعة على 4 أيام) المتاحة لهم للتعبير عن أفكارهم ليست كافية على الإطلاق، وكذلك هي حال التقرير السريع والمنتقى عن نشاطهم اليومي. ما عرض أمام الجمهور كان بالكاد كافياً للحكم على وجود أو غياب «روحية الفريق وفعاليته»، وخصوصاً مع إهمال عرض البرنامج الانتخابي لكل من الفريقين، وهو الذي كان محور عمل الفريق خلال أيام الأسبوع. بدا كما لو أن المقصود هو البحث عمن تعلّم فنون القيادة كما تقدمها المدرسة الليبرالية من خلال العديد من الكتب الأجنبية ودورات التأهيل الممولة. ومن الواضح أنه إذا استمرت الأمور على هذا النحو، سيبقى تصويت الجمهور أسير عصبية فئوية أو خلاصة التماهي مع «كاراكتر»، وهو ما لا يشكل إضافة إلى ما اعتدناه من تصويت كتلوي جماعي في الانتخابات النيابية. والدلالة الأبرز على هذا الاستنتاج هي في الفارق الضئيل في نسبة التصويت لكل من الفريقين، بالمقارنة مع الفارق الكبير في أدائهما. يقيناً، ثمة ما يمكن تعديله في فكرة البرنامج كي تستقيم الأمور ونختبر بعناية معقولة إمكانية التأثير في أفكار الجمهور العريض من اللبنانيين ومواقفه، بدل الانزلاق نحو استثارة إعجابهم «بشخصية» ما.
ما يربك المراقبين، كما الجمهور، هو عدم وضوح المعايير المعتمدة لدى لجنة الحكم المشكلة من شخصيات خبيرة ومؤثرة في المجالين السياسي والإعلامي. ففي الوقت الذي لا تتوحّد فيه اللجنة على مجرد معيار وتطلب من أفراد أن يتحولوا إلى فريق سياسي موحَّد، ويلامون على انتفاء عناصر الوحدة بينهم، سمعنا من المنحدرين من الثقافة اليسارية خصوصاً، ما يشير إلى تخبُّط قيمي واستهتار بالحياة الكاملة لشباب تجرأوا على خوض تحدي المقدرة والكفاءة في مجال لا يجوز استسهال القياس فيه. وكان مستغرباً في هذا المجال، أن مقدمة البرنامج سمحت لنفسها خلال «البرايم» الثاني بالحكم على كلمات المشتركين التي ألقوها في حفل الافتتاح بأنها «حملت أوهاماً …». هذا مدخل يقود بالضرورة إلى معاداة جيل من خلال «الاستخفاف المسبق» بعيّنة منه، تماماً كمن يريد القول إن مجرد الاشتراك بالبرنامج كان عملاًً غير عاقل. ولذلك كانت صرخة إحدى المشتركات في محلها عندما استنكرت استسهال الحكم على ثقافتها ومعرفتها وخبرتها التي ذابت، وهذا طبيعي، في فريقها الذي أدّت دوراً أساسياً في توتيره مشتركة أخرى حظيت بالتقريظ والحماية والدعاية. ومع أن هذا الدور التوتيري كان «ذكياً»، فإنه ليس مفهوماً أن ينطلي على لجنة الحكم التي خلط بعض أعضائها، على غير انتباه، بين الوقاحة والجرأة. وليس من دون مغزى أن تبحث «الليبرالية» راغدة درغام عما هو جدي وسياسي عند فنانة الاستعراض، المشتركة ميريام كلينك، بينما انصب اهتمام «اليساري» إبراهيم الأمين على محاولة إقناع الجمهور، كما بدا، بانعدام الفارق بين السياسة والاستعراض. بدا أعضاء لجنة الحكم عازفين عن محاولة البحث عن «نوع» شبابي لا يريدون، على ما يبدو، الاعتراف بوجوده. ويجوز أن ذلك عائد إلى ما ظهر في الحراكات اللبنانية والعربية من فائض الكمّ مقابل ندرة النوع. لكن ذلك لم يمنع «ليبراليي» اللجنة من المراهنة على اكتشاف «وائل غنيم» لبناني. هنا أيضاً ثمة ما يمكن توضيحه للجمهور بطريقة أفضل تمكنه، ربما، من التخلص من الشعور بأنه لا يفقه ما يجري حوله. فالانطباع الأقوى اليوم هو أن البرنامج بات مسؤولية المشرفين عليه بالدرجة الأولى، وخصوصاً لجهة سويته، وهو ما قد يضع المشتركين أمام خيار استنقاذ الذات.
مرّ «البرايم» الثاني لتزيد معرفة الجمهور بلجنة الحكام لا المشتركين، وليزيد الغموض في ما هو المطلوب من المشتركين بالضبط. فما عدا طلب أغانٍ جديدة من كلينك، فإنّ الشيء الذي أمكن استخلاصه، بعد جهد، أن ما هو مطلوب من الجميع هو تذويب شخوصهم في الفريق بانتظار أن «يتحصن» أحدهم بجرذ قد يطلب منهم أكله نيئاً! أما السياسة فمؤجلة حتى إشعار آخر. هل نحن أمام عملية تسخيف للسياسة وعقاب للشباب؟
* كاتب سياسي