استنتج البعض، من نتائج الانتخابات التونسية، أن الجماهير العربية في أكثر من بلد صار خيارها محصوراً بين جناحين يمينيّين: اليمين الذي يمثّله النظام الحاكم، واليمين الاسلامي. البعض الآخر جزم بأن الفالق السياسي الذي تدور حوله المواجهة الانتخابية والمجتمعية في منطقتنا هو بين «الاسلاميين» و»العلمانيين»، وأن ما يجري في تونس ومصر وغيرها اليوم ما هو الا تمظهراً لهذا الصراع.
هذه استنتاجات من يأخذ الانتخابات ومغزاها الى ما هو أبعد من دورها الاجرائي، ويتخيّلها مرآةً للمجتمع، كأنّما هي منصّة يقف عليها «الشعب» ويطرح ما في باله، وأن القضايا التي تدور حولها المنافسة الانتخابية تعكس هواجس الناس وهمومهم (في الانتخابات الاميركية عام 2004، كانت احدى أهم القضايا «الاشكالية» التي قررت مصير الانتخابات تتعلق بما اذا كان جون كيري قد كذب في توصيف خدمته العسكرية في فييتنام).
هزيمة القوى اليسارية والمستقلة، والتي كانت فعليا من حرّك الثورة في تونس وقادها - مرتين - لا يجب أن يكون مدعاة للاحباط أو الاستغراب، بل هي مجرّد دليل جديد على طبيعة العملية الانتخابية، وأن الأصوات لا تذهب الى من يرفع شعاراً جميلاً، بل الى من يملك قوةً فعلية على الأرض: مصالح تجارية، مؤسسات، نخب، اعلام وقدرة على الحشد والدعاية - أي بمعنى آخر، المال والسلطة الاجتماعية (وفي حالة بلادنا، يُضاف شرط الدعم الخارجي).
أوّل مبادىء الديمقراطية الانتخابية هي انّها نظامٌ لتبادل الحكم سلمياً بين النخب، وليست جسراً لخلق نخبٍ جديدة أو لاقصاء واضعاف تلك الموجودة والمهيمنة. هكذا، فازت لائحة رجل أعمال كسليم الرياحي، لا يملك أي حيثية سياسية ولكنّه أثرى أثرياء تونس، بعددٍ من المقاعد يفوق تلك التي حازتها «قوى الثورة» مجتمعة – فالطريق الانتخابي مفتوحٌ دوماً لأمثال رفيق الحريري، في كل مكان، ولا يهم هنا أن يكون تراثك نظيفاً وساطعاً أو أن تكون وزيراً سابقاً لدى بن علي.
الأمثولة الأساس هي أنّ القطبين اللذين يتنازعان البرلمان في تونس («علمانيون» و»اسلاميون») لا يختلفان على أيّ من المسائل الأساسية التي تتعلق بإدارة البلاد، كالنظام الاقتصادي، وتوزيع الثروة، ودور الدولة، ولا حتى في ما يتعلق بالعلاقات الخارجية والموقف من النظام الدولي. هنا «المعارضة» و»الحكم» هي جزءٌ من نظام واحد، ويجب أن نتوقّع أن تظهر فيه الأزمات نفسها التي أدّت الى الإطاحة ببن علي أصلاً – الّا اذا افترضنا أن الثورة كانت مجرّد «هبة» مؤقتة، أو أن التونسيين قد ناضلوا وضحّوا فقط حتى يتمكنوا من اسقاط ورقة في صندوق.
3 تعليق
التعليقات
-
فكرة أن نداء تونس هو حزب تجمعي خاطئةأولا نداء تونس هو خليط من المناضلين واليساريين والمستقلين والنقابيين والدساترة والكثير من النخبة المثقفة وبذكاء من رئيس هذا الحزب قاموا باستغلال قواعد التجمع للإطاحة بحزب النهضة الموجود خاصة في الأحياء الشعبية وإستعمال فكرة أن الدين مهدد بوجود احزاب يسارية أو 'علمانية' وبالمناسبة أن أعضاء النهضة فالمجلس التأسيسي هم الذين صوتوا ضد قانون العزل الذي يتضمن حرمان التجموعيين من المشاركة فالحياة السياسية. يعني أن فكرة أن نداء تونس هو حزب تجمعي خاطئة وخاصة أن هناك حزب المبادرة والحركة الدستورية وهي احزاب متكونة من قياديين في حزب التجمع الديمقراطي المنحل الذين لم يتحصلوا إلى على نسبة صفر فاصل.
-
الدرس المستفاد على اليسار انالدرس المستفاد على اليسار ان يقوي نفوذه على الارض ان اراد ان يكون له دور في مستقبل تونس السياسي
-
بحسب رأيي المتواضع، قيام نداءبحسب رأيي المتواضع، قيام نداء تونس بالمستقبل القريب بمنع أفراد من مواطنيها من الدخول الى سوريا للمشاركه في تدميرها ومعاقبة من شارك بذلك، وإعادة فتح السفارات، ومنع عقد مؤتمرات أعداء سوريا في أراضيها هو الذي سيحدد مدى إختلافها عن حركة النهضه وسنحترمها إن فعلت ذلك فلولاً كانت أو لم تكن. وطنية أي نظام حكم في أمتنا العربيه اليوم يقاس بحسب موقفه من النظام السوري الصامد، الدوله العربيه السوريه العظيمه، والجيش العربي السوري الباسل. لهذا، طبعاً، يوجد لدينا ما دون الصفر أنظمة حكم وطنيه. الهجمات الإستعماريه علينا من داخل وخارج الأمه العربيه خلّتنا نخفض سقف التوقعات والمطالب وكإنه للأسف موضوع توزيع الثروات اليوم اصبح شيئاً ثانوياً.