عصا جورج جرداق وشماتة وجدي شيا *



تلقيت اتصالاً هاتفياً من صديق طالباً ان التقيه في احد المقاهي ليعرفني الى سيدة موهوبة على امل السعي الى خدمتها في موضوع حساس! وكان الطلب ملحاً إلى درجة اضطررت فيها ترك مكان عملي والتوجه الى المكان المتفق عليه لانقاذ حياة هذه الأنثى الموهوبة من الموت المحتم ومستقبلها الفني الواعد من الفشل ورحلة ابداعها من الضياع. وقالها الصديق بصراحة: «ان عذاب الضمير سوف يلاحقني طوال حياتي» في ما لو تخلّفت عن الموعد المتفق عليه!

دخلت المقهى ورأيت صديقي يجلس الى جانب مومياء من نوعِ «حدِّث ولا حرَج». شفتان كالتابوت، وأنف كأنف «عمرو» في قصيدة ابن الرومي الذي قال فيها: «وأذى خشامه من يضم المجلس»، وأسنان مبعثرة لا تُفرِقُ فيها الناب عن الباب في فمٍ بمساحة سهل البقاع، وعينان غائرتان في ميدان الوجه المبلطح المكبوس على الملزمة الصناعية، كأنهما أوتاد أرضية لربط هذه المخلوقة خوفاً من أن تؤذي أحدا كلما إنتابتها نوبة فنية.
«قل أعوذ برب الناس ملك الناس من شر الوسواس الخناس الذي يوسوس في صدور الناس من الجنةِ والناس». إنها أول فكرة غزت خاطري وقد قرأت أن النطق بهذه التعويذة يحميني من ملوك الجان ومخلوقات الكواكب الأخرى. وما أضناني أن صديقي لم يرضَ إلا أن يُجلسني إلى يمينها، ما إضطرها إلى التنحي جانباً للإفساح في المجال لقفاي أن تستكين بعد الصدمة التي ألمت بجوارحي لما رأيتها. تنحّت جانباً فماجت الأرض تحتها حتى خلت أن هزة أرضية بمقياس «ستة ريختر» قد ضربت أرض المقهى. ونظرت إلى اليد التي امتدت لمصافحتي وكل ما يقلقني كيفية إسترجاع كفي إلى جيبي آمنة، فيما لو قررت هذه المخلوقة إقتلاع يدي من كتفي والاحتفاظ بها كذكرى تقديراً للخدمة الكبيرة التي سوف اقدمها لها.
قال صديقي: «إنها مغنية رائعة وتريدك أن تعرفها بجورج جرداق لكي يكتب لها، وبوجدي شيا لكي يلحن». سمعت هذا الكلام وسرت في جسدي قشعريرة لا مثيل لها لدقة هذا الطلب الذي قد يحرمني صديقين عزيزين يثقان برأيي وبحدسي وبخفة دمي. فإذا بي أبدو ثقيلاً مغفلاً مهبولاً لا أعرف رأسي من كعبي، خاصة عندما طلبتُ إليها أن تصدح بموالٍ إهتزت له ملوك الغاب لما فيه من رهبةٍ، كأنه إنفجار قنبلة نووية في علبة «طون». ذُعرت له الناس وقفزت عند سماعه عظام المغنية «وحيد» من قبرها، وهي التي قال فيها ابن الرومي: «تتغنى كأنها لا تغني من سكون الأوصال وهي تُجيدُ»... أما هذه المخلوقة فغنت وأرعبت كل من حولها عندما أطلقت بوقها كمن يدعو الناس للسير في يوم الحشر.
غادرت المقهى من الباب الخلفي متحججاً بتلبُكٍ في معدتي، شاكراً ربي انه لم يخضعني لهذه التجربة ولم يدفعني الى دندلة أصدقائي في هذا المشروع النووي، كما لأنه أنقذني من عصا جورج جرداق على نافوخي ومن شماتة وجدي شيا في الدنيا وفي الأخرة.
سليم حمادة
* مهداة الى روحي الصديقين وجدي شيا وجورج جرداق. من كتاب «صياح على الورق»


من سبب المؤامرة؟

إن المؤامرة على سوريا، أميركية صهيونية، وأدوات تنفيذها هي الحركات التكفيرية الوهابية، والوهابيون هم من صبغة بريطانية، وقد قاتلوا بين عامي 1799 و1800 إلى جانب نابوليون بونابرت في غزوه لمصر وبلاد الشام. وفي مصر، في العام 1945، قتل المحامي محمود العيساوي المنتسب للإخوان المسلمين، وهم أصحاب فكر تكفيري شهير، رئيس الوزراء الأسبق أحمد ماهر باشا، وهو من كبار المناضلين ضد الاستعمار البريطاني وعملائه. الحركات التكفيرية تلتقي مع الإمبريالية في محاربة كل من يتوق في الوطن العربي إلى بناء نظام سياسي عصري علماني في وطنه، فالبناء على هذه الشاكلة، يضعف مداميك الكيان الغاصب، لذا كانت دعوات هنري كيسنجر وزبغينيو بريجنسكي وبرنار لويس إلى تقسيم الدول العربية. كثيرون قالوا لو أن الرئيس بشار الأسد منح تراخيص للأحزاب السلفية والإخوان لما كانت المؤامرة! والبعض قال: لو كان الحزبان الشيوعي والقومي يتمتعان ضمن الجبهة التقدمية بالنفوذ عينه الذي يتمتع به حزب البعث، لما ولدت المؤامرة! لكن أليس الشيوعيون والقوميون بنظر التكفيريين أعداء الأديان، وقتل كوادرهم ومناصريهم واجباً إلهياً مقدساً؟ وهل ستوقف أميركا مؤامراتها على سوريا إذا تمتع القوميون والشيوعيون بنفس القوة والصلاحيات التي يتمتع بها حزب البعث الحاكم؟! وفي لبنان لو كانت المقاومة اليوم تضم عدة أحزاب، هل كانت أميركا ستمتنع مع حلفائها عن المطالبة بنزع سلاحها؟! المؤلم والمضحك في الوقت عينه، جملة لشخصية حزبية يسارية، في عيد حزبها، تدعو إلى حوار بين الدولة السورية والمعارضة الديمقراطية لإخراج سوريا من أزمتها، لأن الحسم العسكري سيطول لسنوات، وما من انتصار لأحد! المعارضة الديمقراطية لا تمتلك طلقة كلاشنيكوف، والحوار بهدف الانقاذ يكون عادة بين طرفي قتال. وبما أن التكفيريين مصابون باختلالات نفسية وعقلية مزمنة، فالحوار لا يمكن أن يحيا في قاموسهم، لذا لا حلّ أمام النظام في سوريا، إلا باحراق الأخضر واليابس. من هنا، فإن حماة الديار ماضون في تحرير سوريا وفق تكتيكات القائد الشيوعي الخالد جوزيف ستالين، التي ولدت في مهود ستالينغراد ولينينغراد. ونتوقع أن تحكم سوريا مستقبلاً جبهة تقدمية تتمتع أحزابها بنفس درجة القوة والنفوذ وتستفيد من الخبرات السياسية لحزب البعث. والمطلوب الآن التسلح بالوعي، لأن المحلل الأميركي الشهير وليم انغدال، أفاد بأن الربيع العربي خطط له في وزارتي الدفاع والخارجية الأميركيتين، وهدفه تمكين حلف شمال الأطلسي من تعميق سيطرته على احتياطات النفط في العالم العربي، إضافة إلى تقسيم الأقطار العربية إلى دويلات طائفية، ومقولة كارتر الخطيرة، لو أن الله أزاح النفط قليلاً عن العالم العربي، لكان ذلك أسهل لنا! لا تزال سارية المفعول.
ريمون ميشال هنود