سيرغي ستيباشين *الى رئيس الولايات المتحدة الأميركية باراك حسين أوباما

أتوجّه إليك كونك حصلت على جائزة نوبل للسلام عام 2009 لـ «الجهود الاستثنائية في تعزيز الدبلوماسية الدولية والتعاون بين الشعوب».
انني رئيس «الجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية الإمبراطورية»، أقدم منظمة غير حكومية في روسيا، هدفت، خلال 132 عاماً، إلى تعزيز علاقات الصداقة بين سكان الشرق الأوسط وتنظيم البعثات الإنسانية في هذه المنطقة (الرجاء عدم الخلط مع التدخلات الإنسانية).

في الاول من ايلول من هذا العام زرت الأراضي المقدسة وبيت لحم، وطن المخلّص، لافتتاح المدرسة الثانوية الروسية التي بناها الاتحاد الروسي. عقدنا اجتماعا مع رئيس الدولة الفلسطينية السيد محمود عباس، والتقيت مواطنين فلسطينيين منهكين من العدوان الإسرائيلي في غزة. كما التقيت اسرائيليين. وقبل ذلك، زرت سوريا لغرض الدعم الإنساني وتحدثت مع الرئيس بشار الأسد. وخلال زيارتي للفاتيكان ناقشت والبابا فرانسيس الحلول للأزمة السورية والوضع الإنساني في المنطقة.
ان عملي في الشأن العام منحني تجربة فريدة من نوعها للتواصل مع قادة الشرق الأوسط، فضلا عن لقاء السكان المحليين، والزعماء الروحيين وممثلي الطوائف والمعتقدات والآراء. لذلك فإنني أعبر عن تطلعات كثيرين ممن يعيشون في أرض تجمع الديانات العالمية الثلاث، وقد تحولت اليوم كرة نار عملاقة. وكل ذلك بمباركتك الشخصية.
إبادة جماعية ضد المسيحيين في الشرق الأوسط بسبب فشل السياسة الخارجية الأميركية



يسأل كثيرون: لماذا تخلق الولايات المتحدة مناطق أزمات جديدة في الشرق الأوسط ومناطق أخرى؟ لماذا تخرب السلام الدولي والنظام الأمني؟ لماذا تفرض ما يسمى «الحق الحصري» من أجل السيطرة والهيمنة في العالم؟ ألهبت الولايات المتحدة سياسياً نصف العالم تحت شعار الدفاع عن المصالح الوطنية، في ما يسمى اليوم «الفوضى المسيطر عليها». الا ان هذه الفوضى تقود في النهاية إلى انعدام الاستقرار الخطير في المنطقة، ويحوّلها إلى أتون يغلي، وحصن للإرهاب الدولي، وساحة حروب أهلية متعددة الأعراق والطوائف، مما يهدد ليس منطقة الشرق الأوسط فحسب، ولكن أوروبا وروسيا أيضاً.
آسف للقول إنك تذكّرني بطفل فشل في درس الكيمياء اليوم، وبالصدفة أخفق في اختيار أنابيب الخلط في الاختبار، وأثار رد فعل كيميائياً خطيراً. الاعصار الشديد الناتج عن الربيع العربي كشف الوجه الحقيقي للديمقراطية الأميركية التي ولّدت إسلاماً راديكالياً متطرفاً، وانتصاراً للإرهاب الدولي، في نهاية المطاف، انزلاقاً نحو السيناريو العالمي المروّع. قبل كل شيء، انه الخطر الحقيقي على بلدك، سيدي الرئيس. الوحشية في اعدام الصحافي الأميركي فولي وزملائه هو انتقام من الولايات المتحدة، وهو في الوقت نفسه دليل على خيبة الآمال ازاء فشل بلدكم أمام الإرهاب الدولي. مما يثبت أيضا أنك زرعت البذور لهجمات إرهابية مروعة في المستقبل.
في هذا الصدد، كثيرون يسألون: لماذا قمت برعاية «القاعدة» ومقاتليها الذين خرّبوا الحياة في الولايات المتحدة في 11 سبتمبر 2001؟ لماذا طلبت من الكونغرس الأميركي مؤخرا 500 مليار دولار اميركي إضافية لدعم الإرهاب السوري؟ لماذا التقيت أحمد الجربا وقدمت لهذا المجرم ما يقرب من 300 مليار دولار؟ هل أدركت في أي وقت أنك كنت شخصياً تشجع الديكتاتوريات الجهادية الجديدة؟
لقد واجهت شخصياً وحشية الإرهاب أثناء خدمتي الرسمية لبلدي في وقت الحملة الشيشانية عام 1990، عندما كنت أتفاوض مع القادة المجرمين. وأدرك تماما أي نمور قاتلة تلعب معها. «الدولة الإسلامية في العراق والشام» التي أعلنت دولة الخلافة، هي المسؤولة عن سفك الدماء في العراق وسوريا وتسيطر على ثلث أراضيهما. وغداً ستقوم بتفجير ناطحات السحاب الأميركية وقتل «خائن» في بلدان أخرى. الكيد دائما يعود أقوى.
على الرغم من كل هذا لا زلت تقول: «الدكتاتور الأسد يجب ان يستقيل!». يثبت التاريخ الحديث أن هذا القائد الذكي رفض كل حجج الهستيريا الأميركية مثبتا ليس قيادة وطنية حقيقية فحسب ولكن، في نهاية المطاف، أصبح رئيسا أعيد انتخابه من قبل غالبية المواطنين السوريين.
لأكثر من ثلاث سنوات واجه الرئيس الأسد ببطولة موجة من الإرهاب الدولي الذي تتم عسكرته وتمويله من قبلكم، سيد أوباما، ومستشاري وكالة الاستخبارات المركزية ومجموعة من البلدان المعروفة. بالمناسبة، عندما قمت وحلفائك في الاتحاد الأوروبي بفرض عقوبات ضد سوريا، هل كنت على بينة عن حرمان الأطفال السوريين الأبرياء من أغذية الأطفال؟ أرسلت الجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية الروسية العام الماضي 10 ارساليات من المساعدات الاجتماعية إلى الأطفال السوريين.
ما من وسيلة للانتصار على الأسد. فهو لن يتخلى عن بلده وشعبه. أثبتت القوات المسلحة السورية المعنويات القوية والخبرة لمعارضة الإرهاب الدولي في ظروف من المخاطر العالية، بالرغم من جهودكم المنتظمة لتحويل سوريا الى منصة اختبار عسكرية لتدريب جيل جديد من الجهاديين، بخبرة عسكرية حديثة، وانعدام القيم باستثناء السلاح.
اليوم سمحت للكشافة الجوية الأميركية بالتدخل في السماء السورية لجمع المعلومات عن ارهابيي «الدولة الإسلامية». في غياب الاذن السوري ينبغي التعامل مع هذه الحالة على انها اعتداء وانتهاك لدولة ذات سيادة. هذا واضح جدا بالنسبة لي أنه في حال اتخذت الولايات المتحدة القرار بقصف الإرهابيين في الأراضي السورية، وهذا سيؤدي إلى قصف القوات الحكومية أيضا، على الرغم من النوايا الحكومية للتعاون مع المجتمع الدولي في مكافحة الإرهاب.
هذه الأيام تهدد بفرض عقوبات جديدة ضد روسيا مستخلصا أن موسكو هي المسؤولة عن العنف في جنوب شرق أوكرانيا وهي تقوم بعسكرة وتمويل وتدريب المقاتلين، وان القوات المسلحة الروسية موجودة في جنوب شرق أوكرانيا. هذه هي تكنولوجيا الدعاية المعتادة بالنسبة اليك. تذهب الى الافتراءات والتزوير لتبرير حملات غير قانونية وتغيير الانظمة، وذلك باستخدام القوة العسكرية ضد الدول ذات السيادة (...) قمت بدعم مباشر للنازية الأوكرانية الجديدة من حيث التمويل، وتوفير التدريب والعسكرة، في حين انهم يقصفون المواطنين المسالمين، والمستشفيات، والكنائس.
من الواضح أنك تقوم بإعداد الأرض للاقتراب من نقطة رئيسية: «بوتين يجب ان يستقيل»، «روسيا إلى العزلة الدولية». روسيا بالنسبة اليك هي فقط «قوة إقليمية، تهدد جيرانها لكونهم ضعفاء». ربما أنت غير متآلف مع الروس وعمق «الروح الوطنية الروسية القوية» التي لا ينفع معها فرض المخاوف أو محاولة الخنق. ان بيانكم الأخير في استونيا أدى الى مواقف شديدة التفاعل في روسيا، عند مقارنة الروس مع النازية في الحرب العالمية الثانية، اتهمت روسيا بمحاولة استعادة الأراضي التي فقدتها في القرن التاسع عشر. كاشفاً بذلك عن عدم كفاءتك في التاريخ ونتائج الحرب العالمية الثانية والدروس المستفادة. سيدي الرئيس، يجب أن تخجل، كونك رئيساً لدولة عضو في قوات التحالف المناهض لهتلر، من هذه الكلمات التي أساءت الى كل الشعب الروسي، ودنست الذاكرة المقدسة للجنود السوفييت الذين فقدوا حياتهم لإنقاذ أوروبا من الفاشية، وتجاهلت ذاكرة الجنود الأميركيين المقاتلين ضد الفاشية.
بعد كل شيء، وأفترض أن بيان التدنيس الخاص بك ناتج عن جرح كبريائك، بعد ان قام الرئيس بوتين علنا بحفظ سمعتك بتقديم المبادرة الدولية لمراقبة الأسلحة الكيميائية في سوريا. اليوم ألقى الرئيس الروسي خطة السلام في أوكرانيا. لن تقبل علناً فقدان وجهك مرة أخرى، لذلك تسمي الروس بــ «المعتدين».
من الواضح ان السياسة الدولية الاميركية قد فشلت تماماً. فبلادك تذهب إلى طريق مسدود مع حلف شمال الاطلسي، وربما لن يكون القرار أفضل مع الاتحاد الاوروبي. العديد من الأميركيين والأوروبيين ضد سياستكم الموجهة نحو «أيديولوجية الحرب الباردة» وعزل روسيا.
أود أيضا أن أتطرق إلى موضوع حساس جداً. يقول ممثلو البيت الأبيض إنك، كمسيحي، تصلي، وغالبا ما تثير قضايا الضرورة للدفاع عن القيم المسيحية. فلماذا تتجاهل مصير شهداء المسيحية في الشرق الأوسط؟ محكوم على المسيحيين بالموت، يعانون من الشراسة، وغياب الانسانية والعنف غير المسبوق من المتطرفين الإسلاميين الذين يعدمون الناس علنا، ويدمرون منازلهم وكنائسهم. إبادة جماعية هائلة ضد المسيحيين مستمرة حاليا في الشرق الأوسط. لأسباب كثيرة ،يحدث ذلك بسبب فشل السياسة الخارجية الأميركية في هذه المنطقة.
السيد الرئيس، لقد تطرقت فقط الى بعض الحقائق المتاحة للجمهور، وأثرت تساؤلات لديهم. باعتباري رئيساً لمنظمة معروفة غير حكومية في روسيا، اود الحصول على اجابة عن القضايا المذكورة أعلاه، علّك تعالجها بطريقة تتسم بالشفافية وتتبادل الرسالة مع الشعب الروسي والمجتمع الدولي.
أما النقطة النهائية. فأعتقد أنك يجب أن ترفض جائزة نوبل للسلام لأنه، بين يديك، تفقد هذه الجائزة قيمتها العالية. جائزة السلام لا ينبغي أن تذهب إلى «عراب الحرب الباردة الجديدة». وهناك الكثير من المواطنين الأميركيين اليوم يعتقدون بأنك أسوأ رئيس للولايات المتحدة، يقود أميركا إلى العار. وأنا أوافقهم تماماً.
* رئيس «الجمعية الفلسطينية الأرثوذكسية الروسية».
رئيس وزراء روسيا (1999).
وزير الشؤون الداخلية (1998).
وزير العدل (1997).
مدير جهاز الأمن الفيدرالي (1994-1995).