توصلت أطراف يسارية وقومية أردنية إلى وثيقة تأسيسية تمثل إطاراً للعمل المشترك نحو بناء «الجبهة الوطنية الشعبية»، البديل الثالث الممكن لإنقاذ البلاد من ثنائية النظام/ الإسلام السياسي

تعريف

اللقاء اليساري الأردني تجمّعٌ لقوى وشخصيات يسارية أردنية يعمل على حشد طاقات من يؤمنون بأن التحرّر من التبعية للمراكز الإمبريالية، وسياساتها الإقليمية وأدواتها المالية؛ وتطبيق العدالة الاجتماعية عن طريق التخلي عن اقتصاد السوق، وبناء اقتصاد وطني منتج يقوم بصورة أساسية على القطاع العام وسيطرة الشعب على الثروات الوطنية، هما الطريق إلى بناء أردن وطني ديموقراطي. ومن أجل تعزيز الديموقراطية السياسية في البلاد، إلى جانب الديموقراطية الاجتماعية، لا بد من إطلاق الحريات العامة، ولا سيما حرية المعتقد والتعبير والتنظيم، واعتماد النظام الحزبي الذي يقوم على حرية العمل السياسي والفكري، وإخضاع الحكومات للمساءلة المباشرة من قبل الهيئات الشعبية المنتخبة، ولا سيما الهيئات الممثلة لمصالح العمال والمزارعين والموظفين من ذوي الدخل المحدود.


خلفية

أدت السياسات الاجتماعية والاقتصادية التي انتهجها النظام الحاكم في الأردن، وعلى وجه الخصوص في العقود الأربعة الأخيرة، إلى ارتهان البلاد للترتيبات الجيو _ سياسية للمراكز الإمبريالية، وإلى إخراج الأردن من معسكر المواجهة مع العدو الصهيوني كلياً، ليصبح شكل علاقته بالقضية الفلسطينية توفير حدود آمنة «لإسرائيل» واستيعاب الفائض الديموغرافي للتوسع الصهيوني على حساب الشعب الفلسطيني ووطنه، والشعب الأردني ومصالحه. وعلى الصعيد الاقتصادي، أدت برامج «التصحيح» الاقتصادي، التي فرضها صندوق النقد الدولي، وبخاصة منذ أواخر الثمانينيات مع عودة الرأسمالية إلى اقتصاد السوق المتوحش والتخلي عن دور الدولة الاجتماعي، وعبر تبني سياسات الليبرالية الجديدة، إلى تضخم المديونية الخارجية للدولة، وإفقار شرائح واسعة من المجتمع الأردني، واتخاذ الفساد سمة هيكلية، وارتهان القرار الاقتصادي الأردني بالكامل للمراكز الإمبريالية وأدواتها، ما أدى بالجماهير الأردنية إلى إعلان احتجاجها على هذا النهج غيره مرة، كانت أبرز محطاتها في هبّة نيسان 1989 واحتجاجات الخبز في 1996 وهبّة تشرين الثاني 2012، التي جاءت تتويجاً لسنتين من الحراك الاجتماعي المناهض للفساد والسياسات الاقتصادية، ولتخلي الدولة عن دورها الاجتماعي.
على صعيد السياسة الداخلية، تمكّن النظام، عقب ضرب الحركة الوطنية في أواسط الخمسينيات وإسقاط أول حكومة أردنية وطنية منتخبة من الشعب فعلياً، من أن يمسك بخيوط اللعبة السياسية، ويهمِّش القوى الحية في المجتمع، ليصوغ نظاماً أمنياً تابعاً، استطاع من خلاله السيطرة على مفاصل المجتمع، وخاصة بسبب هيمنته على القوى العاملة لكونه صاحب العمل الأكبر، الذي يملك مفاتيح التشغيل والترقي الوظيفي في أجهزة الدولة المدنية والعسكرية. ومن أجل استمرار هيمنته، أعاد صياغة العلاقات الاجتماعية التقليدية لتناسب سيطرته وطريقة تحكمه بالمجتمع.
وفي المقابل، تشكل على هامش سياسات خصخصة القطاع الحكومي، وبالتوازي مع برامج اقتصاد السوق التي اعتمدتها المراكز الإمبريالية منذ أوائل الثمانينيات، وشكّل صندوق النقد الدولي والبنك الدولي أبرز آلياتها، قطاع خاص، طفيلي في سماته الأساسية، وذلك عن طريق الاستحواذ على الثروات الوطنية والمؤسسات ذات الربحية، ضمن أكبر عملية فساد بنيوية تشهدها البلاد. وأدى هذا، بالضرورة، إلى تخلي الدولة تدريجاً عن دورها الاجتماعي الريعي، فتراجعت الخدمات التعليمية والصحية وسياسات التشغيل ومختلف الخدمات الاجتماعية، بينما تضخمت رؤوس الأموال الطفيلية غير المنتجة، وتضخمت معها أسعار السلع والخدمات، ليصبح اقتصاد السوق التابع هو السمة العامة للنهج الاقتصادي، ما أدى إلى اصطفافات اجتماعية جديدة، سمتها الأساسية تلاشي الفوارق التي كانت تفصل العاملين في القطاع العام عن العاملين في القطاع الخاص، في سياق القانون العام للسوق. وهذا ما يفسر التلاحم الذي شهدته هبّة تشرين 2012 بين مختلف صفوف الكادحين في الاحتجاج على قرارات زيادة الأسعار وفرض التقشف على الشرائح الاجتماعية ذات الدخل المحدود، في خدمة ترف النخبة.
وعلى الصعيد السياسي، أدى تجريف الوعي السياسي وإلحاق المجتمع بالتعابير السياسية للنظام، أي البيروقراطية و«الإخوان المسلمين»، من خلال التحكم الكامل بقدرات الدولة وإمكاناتها، وعصا القمع وجزرة المنافع الشخصية، إلى ضعف الأحزاب السياسية والكتلة الشعبية الفاعلة، وإلى استلاب قدرتها على التعبير عن مصالحها. واستخدم في ذلك، على مدار خمسة عقود، باستثناءات ضئيلة، لعبة برلمانية شكلية لا علاقة لها بصنع القرار، سواء في المجال الاقتصادي، أو في مجالات الدفاع وغيره من الجوانب السيادية. بينما ظل هذا القرار رهن مقتضيات التبعية للمركز الإمبريالي، ومصالح النخبة الحاكمة.
وفي هذا السياق، سعى النظام، طيلة الوقت، إلى تلبية المتطلب الإمبريالي _ الصهيوني بالإدماج السياسي الناعم للكتلة الشعبية ذات الأصول الفلسطينية في الدولة الأردنية، وفق شروط التبعية والدور الجيو _ سياسي للنظام وحاجاته في اللعب على التناقضات، عند الضرورة. واستخدم في ذلك لعبة التجنيس وسحب الجنسية بناءً على ما يخدمه سياسياً، من دون أن يخضع هذه المسألة لميزان الحقوق القانونية وحقوق الشعب الفلسطيني التاريخية في العودة وتقرير المصير، وحقوق الشعب الأردني، بكل مكوناته، في حياة كريمة وفي النضال من أجل الاستقلال الوطني، ومن أجل المشاركة الفعالة في الجهد القومي لتحرير الأراضي الفلسطينية، وضمان الحقوق الوطنية للشعب الفلسطيني، وممارسته حقه في تقرير مصيره على أرض وطنه.
إن مجمل السياسات التي انتهجها النظام، حيال القضية الوطنية والقضية الاجتماعية، قد أوصلته إلى عنق الزجاجة. وهو، كعادته، يعمل على تحميل الجماهير كامل تبعات نهجه السياسي والاقتصادي. وبحكم بنيته، فليس أمامه سوى المزيد من القرارات الجائرة. فهذه البنية المأزومة لم تعد قادرة إلا على إنتاج المزيد من الأزمات. ومع تفاقم الأزمة العامة للنظام الرأسمالي العالمي، وازدياد كلفة الدور الجيو _ سياسي للأردن ضمن الأولويات الدولية _ الإقليمية، وخاصة نتيجة وصول هذا الدور إلى حافة تهديد الكيان الأردني نفسه وبقاء الدولة نفسها، ليس أمام النظام إلا أن يتخلى تماماً عن دوره الاجتماعي الريعي، ويترك العنان لقوانين السوق، ما سيؤدي إلى مزيد من الإفقار للأغلبية الساحقة من المواطنين، وإلى مزيد من التهميش، ويضع هذه الأغلبية أمام مسؤولياتها في الدفاع عن حقوقها.
في هذا السياق، أدى وصول النظام الرأسمالي العالمي إلى أزمة عامة تزداد تفاقماً باطراد وتفقر حتى شعوب الدول الرأسمالية المتقدمة، رغم محاولة المراكز الإمبريالية العودة إلى شن الحروب الإقليمية، علّ ذلك يسهم في إنعاش الاقتصاد الرأسمالي بإعادة تشغيل المجمعات الصناعية الحربية وعسكرة الاقتصاد، على غرار ما حدث في أزمة الكساد الكبير في أواخر عشرينيات القرن الماضي، إلى فقدانه السيطرة على معادلاته الجيو _ سياسية. وكان وطننا العربي بين أكثر مناطق العالم تأثراً بهذه التطورات. فشهدت تونس ومصر واليمن والمغرب والأردن والبحرين، الخاضعة لشروط التبعية للإمبريالية، انتفاضات مستمرة لم تصل إلى نهاياتها الطبيعية بانتصار الثورة. وأدى استيلاء قوى تابعة للنظام الإمبريالي، ومتحالفة مع الرجعية العربية، ممثلة بالإسلام السياسي، إلى طرح الأسئلة التاريخية للتحرر الوطني الاجتماعي مجدداً على القوى الاجتماعية _ السياسية المنحازة لفك الارتباط بالإمبريالية ولمصالح الجماهير الكادحة، والمتمثلة أساساً في القوى اليسارية والقومية ذات التوجهات المناهضة للإمبريالية. كما أدت إلى تبديد الكثير من الأوهام الليبرالية، وأوهام التحالف مع الإسلام السياسي، الذي أكد ويؤكد كل يوم جوهر تحالفه مع المشروع الإمبريالي، وانحيازه الاجتماعي والاقتصادي والإيديولوجي للإمبريالية والرجعية، وكذب ادعاءاته في التناقض مع الصهيونية.
وفي المقابل، استغلت الإمبريالية، ومعها الرجعية العربية، الخليجية على وجه الخصوص، ومن ورائهما الصهيونية العالمية، توق الجماهير الشعبية إلى الحرية والعيش الكريم، وما أدت إليه السياسات الاجتماعية _ الاقتصادية من إفقار وتهميش، في البلدان العربية المستقلة عن الهيمنة الإمبريالية، وبخاصة سوريا وليبيا والجزائر، مستندة إلى عقود طويلة من تجريف الوعي وهيمنة الخطاب الإسلامي بتلاوينه الليبرالية والظلامية، وعدم تصدي القوى اليسارية والقومية لهذا الخطاب. فشنت ثورات مضادة تمكنت خلالها من تحويل مسار الانتفاضات الشعبية، ليتسلم «الإخوان المسلمون» وحلفاؤهم زمام الحكم في تونس ومصر واليمن، عن طريق صناديق الاقتراع والتسويات المشبوهة، والسلطة في ليبيا بالتدخل المباشر لحلف الأطلسي وحلفائه من الرجعيين العرب، بينما تُشن على سوريا وموقفها المناهض للمشروع الإمبريالي والصهيوني حرب كونية، جمع التحالف الإمبريالي _ التركي _ الرجعي العربي لها كل ظلاميي العالم ومرتزقته وأعداء الحرية والديموقراطية والتنوير والاستقلال الوطني.

ما العمل؟

أظهرت السنتان الأخيرتان، في الأردن خاصة وفي مختلف البلدان العربية عامة، أن ثمة طاقات جماهيرية مختزنة هائلة تبحث عن تعابيرها للتصدي للواقع الوطني والطبقي الذي أوصلت الأنظمة التابعة شعوبنا العربية إليه. كما بيّنت إفلاس «الإسلام السياسي» وزيف شعاراته، سواء في ما يتعلق بقضية الصراع مع العدو الصهيوني، ومن ورائه الإمبريالية، أو بالنسبة إلى اقتصاد السوق المتوحش، وسياسات الإفقار والتهميش وما يرافقها من فساد.
وفي وطننا الأردن، ثمة مؤشرات لا تخطئها العين على انسلاخ قطاعات واسعة من الجماهير عن سياسات النظام واقتناعها بأنه لا مجال لإصلاحه. كما أكدت هبة تشرين أن أغلبية شعبية عابرة للحدود الجهوية والعشائرية والتقسيمات الجغرافية قد غدت جاهزة للدفاع عن مصالحها الطبقية. وهي، وإن كانت لا تزال تتلمس طريقها، إلا أنها تعرف ما لا تريد، وإن كانت لم تعِ بعد على وجه الدقة ما الذي تريد. ومن هنا ضرورة اللقاء اليساري.
إن على قوى اليسار الأردني، وهي بالضرورة تعني جميع القوى القومية والاشتراكية المنحازة إلى التحرر الوطني وإلى مصالح الجماهير، في وجه انهيار الدور الأبوي للبيروقراطية وانكشاف عدائها لمصالح الجماهير، ومع انكشاف زيف شعار «الإسلام هو الحل»، الذي طالما استخدمته قوى الإسلام السياسي لخداع الناس بأن لديها ما يختلف عن أنظمة الاستبداد التابعة، أن ترصّ صفوفها من أجل ما يأتي:
_ توعية الجماهير بواقعها وبحقيقة الاصطفافات السياسية والاجتماعية، سواء في ما يخص القضية الوطنية والصراع مع الإمبريالية والصهيونية والرجعية، أو ما يخص المسألة الاجتماعية والطبقية والدفاع عن مصالحها. وهما مسألتان متلازمتان لا فكاك بينهما، فالتحرر الوطني من التبعية هو نفسه التحرر الاجتماعي نحو حياة حرة كريمة.
_ بناء الجبهة الوطنية الشعبية العريضة القادرة على الوصول إلى أوسع قطاعات ممكنة من الجماهير وتنظيمها وقيادتها.
_ بناء الكتلة الشعبية التاريخية، بغضّ النظر عن الاعتبارات الجهوية أو العشائرية، من كادحي بلدنا، لمواجهة متطلبات النضال على الصعيدين الوطني والاجتماعي، من أجل تحرير الأردن من التبعية، وتحرير الأراضي الفلسطينية المحتلة، وممارسة الشعب الفلسطيني حقه في العودة وتقرير المصير على أرض وطنه؛ ومن أجل حياة حرة كريمة لجميع الأردنيين.
_ العمل من أجل إقامة وتعزيز أواصر الترابط والعمل المشترك مع القوى القومية واليسارية العربية المناهضة للإمبريالية والصهيونية والرجعية، على طريق بناء الجبهة العربية المناهضة للإمبريالية؛ وكذلك إقامة صلات الكفاح المشترك مع جميع القوى المناهضة للإمبريالية وأحلافها ومخططاتها العدائية، في منطقتنا وعلى صعيد العالم بأسره.
عاشت وحدة اليسار الأردني من أجل التحرر الوطني والاجتماعي.
عاشت وحدة القوى القومية واليسارية العربية في مواجهة العدوان الإمبريالي _ الصهيوني _ الرجعي.
عاش نضال الشعوب والقوى المستغلة ضد الهيمنة الإمبريالية والرأسمالية المتوحشة