بالنسبة الى الاعلام العربي السائد، الجزائر في السنوات الماضية تعني أمراً واحداً فقط: عبد العزيز بوتفليقة. وبوتفليقة هو «الرئيس الأبدي»، «المومياء التي تحكم»، «يقود البلاد من كرسيه المتحرك»، الخ... لا يكتفي الاعلام بتحويل قضايا معقّدة واشكالية ومتعددة الأبعاد الى كليشيه معلّب، بل هو يُدهش بقدرته على سجن بلادٍ وهموم شعوب بأكملها ويومياتها ضمن هذا الاختزال الكاريكاتوري؛ حتى صار يحقّ لنا أن نتساءل ــ حين تطالعنا هذه النصوص ـــ عن الهدف من قراءتها، وهل تعلّمنا شيئاً ما؟
هناك شؤون جزائرية تستحقّ أن نعرفها الى جانب الوضع الصحي لبوتفليقة، وأن الجزائر فيها سوناطراك وفساداً – وفي الجزائر، على الأقل، تنفجر «فضائح» فساد بين الفينة والأخرى، ونسمع بها، ويتمّ سجن مسؤولين والغاء عقود؛ ماذا نعرف، في المقابل، عن عقود الطاقة الكبرى في الخليج (ولا داعي لعقد مقارنات مع شخصيات واسلوب حياة باقي القادة والملوك العرب)؟ البلد الذي يمثّل تجربة فريدة، وخرج من محنة قاسية، وهو يواجه مشاكل داخلية واجتماعية عميقة، يستحقّ تواصلاً معرفياً يذهب أبعد من البروباغندا.
يُبرز تقرير لصندوق النقد الدولي صدر في شهر شباط، على سبيل المثال، جانباً مختلفاً تماماً للتجربة الجزائرية، لن تسمع عنه في أوساط الاعلام المهيمن، الذي لا يعنيه الّا انّه غير راضٍ عن النظام وقد جاءته الأوامر بأن يصوب عليه. أعربت المنظمة، اليمينية والمحافظة، عن اعجابها بالتقدّم الاقتصادي الذي حققته الجزائر خلال العقد الماضي، وذلك ليس بمعنى النمو الاسمي، الذي ينتج بسهولة عن ارتفاع أسعار النفط، بل من ناحية نوعية هذا النمو وفعله في المجتمع.
يقول صندوق النقد إن النمو في الجزائر قد تم توجيهه حتى يكون «مناصراً للفقراء»، وأن مكتسبات العقد الماضي «قد أفادت الفقراء أكثر من الأغنياء، مما قلّص اللامساواة». هبط مؤشر اللامساواة من 0.34 عام 2000 الى 0.31 عام 2011 (وهو أقل بكثير في المدن). البطالة انخفضت من أكثر من ثلاثين في المئة عام 2000 الى أقل من عشرة في المئة حالياً، وتضاعف الانفاق على الصحة والتعليم.
هذا في بلدٍ كان أطلق، عام 1994، خطّة قاسية لاعادة الهيكلة على الطريقة النيوليبرالية، تضمّنت صرف ما يقارب النصف مليون موظف حكومي، ثمّ غيّرت الدولة طريقها بعد أن فهمت الكلفة، وأعادت الاعتبار للسياسة الاجتماعية. هذه التطورات، التي تعاكس النزعة السائدة في العالم والمنطقة وتمثل نموذجاً مختلفاً، ألا تستحقّ منّا التفاتاً؟ ألا يمكن لنا أن نتعلّم منها؟
الجزائر أكبر من بوتفليقة. الجزائر قد تكون آخر بلدٍ جميل تبقى لنا، يمكن لعربيّ تقدميّ أن يعيش فيه وهو منسجم مع نفسه. وهو، برغم التحديات، يملك تراثاً اشتراكياً وتاريخ تحرّر وطني يصلح للبناء عليه. بلدٌ لا يحتاج للخارج، بل يملك قدراته الذاتية وموقعاً استراتيجياً وجيشاً وطنياً. ولهذه الأسباب، تحديداً، هم لا يطيقون الجزائر.