أثارت التصريحات الأخيرة للقيادي البارز في جماعة الإخوان المسلمين عصام العريان حرباً دعائية في مصر، استهدفت الفلسطينيين واليهود المصريين. وقد أسهمت تصريحات العريان، والضجة الإعلامية التي أثارتها، في إلهاء الناس عن المشاكل الحقيقية التي تواجه البلاد نتيجة إخفاقات حكومة الرئيس مرسي المتتالية وانتهازية المعارضة عالية الصوت بشقيها الليبرالي والفلولي (ولا ينطبق هذا على من يعادي الامبريالية من المعارضين). ولولا التبعات الكبيرة المترتبة على هذه الحرب الدعائية على خطط الولايات المتحدة وإسرائيل لتقويض الثورة المصرية والسيطرة على نتائجها وتسخيرها لخدمة المصالح الأميركية والإسرائيلية، لكانت لا تتعدى كونها زوبعة في فنجان. لقد قام العريان بدعوة اليهود المصريين القاطنين في إسرائيل للعودة إلى وطنهم. وليست دعوته هذه بالحدث الجديد. ففي الواقع كانت مصر أنور السادات قد دعت اليهود المصريين إلى العودة في عام ١٩٧٥ بناء على طلب من منظمة التحرير الفلسطينية، التي رأت في مغادرة اليهود العرب إلى إسرائيل في ظلّ الأنظمة العربية السابقة بمثابة هدية للاستعمار الاستيطاني الصهيوني لفلسطين، وعليه فقد دعت منظمة التحرير الفلسطينية لإعادة اليهود العرب إلى أوطانهم، وطالبت القادة العرب آنذاك (ولم يكن أي منهم في السلطة عندما غادر اليهود العرب أوطانهم في الخمسينيات والستينيات) بإصدار دعوة مفتوحة لهم إلى العودة. وقد استجابت كل من المغرب، واليمن، وليبيا، والسودان، والعراق، ومصر لدعوة منظمة التحرير الفلسطينية وقامت بالفعل بتوجيه دعوة مفتوحة لليهود العرب للعودة إلى بلادهم. ولكن وعلى الرغم من هذه الجهود، لم تستجب لا إسرائيل ولا الجاليات اليهودية العربية القاطنة فيها إلى الدعوة.
قامت إسرائيل في العقدين الأخيرين باستغلال مسألة اليهود العرب كثقل لموازنة المطالب الفلسطينية المدعومة بالقانون الدولي بحقهم في العودة إلى فلسطين، التي طردهم الصهاينة منها. وبدأت القيادة اليهودية الأشكنازية، وهي ذات القيادة التي ما فتئت تميّز عرقياً ضد اليهود العرب في إسرائيل، ببذل الجهد للمطالبة بالتعويض عن خسائر اليهود العرب لممتلكاتهم، فيما شرع صهاينة ليبراليون ومؤيدون لهم في الغرب بإصدار البيانات التي لخصت ما حدث في عام ١٩٤٨ وما تلاه على أنه «تبادل سكان» عادل بين «العرب» و«اليهود» (وقارنوه بما حصل إبان انفصال باكستان عن الهند)، ودعوا الفلسطينيين إلى التخلي عن مطالبهم بالعودة والتعويض. وتغفل هذه الدعاية ذبح الفلسطينيين وطردهم قسراً من وطنهم، في حين غادر أغلب اليهود العرب أوطانهم نتيجة المضايقات والممارسات الصهيونية التي عرضت حياتهم للخطر.
وجد الصهاينة والدعاية الإسرائيلية في المقارنة بين معاملة الدول العربية السيئة للاجئين الفلسطينيين، والتي ترفض منحهم الجنسيات ولا توفر لهم مساكن دائمة، وتبقيهم قابعين في مخيمات اللاجئين مقابل معاملة إسرائيل لليهود العرب ومنحهم الجنسية الإسرائيلية وتوفير السكن لهم بالفعل خارج مخيمات اللاجئين، حجة إضافية لإثبات مدى تحضّر إسرائيل مقارنة بهمجية العرب. وهنا يبرز تناقض صهيوني فاضح في هذا الطرح، حيث تدعي إسرائيل من جهة أنها هي وطن يهود العالم، ومن جهة أخرى تزعم أن اليهود العرب لاجئون فيها بعد أن هُجّروا من أوطانهم، مغفلة ادعاءها الصهيوني المعتاد بأنهم «عادوا» إلى وطنهم إسرائيل.
أما الادعاءات الإسرائيلية عن وضع اللاجئين الفلسطينيين فهو صحيح جزئياً، حيث منح الفلسطينيين الجنسية في بعض الدول العربية (لا سيما في الأردن)، ولكن خلافاً لإسرائيل التي وهبت الأراضي والممتلكات الفلسطينية المسروقة، التي قامت بطرد أصحابها، للمستوطنين اليهود، بما في ذلك اليهود العرب (على الرغم من أنّ الأخيرين حصلوا على الأراضي والممتلكات الأقل قيمة وفقاً لعنصرية إسرائيل الأوروبية الأشكنازية ضد اليهود العرب)، فلم تهب الدول العربية الممتلكات اليهودية للفلسطينيين ولم تسكنهم في منازلهم. وهكذا، تُقدَّم الجريمة الإسرائيلية بسرقة الممتلكات الفلسطينية ومنحها لليهود، وهو الأمر الذي يحظره القانون الدولي، على أنّها أعمال تدلّ على حضارية المستعمرة الاستيطانية اليهودية مقارنة بهمجية العرب. في هذا السياق، من المهم أن نؤكد أنّ الفلسطينيين هم من يستحق التعويض عن ممتلكاتهم المسروقة من قبل جميع المستوطنين اليهود الذين يعيشون على أراضيهم وفي منازلهم منذ ستة عقود ونيف، بمن فيهم اليهود العرب.
أما حقيقة أنه لم يطرد اليهود العرب من أيّ دولة عربية، حتى من تلك التي عانوا فيها من المضايقات من قبل السلطات أو حتى من شرائح المجتمع بأسره، فتظلّ قضية جوهرية في هذا الطرح. ففي اليمن والعراق، قامت إسرائيل بتهجير المجتمعات اليهودية من خلال وسائل إجرامية مختلفة، لا سيما من خلال تفجيرات الموساد لمواقع يهودية في العراق، وعبر صفقات سرية مع مختلف الأنظمة العربية، بما في ذلك النظام اليمني. وفي الجزائر، قامت إسرائيل بتجنيد أفراد من المجتمع اليهودي، الذي كان عدده قد بلغ مئة ألف (وجميعهم من حملة الجنسية الفرنسية التي حصلوا عليها بموجب مرسوم كريميو الذي أصدرته فرنسا في عام ١٨٧٠، مع الأخذ بالاعتبار أن نسبة لا بأس بها منهم كانت من المستوطنين الأوروبيين)، للتجسس على ثوار جبهة التحرير الوطني وتقديم تقارير عنهم إلى السلطات الفرنسية. في حين كانت القوات العسكرية الإسرائيلية تجري تدريبات عسكرية على التراب الجزائري المحتل مع سلطات الاحتلال الفرنسي في الخمسينيات. وبالطبع لا يمكن لوضع كهذا أن يؤدي إلى زيادة الألفة بين اليهود والمسلمين في الجزائر، والأخيرون كانوا يرزحون تحت أشدّ أنواع الاستعمار الأوروبي وحشية في أفريقيا. وفي حين قاتل اليهود الجزائريون جنباً إلى جنب مع مواطنيهم المسلمين أثناء المقاومة ضد الفرنسيين في منتصف القرن التاسع عشر مع الأمير عبد القادر، إلا أنّ سياسة فرّق تسد الاستعمارية الفرنسية هي التي أدّت إلى خلق الشرخ بين الفريقين.
أما في مصر، فتمّت مهاجمة مصالح اليهود المصريين في عام ١٩٤٨ على أيدي أفراد من جماعة الإخوان المسلمين وأفراد من حزب مصر الفتاة غير الإسلامي، مما أدى إلى رحيل عدد صغير من اليهود (لا سيّما أولئك الذين يحملون جنسيات أجنبية).
وقامت إسرائيل في وقت لاحق بتجنيد يهود مصريين كجواسيس وإرهابيين قاموا بعمليات تفجير في القاهرة والإسكندرية في عام ١٩٥٤ لتشويه صورة جمال عبد الناصر في الغرب، كما قامت إسرائيل، أيضاً، بغزو البلاد في عام ١٩٥٦ جنباً إلى جنب مع القوات الفرنسية والبريطانية واحتلال أراض مصرية.
وعلى اثر هذا العدوان قامت السلطات المصرية بطرد جميع المواطنين الأجانب من حملة الجنسيات الفرنسية والبريطانية من البلاد (حوالي ١٧٠٠٠ شخص)، وكان من ضمنهم يهود. وعندما شرع عبد الناصر بتطبيق سياسة التأميم، أخذت الأسر التي تمتلك شركات كبيرة، والتي كان من المقرّر أن يطالها التأميم، بمغادرة البلاد. وكان من ضمن هذه الأسر الغنية المصرية مسلمون ومسيحيون ويهود (وكثير منهم كان يحمل جنسيات أجنبية)، إضافة إلى المسيحيين الشوام والأرمن واليونانيين والإيطاليين. وفي أعقاب «فضيحة لافون» في عام ١٩٥٤، ساد الشارع المصري غضب شعبي ضد اليهود المصريين، لم يكن بالإمكان تفاديه، على الرغم من محاولات الحكومة المصرية خلال محاكمات الإرهابيين الحفاظ في خطابها على التمييز بين المجتمع اليهودي والإرهابيين المجندين. وينبغي مقارنة هذا الوضع مع العنصرية الحالية المعادية للعرب والمناهضة للمسلمين في الولايات المتحدة، والتي، كما أشار أسعد أبو خليل مؤخراً، تواصل استهداف العرب والمسلمين الأميركيين بعد أحد عشر عاماً على أحداث ١١ سبتمبر/أيلول، على الرغم من أن أياً من الإرهابيين الذين ارتكبوا جرائم ذلك اليوم لم يكن أميركياً من أصول عربية أو مسلمة. فمنذ بضعة أيام فقط، دفعت امرأة أميركية عنصرية شاباً هندياً (ينتمي إلى طائفة الهندوس) أمام قطار مترو الانفاق في مدينة نيويورك مما أدى إلى قتله: وقالت المجرمة للمدعي العام: «لقد دفعت بمسلم تحت قضبان القطار لأنني أكره الهندوس والمسلمين منذ عام ٢٠٠١ عندما نسفوا البرجين التوأمين». وكان هذا آخر ضحية لعنف العنصرية الكارهة للعرب المسلمين في أميركا وللهنود الهندوس والسيخ الذين يعتقد عنصريو أميركا بأنهم مسلمون.
من الجدير بالذكر أنّ نسبة كبيرة من يهود مصر لم يكونوا مصريين قانونياً، وأنهم لم يحملوا الجنسية المصرية بل كانوا يحملون جوازات سفر أوروبية (إيطالية وروسية وبريطانية وفرنسية)، وأنّ العديد منهم لم يكن حتى يتكلم العربية، مما عزّز التصوّر في بعض الأوساط الشعبية أنهم لم يكونوا بالضرورة مخلصين لمصر. ولا ينطبق هذا بالطبع على مجتمع اليهود العرب والمصريين الموجودين في البلاد منذ الأزل (وخصوصا اليهود القرائين) الذين انحسر مجتمعهم نتيجة نفوذ الأسر الأشكنازية والسفاردية الكبيرة والقوية التي وفدت إلى مصر في القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين. ومع أنّه يجب توجيه اللوم لنظام عبد الناصر لأنّه لم يقم بواجبه بما فيه الكفاية لحماية أعضاء الطائفة اليهودية من التحرش من قبل أجهزة الدولة والتقصير بالدفاع عنهم إزاء الغضب الشعبي، إلا أنّ هذا لا يمكن اعتباره البتة طرداً لليهود أو ترحيلاً لهم عن وطنهم كما ادعى العريان.
تزامن هذا الوضع، أيضاً، مع الحملة الإسرائيلية المتواصلة لتهجير اليهود العرب إلى فلسطين، من خلال وسائل إجرامية مختلفة وصفقات سرية، نجحت في العراق واليمن وتواصلت في المغرب مما أدى إلى تدمير هذه المجتمعات تماماً. ولا تزال جهود إسرائيل المباشرة لتهجير نصف المجتمع اليهودي في مصر (والذي كان تعداده حوالي ستين ألفاً) إلى إسرائيل (حيث غادر النصف الثاني إلى فرنسا والأميركتين) غير معروف تماماً، ولكن لا ينبغي تجاهلها في تحليللنا لما جرى. لا تأبه دعاية القلة من الصهاينة المصريين لحقيقة أنّ معظم الهجمات الإرهابية ضد المصالح اليهودية في مصر وقعت في ظل حكم الملك فاروق في الأربعينيات وأوائل الخمسينيات. وقد ظهر هؤلاء هذا الأسبوع على فضائيات مصرية، وكتبوا المقالات في الصحف يلقون فيها باللائمة على عبد الناصر والإخوان المسلمين لكلّ ما حدث لليهود المصريين مبرئين ساحة إسرائيل من أيّ ذنب بخصوص رحيلهم عن مصر، كما فعل العريان نفسه. وقد أشار أحدهم إلى رحيل اليهود المصريين بـ«النزوح»، متفقاً بذلك مع العريان (والأول يعارض الأخير في كلّ النواحي الأخرى)، ومؤكدا أن اليهود «طُردوا» من مصر. وأضاف أيضاً أنّ اليهود المصريين الموجودين في الولايات المتحدة وفرنسا لا يزالون يحبون مصر والعرب والمسلمين. وفي حين ما من شك أنّ العديد من اليهود المصريين، أينما كانوا، يكنّون مشاعر إيجابية تجاه مصر، فقد أعرب العديد من شخصياتهم البارزة في الغرب عن كراهيتهم لمصر والعالم العربي. وفي حين يحصل تجاهل اليهود المصريين الذين يحبون مصر ويقلّل من شأنهم في الغرب وإسرائيل، فإنه يبرز العديد من اليهود في المقابل نتيجة آرائهم الكارهة لمصر. لا تنفك الدعاية الصهيونية في مصر عن تسويق أسرة شيكوريل السفاردية، والتي كان يحمل أفرادها الجنسية البريطانية (وهي حقيقة يخفيها المروجون)، كمثال على الأسرة اليهودية المصرية التي كانت ركناً من أركان مصر الأصيلة. ولكن ما يتناساه هؤلاء في الكثير من الأحيان هو أنّ مورينو شيكوريل الذي هاجر إلى مصر من سميرنا (إزمير) وأنشأ شركة العائلة الكبرى، متجر شيكوريل، كان صانع العلم الصهيوني الأول الذي حلّق فوق القدس في ديسمبر/كانون الأول ١٩١٧ لمدة ٢٠ دقيقة قبل إزالته من قبل القوات البريطانية. وقد تزوجت حفيدته ليلي من بيار منديس ــ فرانس الذي أصبح رئيس وزراء فرنسا في الخمسينيات، قبل أن يشغل منصب وزير الخارجية، بعد سقوط حكومته الاشتراكية في عام ١٩٥٥، في حكومة غي موليه (من الحزب الاشتراكي الراديكالي الذي ينتمي إليه منديس ــ فرانس) التي تلت حكومته حتى شهر مايو/أيار ١٩٥٦. وقد دعا منديس ــ فرانس، خلال فترة رئاسته في عام ١٩٥٥، علماء نوويين إسرائيليين إلى المشاركة في البرنامج النووي الفرنسي. واختتمت إسرائيل في وقت لاحق صفقة مع الفرنسيين في عام ١٩٥٦ للمشاركة في الغزو الثلاثي على مصر تُكافأ إسرائيل بموجبها ببناء فرنسا لمفاعل ديمونة، حيث سيتمّ تصنيع قنابل إسرائيل النووية لاحقاً. يعلمنا رئيس إسرائيل الحالي شيمون بيريز، الذي عقد الصفقة، بأنّه «قبل التوقيع النهائي [على بروتوكول سيفر حيث تمّ الاتفاق على خطة غزو مصر]، سألت بن غوريون لرفع جزئي للجلسة، وخلالها التقيت موليه وبورج ــ مونوري على انفراد. ومن هنا، عقدت مع هذين الزعيمين اتفاقاً لبناء المفاعل النووي في ديمونة، في جنوب إسرائيل... وتوريد اليورانيوم الطبيعي لتزويده بالوقود. وقد قمت بطرح مجموعة من المقترحات التفصيلية التي قبلاها بعد المناقشة». وقد هدّدت غولدا مائير مصر بالقصف بهذه القنابل النووية في عام ١٩٧٣. وطوال هذه الفترة، وعلى حدّ علمي، لم تصدر ليلي شيكوريل ولا مرة واحدة أيّ بيان علني تعارض فيه الغزو الفرنسي لمصر أو تحالفها ومساعدتها النووية لإسرائيل (وقد توفيت ليلي في عام ١٩٦٧). ومن الجدير بالذكر أنّه لم يتمّ تأميم شركة شيكوريل أبداً. فقد قام عمّ ليلي سلفاتور، الذي كان يحتفظ بجميع أموال ثروته خارج مصر في ذلك الحين، ببيع الشركة لعائلة الجابري المسلمة قبل مغادرته البلاد في عام ١٩٥٧. وقد تمّ تأميم الشركة المملوكة لعائلة الجابري في عام ١٩٦١. كما أنّ جميع الادعاءات بتعرض عائلة شيكوريل للمضايقات من قبل النظام الناصري هي مجرّد دعاية كاذبة. أما منديس ــ فرانس، فقد أصبح عنصراً فاعلاً في عقد «حوارات السلام» بين فلسطينيين وإسرائيل في بيته في السبعينيات.
لم يلتزم العديد من اليهود المصريين البارزين الصمت إزاء عداء الغرب لبلدهم الأصلي، بل إنّ الكثيرين منهم أصبحوا جزءاً لا يتجزأ من الحملات الغربية المناوئة لمصر والعرب والمسلمين بشكل عام. ويعتبر اليوم الملياردير الليكودي الأميركي، المولود في الاسكندرية، حاييم صبان واحداً من ألدّ أعداء العرب والمسلمين، وهو أحد الداعمين الرئيسين للسياسات الإسرائيلية العنصرية والاستعمارية المتطرفة. أما نداف صفران القاهري المولد، والأستاذ السابق في جامعة هارفارد الذي كان يقبض مبالغ طائلة من السي أي إيه، فكان من أشدّ الكارهين للعرب والمسلمين وكان صهيونياً في وقت مبكر، قبل عام ١٩٤٨، وكان بالفعل مستوطناً يعيش في كيبوتز في فلسطين في عام ١٩٤٦، وقد شارك في الحرب الصهيونية عام ١٩٤٨ لغزو فلسطين.
أما اليهود المصريون في الولايات المتحدة الذين كتبوا مذكرات عن فترة وجودهم في مصر، فقد شكى أحدهم في مذكراته من روائح المصريين المقززة إثر شرب الحلبة. بالطبع هنالك يهود مصريون آخرون لم يبرزوا كانوا وما زالوا يحبون مصر، ولكن التعميمات الدعائية من هذا القبيل من جانب بضعة صهاينة مصريين من غير اليهود اليوم بأن جميع اليهود المصريين في الولايات المتحدة وفرنسا، على الأقل، إن لم يكن في إسرائيل أيضاً، يحبون مصر والعرب ينافي حقيقة أن الكثير من اليهود المصريين البارزين يعبّرون بصراحة عن مواقفهم المعادية لمصر والمناهضة للعرب في الغرب، فضلاً عن إسرائيل. أما لوسيت لانيادو، وهي يهودية أميركية من أصول مصرية غادرت مصر مع والديها في عام ١٩٦٣، فقد عادت لزيارة مصر بعد عام ٢٠٠٥، وكانت قد نشرت مذكراتها عن طفولتها في مصر. استضيفت لانيادو في مكتبة ديوان في الزمالك لتقدم كتابها إلى جمهور المكتبة، وقد غدت صاحبة المكتبة هند واصف من أصدقائها كما تعلمنا لانيادو في إحدى مقالاتها المنشورة في الولايات المتحدة. وتسهب لانيادو بوصف ترحيب واصف وآخرين بها في القاهرة. في غضون ذلك، تواصل لانيادو تكرار تسويق الدعاية الصهيونية حول صيغة «تبادل السكان» المزعوم، وأساطير صهيونية أخرى. كما تروي لنا كيف أنّ اليهود «أُجبروا على الخروج» من أوطانهم في العالم العربي بينما «فرَّ» الفلسطينيون من إسرائيل. ومنذ قيام الثورة، وعلى الرغم من كرم ضيافة المصريين أثناء زيارتها لمصر، فلم تتوان لانيادو عن كتابة كلام دعائي ضد النظام الجديد، مؤكدةً لقرائها في صحيفة «وول ستريت جورنال» أنّها لن تعود إلى مصر ثانية نتيجة وجود حكومة جديدة من الإخوان المسلمين. ولكن من يدري، ربما ستعود بعد دعوة العريان، على الرغم من أنّ دعوته لا تشمل إلا اليهود المصريين في إسرائيل فقط.
أما بالنسبة إلى نصف المجتمع اليهودي المصري الذي انتهى به المطاف في إسرائيل، فإنّ العديد منهم شاركوا في القتال في الحروب ضد مصر والعرب، وبعضهم يتبوأ مناصب المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، وغالباً ما يظهرون على شاشة قناة الجزيرة ويتحدثون باللهجة المصرية. ومن غير الواضح إذا كان سيدعى هؤلاء أيضاً إلى العودة إلى مصر.
ليس من قبيل الصدفة أن يثير كلام العريان كلّ هذا اللغط. ففي الأشهر القليلة الماضية، واصلت فلول نظام مبارك وليبراليون تسويق الحملات المباركية المعهودة الكارهة للفلسطينيين من خلال الزعم بأن هنالك مخطّطاً لإعطاء سيناء لفلسطينيي غزة. وقد انطلت هذه الشائعات الكاذبة على شخصيات لامعة مثل الخبير الاقتصادي جلال أمين وطني النزعة.
لم ينبس معظم هؤلاء (باستثناء جلال أمين بالطبع) المولولين خوفاً من ضياع سيناء إن سكنها فلسطينيون ببنت شفة لمدة ثلاثة عقود عن حقيقة أنّ سيناء لم تزل ترزح خارج السيادة المصرية نتيجة اتفاقات كامب ديفيد، ولم يكترثوا لما حلّ بأهلها من أهوال خلال هذه الفترة، وهو ما يكشف أجندتهم المشبوهة. إن ظهور اهتمامهم المفاجئ بالدفاع عن سيناء نتيجة قصة خيالية دعائية من أنّ مرسي سيعطي سيناء للفلسطينيين هو أمر يثير الاستهجان. ولا تكاد الشائعات التي تتناول الفلسطينيين تتوقف، ومنها القصة المزعومة بأنّ مرسي يقطع التيار الكهربائي عن المصريين بينما يقدم الطاقة الكهربائية مجاناً لفلسطينيي غزة. تتزامن هذه الشائعات مع السباق المستميت لحكومة مرسي وللمعارضة إلى إرضاء الولايات المتحدة واللوبي الصهيوني. ففي حين تحدث عصام العريان ذاته عن مأساة المحرقة اليهودية أثناء رحلة ترويجية للإخوان المسلمين قام بها للولايات المتحدة في مايو/أيار ٢٠١١، قام محمد البرادعي الذي يفتقر لكلّ مقومات الكاريزما بالادعاء لصحيفة ألمانية أنّه لا يمكن الوثوق بأعضاء الجمعية التأسيسية لكتابة الدستور من السلفيين والإخوان لأنهم، كما يزعم، ينكرون المحرقة! وقد جاءت تصريحات العريان في الآونة الأخيرة عن اليهود المصريين كجزء من هذه الحملة من أجل الاثبات للأميركيين والصهاينة من هو الأجدر بخدمة مصالح الولايات المتحدة والصهيونية على أفضل نحو.
ما يشي به هذا المستوى المؤسف الذي وصلته الثورة المصرية هو مدى نجاح قوى الثورة المضادة في مصر، وكيف أنها تقوم بتقويض المكاسب الثورية وإلهاء المصريين عن التحديات الحقيقية ــ الاقتصادية والاجتماعية والسياسية ــ التي تواجههم.
* أستاذ السياسة والفكر العربي الحديث في جامعة كولومبيا في نيويورك