لا أحد يستطيع القطع أو الجزم بنوع الحدث الذي دفع القيادة السعودية الى استعجال طلب قدوم مساعد وزير الخارجية الايراني أمير عبداللهيان الى الرياض، رغم أن الطلب موضوع على طاولة العاهل السعودي لأسابيع طويلة من دون بتّ. هل هو خطر داعش الداهم الذي يقترب من بيت العائلة المالكة ما قد يهدد ليس فقط أمن المملكة بل ويدفع بصراع الأجنحة الى أوجه؟أم هو اقتراب أنصار الله (الحوثيين) بعد تحالفهم الموسع مع قوى وطنية وشعبية وقبائلية يمنية يكاد يطبق على حكومة صنعاء ويسقطها أرضاً ويقطع أنفاس أصحاب المبادرة الخليجية التي تقف وراءها؟
أم أن الراعي الأميركي لمعسكر «الاعتدال العربي» بات في ضيق شديد من كثرة تعثر الرياض وترددها في اللحاق بالمدرسة «الأوبامية» البراغماتية جداً مع «ضلع مثلث الشر» الإيراني؟
أم أن التنافس القطري ـــ السعودي وتضعضع البيت الخليجي على خلفية انقسامات الرأي حول طريقة التعامل مع ملفات المنطقة الساخنة جعلا الرياض مكرهة على اختيار أهون الشرين، بعدما وصلت القطيعة مع الدوحة إلى محطة اللاعودة؟

لا يتوقف أحد كثيراً عند الاعلان المتكرر بين الفينة والأخرى عن أن الأمر الأخير هذا قد سوّي، وأن الامور عادت بين الدوحة وزميلاتها في مجلس التعاون الى طبيعتها، لأن الجميع أخذ علماً بأن هذا الاعلان ليس أكثر من مجرد «اسبيرين»، الهدف منه تسكين التداعيات الموجعة للخلاف العميق.
أياً تكن الاسباب، فالأوامر «الهمايونية» المستعجلة المرسلة إلى الأمير «العصبي المزاج»، على حد تعبير سفير خليجي لعبت بلاده دور الوساطة طويلاً بين الرياض وطهران، كانت وراء قبول الوزير سعود الفيصل استقبال عبداللهيان في بيته، علامة على تكريم خاص.
رسائل شفهية كثيرة كانت في هذه الأثناء قد وصلت إلى الملك السعودي ومن قنوات عديدة تفيد بأن الايرانيين يمتلكون وثائق دامغة تدين الأمير بندر بن سلطان بضلوعه في تفجيرات السفارة الايرانية في بيروت، وكذلك الملحقية الثقافية، ونشاطات إرهابية أخرى كانت تعدّ لما هو أخطر، بعث بها الإيرانيون الى قمة الهرم في الرياض مع توصية وشرح وتوضيح بأن القادم من الايام يحمل مخاطر كبيرة على الجميع، وعليه لا بد من قبول النصيحة الآتية:
علينا جميعاً ألا نطيل النظر في مرآة السيارة الأمامية، لأن ذلك وإن كان القليل منه ضرورياً، إلا أن «التسمّر» أمامها قد يجعلنا نفقد قدرتنا على النظر إلى ما هو أمامنا، سواء كان من أخطار أو فرص متاحة للحاق بفرص سباق جيدة لكل سائق ماهر، على حدّ تعبير مصدر مطلع على مجريات الشد والجذب في رحلة الشتاء والصيف السعودية الايرانية.
كل الملفات حضرت، ولكنها على «يخت» العلاقات الثنائية، كما تقول مصادر مطلعة على لقاء المسؤول الإيراني الرفيع مع الامير السعودي الذي كان حريصاً على أن يظهر بأنه الوحيد المسؤول عن ملف إيران وأنه يريد إيصاله الى شاطئ التصالح والأمن والأمان ما دام هو على قيد الحياة، وأنه أخيراً قد يقبل بالتجديد والتغيير في بعض القراءات لملفات المنطقة ما دام قد ظهر عدو مشترك لطهران والرياض معاً.

سوريا قد تكون
بوابة فتح قفل التغيير والتحول من مشهد إلى آخر

اتفق الطرفان على آليات التواصل وسبل التقدم بخطوات تصاعدية تفضي الى محطات جديدة تبدأ بلقاء الوزيرين في الرياض ومن ثم الانتقال الى طهران، وبعدها قد يتوّج الامر بما هو أعلى من ذلك إذا سارت أمور الثنائي والمحيط كما يشتهي ربان سفينة العائلة الذي يبدو أنه يشعر، على حد ما سمع الضيف المكرم، وكأن البحار تموج وترتج من حوله.
الوسيط الكويتي يرى في العراق مفتاحاً. ووسطاء آخرون يرون في خطر داعش جامعاً. ومراقبون متابعون ومهتمون يرون في اليمن همّاً جامعاً مانعاً. نعم سوريا قد تكون بوابة فتح قفل التغيير والتحول من مشهد الى آخر.
لبنان آخر المحطات التي لن تكون سهلة أبداً رغم كونها الحلقة الأضعف في الجسم العربي الرسمي. أما فلسطين فهي السهل الممتنع دوماً. ما أسهل التوافق عليها قضية مركزية جامعة، وما أبعد المسافات بين رؤية وأخرى.
أما «الشيطان الأكبر» فهو الحاضر الغائب المشوق المانع والمخاتل اللاسع والمراوغ القاطع، يقول شيئاً هنا وآخر هناك، يبيع ويشتري بأحد ملفات المنطقة أكثر من مئة مرة، من دون أن يسلم البضاعة ولا مرة واحدة.
حائك السجاد الايراني يعي ذلك تماماً، لذلك تراه يفصل بوضوح بين ملف علاقاته مع هذا المراوغ الذي يتعامل معه لأجل إتمام الحجة معه ليس أكثر، وهو العارف بأنه سيمزق المواثيق في أول فرصة، وملفات جيران يعتبرهم أبديين ولا يجوز النكث بالعهود معهم، شرط أن يقرروا الإقلاع بيختهم، من دون حماية سفينة أميركية شريرة يعرفون أن عينها على شيطان صغير هي من أرضعته ولا تزال تغذيه على حساب سكان الأرض وأصحاب الحق الأصليين.
بين «الخوف والرجاء»، يعيش أمراء منطقة المياه الدافئة في الضفة الجنوبية من بحيرة الإخاء العربي الإيراني وهم ينظرون الى الراعي الأكبر لسياساتهم الاقليمية والدولية. أهي الحرب المقبلة أم التسوية وعالم الصفقات؟
هذا فيما يتعاطى جارهم الشمالي على الطرف الآخر من هذه البحيرة في السلم كما في الحرب بعلم اليقين وعيونهم الأربعة مفتحة باتجاه ما وراء البحار. عيون لم يألفها كبيرهم الذي علمهم السحر، عقيدة وعزيمة وعلماً وعقلاً.
* أمين عام منتدى الحوار العربي الإيراني