لم يعد سبب انشاء الكيان الإسرائيلي خافياً على أي متابع سياسي أو ناشط حقوقي أو عالم بالتاريخ والجغرافيا. حيث أن البريطاني ومعه الفرنسي اللذان ورثا السلطنة العثمانية بعد الحرب العالمية الأولى، عمدا إلى مساعدة شذّاذ الآفاق، لبناء الكيان الإسرائيلي على أرض فلسطين. وذلك لم يكن عملاً أخلاقياً لمصلحة اليهود أو حباً بهم، بل لإيجاد قاعدة أمنية عسكرية للغرب في المنطقة لمنعها من التقدم والتكامل والوجود من خلال ايجاد بؤر توتر دائمة، وللإمساك بمقدرات النفط والغاز فيها.
ومعلوم أن الغرب ليس جمعية خيرية تعمل على الهبات بل عالم مستكبر يسعى إلى الهيمنة والتسلط. وبعد الحرب العالمية الثانية ورثت أميركا أوروبا في المنطقة كما العالم، وزاد الأميركي من دعمه لهذا الكيان إذ أنه يعتبره ولاية من ولاياته.
وبما أن المشروع يستهدف المنطقة كلها من أقصاها إلى أقصاها أي كل الأمة العربية بشكل خاص ومنها إلى كل المنطقة الممتدة إلى آسيا شرقاً وأفريقيا غرباً. فالموضوع ليس منحصراً باغتصاب فلسطين، وتشريد أهلها بل بكل محيطها، وإن كان الفلسطيني هو من دفع الثمن الأكبر لتحقيق هذا المشروع تليه شعوب دول الطوق «مصر والأردن وسوريا ولبنان».
وبدأ الصراع بعد انتهاء الانتداب البريطاني الذي أسّس الدولة العنصرية ودرّب عسكرها. وعمل على تسليحها بعد أن ساعد الصهاينة في الهجرة إليها. لكنه كان صراعاً بالظاهر فقط وهذا بدا واضحاً من تخلي النظام العربي الرسمي عن الشعب الفلسطيني عام 1948 بعد أن أعطيت الأوامر للجيوش العربية التي كانت قد دخلت عمق فلسطين وحققت انجازات مهمة خصوصاً على الجهة الشرقية المحاذية للأردن وسوريا بالانسحاب، وترك الفلسطينيين لوحدهم. لترتكب المجازر وليهجروا إلى الخارج بالإرهاب الصهيوني. وخرج أهل فلسطين على أمل العودة مع الجيوش العربية بعد تأمين السلاح لهم. على أساس وعود الأنظمة وكان ما كان. وحصلت الهدنة مع دول الطوق بشكل منفرد. وكرّت السبحة وكانت الاعتداءات الإسرائيلية من عدوان 1956 على مصر إلى حرب 1967 ليكمل احتلاله لكل أراضي فلسطين ومعها أراضٍ عربية أخرى من مصر والأردن وسوريا ولبنان. إلى حرب 1982 ومجازره في لبنان وخصوصاً مجزرة صبرا وشاتيلا، إلى تصفية الحساب وعناقيد الغضب وغزة وحرب لبنان الثانية في 2006 وهكذا حصلت مجازر قانا الأولى والثانية ومجازر في الضفة الغربية بعد اجتياحها من قبل شارون وارتكابه مجزرة جنين، ثم عدوان 2008 على غزة. وبعد عدوان 2012 وأخيراً ما تعيشه غزة اليوم.
ولم تهدأ المنطقة ولم تعرف الاستقرار ولم يُدن الكيان الإسرائيلي وبحماية غربية واضحة يرتكب المجازر بحق النساء والأطفال والبيوت والمزارع والبنى التحتية، ويقوم بعمليات خارج فلسطين ولبنان ليصل إلى ضرب العراق وبالسودان وتونس.
لذا كان يوم القدس الذي حدده الإمام الخميني (قده) لتنبيه كل العرب والمسلمين والمسيحيين الأحرار المتحررين من الغرب. إن الخطر محدق بالجميع ليس مقتصراً على الشعب الفلسطيني، واختار آخر يوم جمعة من شهر رمضان كل عام ليكون يوماً للتضامن مع القدس والشعب الفلسطيني واعتبره يوم من أيام الله، وأعطاه بعداً دينياً شرعياً فضلاً عن البعد السياسي لتبقى القضية الفلسطنية هي المركزية والأساسية للعرب والمسلمين.
وعلى الرغم من محاولات البعض سواءً من قيادات فلسطينية أو عربية من خلال ممارسات خاطئة ومواقف سياسية سلبية، أو ترويج لأفكار تضر بمصالح العرب والمسلمين تحت عناوين «الموضوع يخص الفلسطيني فقط»، وأن العرب تعبوا وأن الدول تقرأ مصالحها ولا تدخل في مصالح الدول. وأن التدخلات الفلسطينية في المشاكل الداخلية للدول العربية جعلت حاجزاً مع الشعوب. علينا أن نلتفت إلى أن كل هذا سواءً أكان عن عمد وسابق اصرار أو عن جهل أو عن طريق الوصول إلى مصلحة خاصة لهذا القيادي أو ذاك، لهذا الفصيل أو ذاك، فإن كل هذا لا يعني أن يترك الفلسطيني لقدره ولوحده. فالخطر على الأمة ما زال قائماً، الغدة السرطانية لا يدرأ خطرها إلا بإزالتها بالكامل والشر المطلق لا نرتاح منه إلا بالقضاء عليه.
وليعلم كل عربي وكل مسلم وكل حر في العالم أن تأسيس الكيان الإسرائيلي يطاوله ويضربه وأن الكل معني بتحقيق العدالة للشعب الفلسطيني المظلوم ومعني بتحصين المنطقة من الخطر الداهم عليها.
ويكفي ما عانيناه جميعاً منذ الأربعينيات من القرن الماضي، وليقف الأحرار إلى جانب الفلسطيني المدافع عن شرف الأمة وشرف الدول كلها في المنطقة إلى جانب المقاومة التي لا خيار غيرها للتحرير.
لنقف مع أطفال فلسطين ونساء فلسطين وشيوخ فلسطين فإنهم إن سقطوا سقطنا جميعاً. وما زال هذا الشعب صابراً متحملاً متحصناً بأرضه مانعاً الإسرائيلي من الاستقرار. وحذار من سقوط هذا الفلسطيني المدافع في آخر خندق عن كرامته وكرامة كل أهل المنطقة.
وإلى فلسطين لنتوجه جميعاً، بكل ما أمكننا للمساعدة. إلى القدس في يوم القدس يا عرب إنها عروس عروبتكم، ألا يهزكم قتل الصائمين من الناس مع آذان الإفطار أو آذان الإمساك أيها المسلمون؟
أليس عيباً أن نرى جموعاً غربية تتظاهر لتدين الجرائم الإسرائيلية ولا نرى ذلك في ساحاتنا العربية؟
أوليس مخجلاً أن يفسح المجال أمام بعض الصحافة المأجورة بالترويج للإسرائيلي مبررة حربه الظالمة على أطفال غزة؟
وأخيراً... وليس بآخر... أين الدعاة لإقامة دولة الخلافة من العدوان على غزة والقضية الفلسطينية؟ أين المتباكون على الإسلام والذين باسمه ارتكبوا أشنع الأعمال؟
أين الجميع من القدس؟
* كاتب لبناني