موضوع هذه الدراسة الحقّ في الزواج المدنيّ وعقده على الأراضي اللبنانية. لهذا الموضوع، عدا الجانب القانونيّ، جوانب تاريخية ودينية. ونظراً إلى بعد هذا الحقّ المدنيّ عن العقلية القانونية السائدة، وهي عقلية طائفية راسخة، استلزمت معالجتها الكثير من التفصيل والاستعانة بمعارف لغوية ومنطقية وتاريخية لو كان الوضع سويّاً لكانت مستغنىً عنها لمصلحة الذهاب توّاً إلى الشيء نفسه. فتعويضاً من بعض التعرّج في السياق اخترت لهذه المقدّمة أنْ تكون عرضاً في الصورة الآتية: قضية أولى: ثمة لبنانيّون لا ينتمون إلى طائفة إدارياً
البرهان: الانتماء أو عدم الانتماء إلى طائفة المعتمد في إثباته سجلّات وقيود الأحوال الشخصيّة ولا يقبل أيّ دليل معاكس ضدّها. وهذه تثبت وجود هؤلاء اللبنانيّين بهذه الصفة. قضية ثانية: وجود من لا ينتمي إلى طائفة ليس موقوفاً على تعميم إداريّ بقبول طلبات عدم الانتماء. فهذا التعميم ليس موضوعه سوى إلزام الموظّف العامّ تطبيق القانون بتسجيل الواقعة.

البرهان: الدستور والقانون ووقائع القيود في سجلّات النفوس منذ سنة 1939، في الأقلّ.
قضية ثالثة: يخضع الذين لا ينتمون إلى طائفة للقانون المدنيّ في الأمور المتعلّقة بالأحوال الشخصية.
البرهان: القانون الذي ينظّم الأحوال الشخصية لمن لا ينتمي إلى طائفة هو القرار 60 ل.ر، ولا تشريع غيره في هذا الشأن، وهو ينصّ على الخضوع لهذا القانون.
قضية رابعة: القانون المدنيّ المقصود إمّا أنْ يكون قانوناً بعينه: القانون المدني الفرنسي، أو قانوناً من حيث جنسه: أيّ قانون له هذه الصفة يعيّنه العقد، أو قانوناً من حيث ماهيّته: أيّ مجموعة من الأحكام وافية بالغرض يتضمّنها العقد. والشرط المشترك في هذه جميعاً ألّا تكون فيها مخالفة للدستور أو النظام العام أو الآداب الحميدة، وأنْ تكون وافية بتنظيم الزواج.
البرهان: القانون الموصوف بالمدنية أتى النصّ عليه بالتعريف المطلق، غير مضاف إلى المستقبل ولا شرط فيه لقبول أحكامه أو اقتضاء لاقتراح فيها، بخلاف ما كان النصّ عليه بالنسبة إلى قوانين الطوائف المضافة إلى المستقبل، ممّا يعني أنّه معروف بتوافر الشروط المطلوبة فيه، وهذا لا يكون إلّا في نصّ حاضر، وبما أنّه ليس لأيّ قانون أن يعلّق الحقّ في الزواج وواجب تأديته حالاً لا يمكن تفسير النصّ بما يؤدّي إلى تعليق الحقّ، فلا احتمال لتفسيره غير الاحتمالات التي توجب تأدية الحقّ حالاً، وهي الواردة أعلاه.
قضية خامسة: تسجيل عقد الزواج المدنيّ بين من لا ينتمون إلى طائفة لا سبيل قانوناً إلى رفضه طالما أنّ القانون نفسه لا يجيز أيّ عقد طائفيّ بينهم، فيكون الرفض بمثابة إسقاط للحقّ. وفي أيّ حال لا يمكن إكراه أحد على عقد زواج يخالف اعتقاده.
البرهان: نصّ الدستور في المقدّمة وفي المتن ونصوص أنظمة الأحوال الشخصيّة.
قضية سادسة: الجهات المدنية المشاركة في تنظيم عقد الزواج المدنيّ هي المختار ومأمور النفوس وكاتب العدل عند الاقتضاء.
البرهان: نصوص القوانين المرعية الإجراء في تنظيم عمل هذه الجهات. فالصلاحية المطلوبة هي لتأدية وظيفة، وهذه لا تخرج عن تأمين شروط الزواج الجوهرية والشكلية. وهذه الجهات مؤهّلة وقائمة بذلك التأمين، كلّ منها بدوره المناسب.
قضية سابعة: في أيّ حال، صحّة الزواج ليست مشروطة بوجود قانون بتشريع لبناني عاديّ.
البرهان: واقع الزيجات المسيحيّة على الأراضي اللبنانية وواقع زيجات اللبنانيّين خارج لبنان، وإلّا لكانت هذه الزيجات غير صحيحة.
قضية ثامنة: في أيّ حال، لا يؤدّي إهمال المشترع لإسقاط حقّ من الحقوق الأساسية، صراحةً أو ضمناً، وغاية ما يكون في غياب القيد الخاصّ على حقٍّ من هذه الحقوق هو التمتّع بالحقّ ضمن حدود الدستور والنظام العامّ والآداب الحميدة. البرهان: ليس البرهان في نصّ الدستور في المقدّمة والمتن فحسب، بل في وجود الدستور أصلاً.
* محامي وناشط لبناني
(من كتاب «الزواج المدني: الحقّ والعقد على الأراضي اللبنانية»، يصدر قريباً عن دار الساقي)