توجد قاعدة شهيرة أرساها الرئيس السابق لشركة «لوكهيد» الأميركية، نورمان أوغستن، تقول بأّن آخر عشرة بالمئة من الأداء في منظومات التسليح مسؤولة عن ثلث الكلفة الاجمالية وثلثي المشاكل. العقيدة الأميركية في تصميم السلاح تقوم على السعي وراء هذه «العشرة بالمئة» الإضافية التي تمثّل عنصر التفوّق النوعي على باقي جيوش العالم. ثلاثة أسباب تقف خلف هذه الفلسفة: أوّلاً، لأنّ أميركا تملك الأفضلية التكنولوجية، وهي الأقدر على إنتاج تقنيات جديدة؛ ثانياً، لأنّ الإمكانات المادية للاقتصاد الأميركي هائلة؛ وثالثاً، لأن الولايات المتحدة لا تخطّط لحروب دفاعية سهلة، بل لإرسال مجموعات قتالية إلى مناطق قاصية من العالم في مهمات هجومية.
حين يصدّر السّلاح الأميركي الى بلدانٍ أجنبية، فإنّ السّعر يتضاعف، وفعالية السلاح تقلّ، ولا يوجد في العالم الّا جيوشٌ معدودة تملك البنية التقنية لصيانة سلاح بتعقيد المعدّات الأميركية. لهذا السّبب، نجد أنّ أغلب الدّول الثريّة التي تشتري من أميركا، ككوريا واليابان، تسعى إلى توطين التكنولوجيا وإنتاجها بنفسها، هرباً من الكلفة القاتلة، أو تقتني جيوشاً صغيرة مصمّمة كي تعمل ضمن منظومة الناتو.
أمّا في العالم الثالث، فإنّ هذه المعادلة تنتج حالات كاريكاتورية: مجلّة «نيوزويك» سخرت هذا الأسبوع، في تحقيقٍ لها، من مستوى أداء الجيش السّعودي - صاحب رابع أكبر ميزانية في العالم - ناقلة نكتة يتداولها الخبراء الأميركيون في البلد تقول إنّ الطائرة الوحيدة التي يستطيع السعوديون إبقاءها في الجوّ، هي تلك المرفوعة على منصة لتزيّن مدخل القاعدة.
منذ انسحاب الجيش الأميركي من العراق، لم يعقد البلد صفقة سلاح واحدة مع أميركا (باستثناء شراء طائرة استطلاع بمراوح)، فالتجربة القصيرة كانت مؤلمة وكافية. حتّى دبابات «ابرامز» التي بدا ثمنها الابتدائي معقولاً، تبيّن أنّ سعرها المعلن لم يكن الّا «فخّاً» يخفي خلفه عقود صيانةٍ فلكيّة، والدبابات الأميركيّة يظلّ أكثر من نصفها في الصيانة بشكلٍ دائم، فمعدّاتها الحسّاسة لا تسمح لها بأن تُعامل كدبابات «تي-72» السورية، التي تضربها عدّة عبوات وقذائف، فتستمرّ في القتال لأيّام إضافية قبل أن تُرسل لورش التصليح. هناك أخبارٌ تقول بأنّ العراق قد تراجع عن شراء حوّامات «الأباتشي»، وهو لن يشتري طائرات «اف-16» إلا اضطراراً، فأميركا قد قبضت المال منذ سنوات، وهي اليوم ترفض تسليم طليعة هذه الطائرات قبل أن يدفع العراق مليار دولارٍ إضافي بدل عقود الصيانة.
للدلالة على فارق التكلفة، يكفي عرض المفارقة الآتية: أيّام الاحتلال الأميركي، دفع العراق نحو أربعة مليارات دولار ثمن 36 طائرة اف-16؛ وبعد سنوات، وقّع عقداً مع روسيا بالقيمة نفسها يتضمن المعدّات الآتية: عشرات الحوّامات الهجومية، مئات الدبابات (ت-90)، مئات العربات المدرّعة الحديثة (بي ام بي-3)، أربعين إلى خمسين نظام دفاع جوي حديث، آلاف الصواريخ المضادة للدروع، آلاف البنادق المخصصة للقنص، وأمورٌ أخرى.