لا شك أن هناك حالة ذعر وهوس، تقترب من العُصاب المرضي، نحو حزب الله (وكلّ ما يتعلّق به) قد أصابت إسرائيل. تستطيع أن تجول في الصحف والمواقع وإنتاج تقارير مراكز الأبحاث في واشنطن (ومن خلال المواقع التي تنبت ذات اليمين وذات اليسار بتمويل من سوروس وحلف شمال الأطلسي) وأن تصدّق أنه بالفعل هناك عالم غربي وليبرالية غربية (وعربيّة) محبطة وكئيبة من تصدير الكبتاغون. أو تصدِّق أن هؤلاء بجدّ حزينون على عدم إمكانية نجاح لشيعة الولاء السعودي والإماراتي في انتخابات جنوب لبنان، أو أنهم بجدّ منزعجون لأن حزب الله هو الوحيد الفاسد في لبنان، وأن أميركا لديها موقف حازم وصارم ضد كل أنواع الفساد في لبنان. عليك أن تصدِّق أن سبب انزعاج كل هؤلاء ومواقع سوروس لا يتعلّق بالسبب الحقيقي: أن إسرائيل تخاف من قوّة حزب الله. والذي يزيد من يقين دوافع إسرائيل من خلال كل الحملات الإعلامية التي تتجلى في الإعلام العربي وفي المواقع، وحتى على صفحات شخص لديه 100 أو 200 متابع على «تويتر»، أن الحملات منسّقة بين واشنطن وتل أبيب والسعودية والإمارات وبيروت. يطلعون كل فترة بقصة ما لتأليب الرأي العام ضد هذا الحزب. ساعة هو مسؤول عن الكبتاغون وأن تجارة سوريا من خلال الكبتاغون تصل، حسب ناطقة رسمية باسم الحكومة الأميركية والبريطانية، إلى 57 مليار دولار، أي أن دخل الكبتاغون يتفوق على ميزانيّات دول في المنطقة وحتى على الإنفاق الدفاعي لعدد من دول المنطقة. وتصدّق أن تجارة المخدّرات العريقة فجأة باتت تقضّ مضاجع الخليج والغرب وشاشات الأجرة الثلاث. الأكاذيب لا تتبع لمنطق وليس لها حدود ولا سقوف، وقصة المخدرات وربطها بالحزب ليس هناك من مصدر لها إلا جريدة سعودية أو جريدة إسرائيليّة (أو «مصدر استخبارات شرق أوسطي»، وهذا هو الاسم الكودي لـ«الموساد» في صحافة الغرب). والرقم الذي استعانت به الدولة البريطانية والإمبراطورية الأميركيّة له مصدر معروف: المدعو تشارلز ليستر. ليستر هو معلّق في جريدة «الشرق الأوسط» وباحث (في الكبتاغون؟) في «مؤسّسة الشرق الأوسط» في واشنطن (المؤسّسة تحوّلت من مركز تضاد للوبي الإسرائيلي إلى مركز خليجي ينسِّق مع اللوبي الإسرائيلي). ليستر كان من أنشط منسّقي البروباغندا الغربية والخليجية في الحرب السورية لصالح فرق المعارضة المسلحة. شارلز ليستر نفسه ثارت ثائرته لأن الجامعة العربية سمحت بتمثيل النظام السوري عن جديد فيها. ليستر وصهاينة واشنطن هم حماة عروبة أبو الغيط وعمرو موسى وديفيد بن غوريون.
إنّ الخطر الذي يشكّله حزب الله على العقيدة الاستراتيجية لدولة إسرائيل يكمن في تضاده للنجاح الاستراتيجي لإسرائيل في هزيمة العرب في عام 67. هزيمة 67 كانت تحقيقاً للحلم الاستراتيجي لإسرائيل والتي عملت نحوه منذ تأسيس الكيان. حرب 67 كانت ستشتعل حتماً، ولهذا فإن النقاش عمّا فعله جمال عبد الناصر أو ما كان يجب أن يفعله يبقى من باب تحميل المسؤولية للعرب على حرب كانت إسرائيل تنوي شنّها مهما كان ومهما فعل ولم يفعل جمال عبد الناصر.
يكمن النجاح الإسرائيلي في حرب ٦٧ في عوامل: أوّلاً، إحداث صدمة عسكرية وسياسية هائلة تطيح كل فرضيات العرب عن إسرائيل بما فيها فكرة هشاشة الكيان (الفكرة التي زرعها حكام العرب في عام 1948 لتسويغ تقاعسهم). ثانياً، تحقيق نصر عسكري في غضون أيام لا بل ساعات. والمُراد من النصر الساحق والسريع أن يقضي على الآمال العربية التي كانت كبرى في تلك الحقبة. وأرادت إسرائيل أن تقنعنا أن هزيمتنا لا تأخذ منها إلا ساعات معدودة فقط وأن ذلك يجعل من نصرنا عليها مستحيلاً. ثالثاً، تخويف الجندي العربي وتخويف الفرد العربي وتحويلهما إلى هدف للنكات والمزاح. رابعاً، ضخ ثقافة التشكيك بالعنصر العربي على طريقة الاستشراق العنصري التقليدي المبتذل والربط بين هزيمة (هي محض عسكرية) وبين كل صفات الثقافة العربية الشعبية والسياسية. ولم يسهمْ في الترويج لثقافة التشكيك العنصري بالعنصر العربي أكثر من كتاب صادق جلال العظم، «النقد الذاتي بعد الهزيمة»، وفي ما كتبه بعد ذلك. خامساً، فضح العجز العسكري والسياسي العربي والمفاضلة والمقاربة والمقارنة بين حالة الاسترخاء التي أراد العدو أن يصف جيشه بها، وحالة التأزّم والخوف والعجز التي اعترت صفوف الجيوش العربية وقادتها. ونعلم اليوم، خلافاً لتلك الصورة، أن العدو لجأ إلى الخداع لنشر فكرة الاسترخاء والخفة التي انتصر العدو فيها علينا، ونعلم اليوم أن إسحاق رابين أصيب بأكثر من أزمة عصبية خلال تلك الحرب. سادساً، نشر ثقافة الهزيمة والإحباط وقد ساهمت فيها الصحف اليمينية العربية التي كانت تتلقّى تمويلاً من دول الخليج مثل جريدة «الحياة» وجريدة «النهار» في لبنان. كل هذه العوامل أطاحها حزب الله في مقاومته لإسرائيل وصولاً حتى الذروة في حرب تموز.
إنّ الخطر الذي يشكّله حزب الله على العقيدة الاستراتيجية لدولة إسرائيل يكمن في تضاده للنجاح الاستراتيجي لإسرائيل في هزيمة العرب في عام 1967


المفارقة في تجربة حزب الله في مقارعة إسرائيل أن التجربة قطعت بالكامل مع كل سابقاتها من تجارب في الحروب والمقاومات ضد إسرائيل. لأجل ذلك كان مضحكاً جداً أن ميغا الـ«ناتو» في لبنان نشرت مقالة قبل أشهر قالت فيها إن الحزب سرق انتصارات حركة «فتح» في لبنان وجيّرها لنفسه. تقرأ ذلك وتسأل نفسكَ، خصوصاً إذا كنتَ قد عاصرت تلك الفترة: أين هي انتصارات حركة «فتح» في تلك الفترة؟ أين تتجلّى انتصارات حركة «فتح» في تلك الفترة؟ لا شك أن حركة «فتح» تفوّقت في حروب الشوارع والأزقّة في لبنان ضد فصائل لبنانية وفلسطينيّة. لكن انتصارات ضد إسرائيل؟ كيف تجلّى ذلك إلا في تلك البيانات الانتصارية التي كان يعدّها ياسر عرفات بنفسه والتي كان يجيّر فيها كل العمل العسكري لغيره من فصائل فلسطينية ولأفراد إلى قوات «العاصفة»؟ ساعات من حرب تمّوز فيها من الانتصارات أكثر من سنوات لـ«فتح» في لبنان. وتجربة «جمول» والحركة الوطنية هي في سياق التجارب التي أثبتت فشلها فشلاً ذريعاً في تلك الفترة. وتجلى ذلك في غياب المواجهة مع إسرائيل في اجتياح 82 باستثناء حصار بيروت التي اضطرّت فيه الفصائل اللبنانية والفلسطينية إلى إعداد خطة تصدٍّ ودفاع أجبرت العدو على التراجع على أعتاب خلدة. وحزب الله قطعَ مع التجربة السابقة إعلامياً وسياسياً وعسكرياً أكثر بكثير من أي تجربة مقاومة حتى الساعة. لا نزال مثلاً نرى في بيانات «حماس» وحركة «الجهاد الإسلامي» (وحتى بيانات «عرين الأسود»، والاسم يوحي بالبطولة التقليدية والفولكلوريّة بالرغم من بطولة أفراد التنظيم) أثراً للخطاب الانتصاري المفرط والمبالغ فيه والذي برع فيه ياسر عرفات. هذا الخطاب كان يهدّد العدو بما لم يكن متوازياً مع القدرات. كان المفكر الباكستاني إقبال أحمد (الذي تعرّف إلى ياسر عرفات من خلال إدوار سعيد) شديد الانتقاد للنفس الانتصاري في الحركة الوطنيّة الفلسطينيّة. كان المناضل الأفريقي أميرال كابرال يقول: «لا تكذبوا ولا تدّعوا انتصارات سهلة».
أراد الحزب أن يبدأ من الصفر وهو بالفعل بدأ بعد اجتياح 82. بدأ أعمالاً كبيرة بصمت أو بكلام قليل جداً. على عكس انطلاق حركة «فتح» التي حتى في بيانها الأول زعمت ما لم يكن صحيحاً في الميدان. لو تعود إلى تلك الفترة وتقرأ بيانات حركة «فتح» عن انتصاراتها المدويّة لحرتَ في أمركَ، كيف أن الكيان لا يزال جاثماً على أرض فلسطين. الحزب بدأ بالصمت ولم يعلن عن نفسه إلا بعد سنوات، بعد أن أثبت جدواه العسكرية في مواجهة أقوى جيش في المنطقة. وهناك حديث دائم عن قدرات عسكريّة هائلة للحزب لكن نستطيع أيضاً أن نتحدّث عن حرب نفسية لم يحسنْ شنّها أي فصيل لبناني أو فلسطيني أو أي نظام عربي منذ عام 1948. خطابات الأمين العام للحزب تختلف كلياً عن خطب قادة المقاومة الفلسطينية بما فيها خطب الراحل العظيم جورج حبش. عندما أعود إلى خطب جورج حبش لأتمعّن في صياغتها الأدبيّة والسياسيّة يدهشني كم أن البنية والتعبيرات كانت عاطفية متدفّقة وتخلو من التعبير عن استراتيجية محددة في مواجهة إسرائيل. كان خطاب جورج حبش مثل خطاب عرفات (مع اختلاف الشخصيّتيْن) من ناحية التحميس والتهديد العاطفي وإن كان التبجّح ليس من شيم حبش. خطب نصرالله مثلاً تكون مدروسة ومتماسكة وغير انفعالية ومنطلقة من قدرات عسكريّة جبارة. أي أن الخطب العاطفية التبجّحيّة لقادة المقاومة الفلسطينية واللبنانية كانت تعبيراً عن ضعف وعجز عسكرييْن لا العكس. وحركة «حماس» و«الجهاد الإسلامي» و«عرين الأسود» تقتفي آثار حركة «فتح» في تعظيم الإنجازات والمبالغة فيها والإفراط في التهديدات غير المنسجمة مع القدرات العسكرية.

هذا أكثر ما يخيف العدو لأنه يعني أن المقاومة باتت قادرة على السيطرة على ميدان المعركة وعلى وضع العدو في موقع الدفاع عن أرض فلسطين لا عن مواقعه على أرض لبنان


لا أشكّك اليوم في حماسة وذود وتفاني الكثير من قادة المقاومة الفلسطينية وعناصرها في مرحلة لبنان. ولكن لم يكن لأي من التنظيمات استراتيجية عسكرية محدّدة في مواجهة إسرائيل. الذي يعود إلى الاستراتيجية السياسية والتنظيمية لـ«الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين»، والصادرة في عام 1969، والذي كان بمثابة كتيّب الالتحاق بالتنظيم، يصطدم بالمضمون الإنشائي الجميل بعض الأحيان. ولكن المفارقة تكمن في أن حزب الله (الذي يُصوَّر في الدعاية المستوردة ضدّه بأنه ليس إلا ذراعاً إيرانية في المنطقة) بلورَ استراتيجية عسكرية محلية الصنع مُنطلقة من تجربة حسيّة جنوبية في التعامل مع إسرائيل عبر سنوات طويلة من المواجهة والالتحام. أمّا الاستراتيجية اليسارية لـ«الجبهة الشعبية» فإنها تعتمد بالكامل على كلاسيكيات وكليشيهات أدبيات الماركسية الثورية الفييتنامية والماوية في ذلك الحين. كيف يمكن أن تكون الاستراتيجيّة منطلقة من التجربة الفلسطينية وفيها تكرار وإصرار على إنشاء تنظيم طليعي للعمّال والفلاحين، بالحرف. أين كان الفلاحون يومها؟ كان فلاحو فلسطين قد هُجروا من أرضهم ودُفعوا بالقوّة إلى مخيّمات الشتات. هناك كلام عام في استراتيجيّة الجبهة عن شنّ حرب عصابات يمكن لها أن تتطوّر إلى حرب شعبيّة طويلة الأمد لكن هذا لم يحدث، حتى العمليات الموسميّة لم ترتقِ إلى مصاف حرب عصابات. كان أول ما واجهني يوم زرت متحف المقاومة في مليتا أنه يقف تعبيراً عن الفشل الذريع الذي أصاب التجربة السابقة في مواجهة إسرائيل في لبنان.
بإيجاز، إنّ إسرائيل تخاف من حزب الله للأسباب التالية:
أولاً، تخاف من حزب الله لأنه قضى على عقيدة التفوق والكسح العسكرييْن السريعين اللذين حكما أداء الكيان منذ التأسيس. مجرد استمرار حرب تموز على مدى 33 يوماً يشكّل هزيمة قاطعة للعقيدة العسكرية الإسرائيلية. حتى لو أن العدوّ لم يتعرّض للإذلال (وهو تعرض للإذلال) حتى لو أن العدو تقدّم على الأرض اللبنانية (وهو لم يتقدّم على الأرض اللبنانية) حتى لو أن العدوّ ألحق هزيمة عسكرية بالحزب (وهو لم يُلحق هزيمة عسكرية بالحزب)، إنّ مجرّد استمرار المعارك على مدى 33 يوماً يدفع إسرائيل للتفتيش العبثي عن عقيدة عسكرية جديدة تستبدل تلك التي بسطت نفوذ وسيطرة وهيمنة إسرائيل على المنطقة العربية قبل حرب تمّوز.
ثانياً، استطاع حزب الله أن يخيف عناصر الجيش الإسرائيلي على المستوى الفردي. صحيح أن الأيام الأولى لحرب تشرين شهدت انتصارات على الجبهة السورية والمصرية لكن إسرائيل (وبمساعدة أميركية هائلة فتحت أمامها كل الخزائن العسكرية الأميركية) استطاعت أن تستدرك وأن تعكس مسار الحرب لصالحها. أصيب جيش الاحتلال بهزيمة نفسيّة وإن كانت محدودة في تلك الحرب. لكن ما لحقها في حرب تموز هو ما لم يصب جيش العدو منذ عام 1948. أصيبَ جيش العدو في حرب تموز بالذعر الشديد وأثّر ذلك على معنويات عناصر وضباط جيش إسرائيل. منذ حرب تموز وأنا أدخلُ في رهانات أجزمُ فيها كل سنة في الصيف أن إسرائيل لن تجرؤ على الهجوم على لبنان. أذكر في صيف 2010 أنني دخلتُ في رهان في لبنان مع نورمان فينكلستين الذي كان على يقين أن إسرائيل ستهاجم لبنان وأنا قلتُ له لن تجرؤ لأنها تخاف من لبنان ومن مقاومته، وهي في وضع لا يسمح لها بالمغامرات التي حكمت مسار تعاطيها مع لبنان والدول العربية من قبل.
ثالثاً، إسرائيل تخاف من لبنان لأن المقاومة فيه أتقنت استخدام تقنيات عسكرية متطورة ومعقّدة ويشمل ذلك صواريخ وتقنيات التنصت والتجسّس والرصد، وهذا يجعل من إسرائيل مباحة أمام ضربات المقاومة كما لم تكن من قبل. المقاومة الحالية في لبنان لم تكتفِ بإتقان استعمال الأسلحة التي كانت معروفة من زمن منظمة التحرير، مثل الرشاشات والمضادات والأسلحة المضادة للدروع والقنابل والمتفجّرات. هذه المقاومة لم تكتفِ بذلك بل درّبت عناصرها على استعمال أسلحة متطوّرة من الصواريخ البعيدة المدى إلى القتال بالمناظير الليليّة إلى غيرها من وسائل الرصد الإلكترونية التي لم تكن في وارد التدريب العسكري لحركة المقاومة الفلسطينية. هي تملك ترسانة هائلة من الصواريخ لكنها زادت عليها في الحصول على الصواريخ الذكيّة، وهذا يخيف العدو لأنه لم يعد قصف إسرائيل خبطَ عشواءَ كما كان في الماضي. في زمن المقاومة كانت صواريخ الكاتيوشا تضرب أهدافاً مفترضة في فلسطين وقلّما كانت تصيب في العدو مقتلاً. أذكر في تلك الأيام الاحتفالات عندما كان يُصاب جندي إسرائيلي واحد بجراح. المقاومة الحالية لا تتقن فقط استعمال السلاح ولكنها تفهم وهي على معرفة وثيقة بصفات وعناصر وقدرات سلاح العدو. هذا النوع من التدريب لم يكن معروفاً من قبل. والمثال الذي أعطيه دائماً هو أن المقاومة الفلسطينية لم تكن تملك خبيراً باللغة العبرية واحداً أمّا اليوم فإن المقاومة تخرّج كوادر يعرفون اللغة العبرية.
رابعاً، تخاف إسرائيل من المقاومة في لبنان لأنها تمتلك عناصر المفاجأة. كانت المفاجآت التي واجهت العدو في زمن المقاومة نادرة وكانت العمليات في أغلبها فاشلة. «الجبهة الشعبية-القيادة العامة» كانت تحاول دائماً مفاجأة العدو مثل استعمال المناطيد أو الطائرات الشراعيّة.
خامساً، يخاف العدو لأن هذه المقاومة لم تتدرّب فقط على الدفاع عن لبنان بكل أراضيه على كامل حدوده وإنما هي تدرّبت على التقدّم جنوباً في شمالي فلسطين المحتلة. هذا أكثر ما يخيف العدو لأنه يعني أن المقاومة باتت قادرة على السيطرة على ميدان المعركة وعلى وضع العدو في موقع الدفاع عن أرض فلسطين لا عن مواقعه على أرض لبنان. ولهذا الغرض أنشأ جيش العدو (مَن كان يتوقع هذا الخبر في حياته) وحدةً خاصة مهمتها الدفاع عن الجليل أمام تقدّم محتمل من حزب الله في فلسطين المحتلة في الحرب المقبلة. هذا الخبر لم يحظَ بأهميّة في الإعلام العربي لأنه يعطي المقاومة الحالية حقّها من الاعتبار في تاريخ الصراع العربي الإسرائيلي. ناطق باسم جيش العدو أعلن قبل أشهر إنشاء وحدة تدخّل سريع مؤلفة من قوات احتياج جديدة باسم «دافوراه» (نحلة) غايتها مواجهة سيناريو متوقع تتوغل فيه قوة من الحزب إلى منطقة الجليل وتضم هذه الوحدة بضع مئات من الجنود وغالبيّتهم من المسرّحين من وحدات خاصة وقوات مشاة وجميعهم من سكان الجليل العارفين بالطبيعة الجغرافية للأرض. وتخضع الوحدة للفرقة العسكرية 91 المكلفة بحماية الحدود مع لبنان وستعمل كقوّة تدخل سريع. ويعترف العدوّ بأن هذه القوة ستكون متفوّقة نوعياً ومدرّبة ولا يعني هذا إلا مدى الخوف الذي يعتري جيش العدو إزاء هؤلاء المتطوّعين في أرض لبنان الذين يتعرّضون لحملات من داخل لبنان ومن جنوب الحدود وذلك بالتنسيق بين إسرائيل وأعوانها من لبنانيين وعرب وغربيّين. عنصر المفاجأة يعني أن إسرائيل ستكون في الحرب المقبلة مع لبنان في حالة من الضياع والحيرة كما كانت الجيوش العربية في مواجهاتها مع إسرائيل. لا تعلم إذا كان العدوّ سيأتي من هنا أو من هناك، إذا كان سيأتي بحراً أو برّاً، أو، ربما في مرحلة لاحقة، جواً. باختصار لقد فقد العدو ليس فقط عنصر المباغتة، لأن هناك من يترصّد الأرض بصورة يومية وعلى مدار الساعة، بل هو فقد عنصر الثقة بالنفس التي كانت مفرطة بحكم الأداء الضعيف والمشين في كثير من الأحيان للجيوش العربية ولفصائل المقاومة الفلسطينية. سادساً، يخاف العدو من الحزب لأن درجة التفاني والتضحية والاستعداد للموت تبلغُ عنده حداً أقصى لم يسبق له مثيل حتى في زمن الفدائيين من المقاومة الفلسطينية الذين قدّموا دماءهم فداءً لفلسطين. ولكن درجة الانضباط والالتزام عند عناصر المقاومة اللبنانيّة الحالية هائلة ولم يرَ مثلها العدو من قبل.
سابعاً، يخشى العدو ويخاف من المقاومة الحالية لأن زعيمها ليس مثل الزعامات التي سبقت في المقاومة الفلسطينية أو حتى في الجيوش العربية. زعيم المقاومة الحالية جادّ في صراعه مع إسرائيل ولا يمزح. وهو خبير في الشأن الإسرائيلي أكثر بكثير من خبراء المقاومة الفلسطينيّة الكوميديين مثل محمود عباس نفسه الذي كان ياسر عرفات يعتمد عليه خبيراً في الشأن الإسرائيلي. والقدرة على التعبئة وعلى التحميس للأمين العام للحزب هائلة وتقارنها بالانسحاب المُذلّ الذي قاده الحاج إسماعيل القائد العام للمقاومة الفلسطينية والحركة الوطنية في جنوب لبنان في عام 1982، هذا الجنرال كان الأكثر كفاءة في جيش ياسر عرفات (وبعد أن هرب من أرض المعركة عاد عرفات وعيّنه في منصب أمني في داخل السلطة الفلسطينية وقد عبّر الراحل أنيس النقاش عن امتعاضه الشديد لحالة الحاج إسماعيل، مع احترامه لقيادة ياسر عرفات).
العدوّ يخاف من المقاومة، وكل لبناني يخاف من المقاومة يُعلن تلقائيّاً انتماءه العاطفي والسياسي إلى الحركة الصهيونيّة، وهذا ليس جديداً في التاريخ اللبناني المعاصر.

* كاتب عربي - حسابه على تويتر
asadabukhalil@