ربما هي فريدة في كل شيء، ومنذ كانت. هي سوريا... واليوم تقدم أيضاً واحداً من أسرارها التي ليس من السهل سبر أغوارها.اربع سنوات من العنف المجنون والمتوحش، ولم يتغير الكثير. كلّ على موقفه وقناعاته، ويحتمي بحصونه ومتاريسه. مئات الالاف من القتلى والجرحى والمعاقين.
ملايين المهجرين والتائهين على وجوههم في اوحال الزمن الغادر تتقاذفهم اقدام المنظمات الدولية والفاسدين فيها ينهبون قوتهم ودواءهم، وتتطاول عليهم اجهزة الامن وموظفو الامن العام على الحدود والمعابر، ويبتزونهم بأبشع صور الابتزاز والاستهزاء والتطاول. الالاف يندفعون الى الموت طوعاً وحباً ويقتلون، بينما تتشرد عائلاتهم ويتحول اطفالهم الى متسولين في وطنهم وأوطان الغربة ومخيماتها التي هي اقرب الى الزرائب منها الى مساكن للبشر. عديدون يبتلعهم البحر أو يقعون لقمة سائغة في فم تجار الموت والمهربين وتجار الاعضاء البشرية.

غريب أمر سوريا وأزمتها المتحولة إلى احتراب افنائي همجي، فلا المعارضة بأطيافها وتشكيلاتها امتلكت رؤية أو طرحت برنامجاً يحمل وعداً مستقبلياً لتكسب الناس، ولتجعل الموت بحق ومن أجل هدف أو أمل مستقبلي ببديل أفضل. ولا النظام وعدّته غيّر من حاله أو تغيّرت علاقته بالناس، بما في ذلك ناسه، مادته وقاعدته الاجتماعية وجموع المتطوعين أو المجندين المندفعين الى الموت المجاني بلا حساب...
غريب أمر هذا البلد وهذا الشعب. وغريبة قدرته على التحمل وعلى الموت والدمار المجاني بلا هدف... أو بأهداف لا قابلية لها للتحقّق او التجسد.
النظام، برغم الزلزال وما انتجه من تدمير وكل ما فاخر حزب البعث بإنجازه، لم يغيّر ولم يتغير ولا قدّم رؤية للتغير أو مشروعا واقعيا للحل ولا تجرأ على أن يقدم في الممارسة كما في القرار والموقف والخطاب وعداً مستقبلياً للسوريين عموماً ولقاعدته الاجتماعية حصراً. ما زال يصرّ على اعادة انتاج الصيغة ذاتها التي انتجت الأزمة وغذتها وقصرت في استباقها ومعالجتها. وكأن حكم الزمن على سوريا برغم ما شهدته من عمران وتطور وإشاعة العلم والمعرفة ان تصير همجية تدميرية لذاتها ومن اجل التدمير تزج بشبابها وثروتها البشرية في مطحنة الموت المجاني.
والمعارضة التي اندفعت الى القتل والتدمير والموت المجاني بلا افق عملي صرفت تضحياتها اموال في خزائن من احتكر تمثيلها واستولى على قرارها، فحصد نتائجها افراد وفئات محدودة بذخوا في الجاه وحياة الفنادق الفاخرة، وزادت ارصدتهم في البنوك وصاروا مجرد حفنة من اللصوص وتجار الدماء والحروب، فانحسرت الى معارضة شديدة الولاء والمركزية والعقائدية صلبة عدوانية ازاء الاخرين والمخالفين لها في الرأي وصاحبة مشروع واعد بالعودة الى ماض سحيق... وما زال لديها من يموت مجاناً وعلى نحو جنوني.
بل والأغرب كيف يتعامل المجتمع وكيف يتصرف الناس في هذا الواقع وكأنهم يساقون الى الموت برغبتهم وبلا اعتراض أو تأفف.
مئات الالاف من القتلى والجرحى والمعاقين، ونصف المجتمع من اللاجئين، ثمن باهظ اعلى من ان يتحمله بلد بحجم سوريا وقدراتها المادية والبشرية. ولم يتغيّر شيء سوى تفريخ الحروب والفساد وتحكم المفسدين والإفقار وترويج الافكار والممارسات التي تنتمي الى عالم اندثر بثقافته وقوانينه وقواعد تنظيم العلاقة بين الدولة والمجتمع. ويبقى السؤال الشاغل: الى متى؟
الم يحن وقت ان تخبو نار العاصفة... بل ومن اين يأتي المخرج والحل والرؤية؟
والغريب ايضاً في الازمة السورية ان النظام والمعارضة لم يكفا عن طلب العون والتدخل الخارجي والرهان عليه والبحث عن الحلول في جوارير الاخرين، مرّة من طهران وأخرى من موسكو وثالثة من جنيف.
حقاً إنّها مشكلة في الواقع ومشكلة في المستقبل القريب الغائبة قراءته عن الجميع والكل قاعد عن محاولة استشرافه أو التأسيس لصناعته جميلاً ولو بوعد. إذاً هنا الازمة وهنا الحل والخطوة الاولى في طريق الخلاص. كيف نستطيع ان نفهم الجاري؟ وكيف يمكن ان نرصد الواقع على ما هو عليه؟ وكيف نستطيع وضع رؤية برنامجية للخلاص بدءاً بطرح الافكار جريئة جديدة قابلة للحياة وصولاً الى حوار وطني واسع حولها، فتمثل قوة ضغط من اجل فرضها... وإلا فسيتسع سوق الموت المجاني ويطول. وفي الرؤية الوطنية السورية للحل والخروج من المحنة الوطنية العظمى سيكون لنا كلام كثير.
* الأمين العام لحركة الرديف السوري