واضحٌ كان الاعتداء الإرهابي على الجيش اللبناني في عرسال، في مخطط يعد له المسلحون منذ عامين. هم اتخذوا من منطقة عرسال البقاعية رهينة لتنفيذ مخططاتهم الإرهابية ضد الدولة اللبنانية، تمهيداً لاستكمال مشروعهم المتمثل بإقامة إمارة إرهابية ممتدة من العراق فسوريا ولبنان.
أولاً، انتهاك للسيادة الوطنية: عدوان وإرهاب
هذا المخطط الذي قد يحول منطقة البقاع إلى شرارة حرب لبنانية، أُخذت عرسال فيه رهينةً لتحويلها إلى موصل جديدة تحقق للتكفيريين أحلامهم. وكان استهداف الجيش اللبناني أول شرارات هذا المخطط، عبر ضرب المواقع العسكرية وأسر رجال الأمن.
وما قام به المسلحون في المنطقة منذ بدء الحرب السورية، وصولاً إلى التمدد داخل عرسال والاعتداء على الجيش اللبناني، هو خرق فادح لسيادة الدولة اللبنانية، التي يؤكد عليها ميثاق الأمم المتحدة في المادة الثانية منه وقرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة وإعلاناتها، إذ نص القرار 2131 كانون الأول 1965 على «إعلان عدم جواز التدخل في الشؤون الداخلية للدول، وحماية استقلالها وسيادتها».

يفترض مفهوم
حق الدفاع عن النفس وجود خصم على أهبة الانقضاض على عدوّه


كذلك أكدتها القرارات 2734 ـ 16 كانون الأول 1970 (الإعلان الخاص بتعزيز الأمن الدولي)، والقرار (155/32/ A/RES 19 كانون الأول 1977، (إعلان تعميم، وتدعيم الانفراج الدولي). والقرار (103/39/ RES A 9 كانون الأول 1981، (إعلان بشأن عدم جواز التدخل بجميع أنواعه في الشؤون الداخلية للدول). وكذلك أكدت اتفاقية مونتيفيديو عام 1933 في مادتها الثامنة على مبدأ عدم التدخل في شؤون الدول والتي نصت على أنه «ليس لأي دولة الحق في التدخل في الشؤون الداخلية والخارجية لأي دولة أخرى».
وقد أكد الدستور اللبناني ايضاً في مقدمته أن لبنان وطن سيد حر مستقل، وطن نهائي لجميع أبنائه، واحد أرضاً وشعباً ومؤسسات، وشدد على ضرورة المحافظة على السيادة اللبنانية وسيادة القانون في لبنان، حيث نصت المادة الأولى من الدستور على أن «لبنان دولة مستقلة ذات وحدة لا تتجزأ وسيادة تامة»، كما تشير المادة 2 من الدستور على أنه «لا يجوز التخلي عن أحد أقسام الأراضي اللبنانية أو التنازل عنه».
وهذا الهجوم المسلح على الجيش اللبناني، يشكل جريمة عدوان ويعتبر خرقاً كبيراً لميثاق الأمم المتحدة والقوانين الدولية التي تحظر هذه الاعتداءات، وقد عرّفت الهيئة العامة للدول التي صادقت على نظام روما، في دورتها السابعة التي انعقدت في نيويورك في الفترة من 9-13 شباط 2009، العمل العدواني بأنه «الضربة الأولى من قبل دولة ضد دولة أخرى من دون مبرر قانوني» او من قبل جماعة مسلحة كما يحصل في عرسال.
وبالتالي، فإن قصف المسلحين لمواقع الجيش اللبناني ومهاجمتها وأسر العناصر الأمنية ومحاصرة عرسال هي جريمة عدوان، أضف إلى أن المسلحين قاموا بأعمال إرهابية ضد المدنيين في عرسال، إذ اتخذوهم دروعاً بشريةً ضد الجيش اللبناني، وقاموا بقتل بعض المدنيين ممن يخالفهم الرأي، وعاثوا في المنطقة فساداً، وهذه الأعمال تنطبق تماماً على تعريف مجلس الأمن الدولي للإرهاب بأنه: «كل عمل جرمي ضد المدنيين بقصد التسبب بالوفاة أو بالجروح البليغة أو أخذ الرهائن من أجل إثارة الرعب بين الناس أو إكراه حكومة أو منظمة دولية للقيام بعمل ما أو الامتناع عنه». ويعرّفه قانون العقوبات اللبناني في المادة 314 بأنه «يعنى بالأعمال الإرهابية جميع الأفعال التي ترمي إلى إيجاد حالة ذعر وترتكب بوسائل كالأدوات المتفجرة والمواد الملتهبة...».
وقد أفرد قانون العقوبات اللبناني باباً خاصاً لهذه الجرائم وعقوباتها، ويعاقب القانون اللبناني على الجرائم الإرهابية كل فاعل ومحرض ومشترك، وهنا تقول المادة 212 من قانون العقوبات إن «فاعل الجريمة هو من أبرز إلى حيز الوجود العناصر التي تؤلف الجريمة أو ساهم مباشرة في تنفيذها». كما تقول المادة 213 «كل شريك في الجريمة عرضة للعقوبة المعينة لها في القانون». وتشدد وفاقاً للشروط الواردة في المادة 257 عقوبة من نظم أمر المساهمة في الجريمة أو أدار عمل من اشتركوا فيها. أما المحرض فيعاقب في حال وقع الفعل أم لم يقع، وتشير المادة 217 إلى أنه «يعد محرضاً من حمل أو حاول أن يحمل شخصاً آخر بأي وسيلة كانت على ارتكاب جريمة»، وعليه فيحق للجيش اللبناني ملاحقة الإرهابيين وتقديمهم للقضاء.
ثانياً: حق لبنان في الدفاع عن النفس
أمام ما يتعرض له لبنان واللبنانيين من عدوان، فإن القانون الدولي كما القانون المحلي يكفل للدولة اللبنانية وبالتالي للجيش اللبناني الحق في الدفاع عن النفس، وتوجيه ضربة قاسية للإرهابيين والقيام بعملية عسكرية ضدهم.
ويفترض مفهوم حق الدفاع عن النفس وجود خصم مدجَّج بالسلاح على أهبة الانقضاض على عدوّه كما هي الحال في عرسال، والمادة 51 من ميثاق الامم المتحدة ـ الفصل السابع تؤكد أن «ليس في هذا الميثاق ما يضعف أو ينتقص الحق الطبيعي للدول، فرادى أو جماعات، في الدفاع عن أنفسهم إذا اعتدت قوة مسلحة على أحد أعضاء «الأمم المتحدة» وذلك إلى أن يتخذ مجلس الأمن التدابير اللازمة لحفظ السلم والأمن الدولي...».
إذاً فإن المادة 51 من الميثاق تكفل للدول حق الدفاع عن النفس، فلا يمكن أن تتعرض دولة ما لاعتداء إرهابي من دون أن تدافع عن نفسها، لأن هذا العمل سيتكرر باستمرار، والاستثناء الذي ورد به نص صريح في ميثاق الأمم المتحدة خروجا على مبدأ تحريم استعمال القوة، هو الدفاع الفردي والجماعي عن النفس. وهذا الحق أكدته ايضاً اتفاقية مونتيفيديو التي تحدثت عن حق الدفاع عن النفس، مع غيرها من المواثيق الدولية.
إن القواعد والنظم القانونية كافة تعترف بحق الدفاع عن النفس، وهو حق معترف به منذ القدم وجرى التأكيد عليه في ميثاق الأمم المتحدة، ويعتبر استخدام القوة للدفاع عن النفس حقاً استثنائياً بالنسبة للمنع العام لاستخدام القوة الوارد في الميثاق، ويرى مؤيدو القانون الطبيعي أن حق الدفاع عن النفس هو أحد الأسباب عن الحرب العادلة أو أنه أحد الأسباب العادلة للحرب، وأن القانون الطبيعي لا يؤيد هذا الحق فقط بل إنه يأمر الدول بممارسته، وتلجأ الدولة إلى هذه الممارسات إذا ما قامت الدول الأخرى أو الجماعات المسلحة بتجاهل واجب عدم التدخل المشار إليه أعلاه.
اليوم، لا يمكن لأحد أن يقف ضد الجيش اللبناني، في حقه بالدفاع عن سيادة لبنان التي يخرقها المسلحون باستمرار، ولا يمكن لأحد أن ينتقص من هذا الحق تحت أية حجة أو سبب من الأسباب، لأن من يقاتل الجيش اللبناني هم أناس خارجون عن القانون ويكفرون الجيش اللبناني واللبنانيين، وقاموا بهجوم استباقي ضد لبنان.
وحق الجيش اللبناني في الدفاع عن لبنان، ينبع من صميم الشريعة الدولية، بل ويجب على كل اللبنانيين لا سيما المسؤوليين السياسيين الوقوف صفاً واحداً مع الجيش اللبناني ودعمه ضد الإرهاب، وتأمين الغطاء السياسي الكامل له كما الغطاء الذي يؤمنه له القانون المحلي والدولي.
* صحافي لبناني