معركة عالمية على موارد «الاقتصاد الأخضر» الصين والهند وأميركا ستكون قوى القرن الـ21

مايكل كلير، من أبرز الخبراء الأميركيين المتخصصين بشؤون الاستراتيجية العسكرية الأميركية منذ ثمانينيات القرن الماضي، والمناهضين لسياسات الهيمنة والحرب. صدرت له مجموعة من المؤلفات الهامة، ومنها «الاستراتيجية الأميركية العليا في الثمانينيات»، الذي تُرجم إلى العربية في عام 1982 من قبل «مؤسسة الأبحاث العربية»، وكذلك «السباق للفوز بما تبقّى من خيرات الطبيعة» الصادر في عام 2012، و«الجحيم يتداعى: منظور البنتاغون للتغيّر المناخي» في عام 2019. يقدّم كلير، في هذه المقابلة مع «الأخبار»، قراءته للصراع الدولي المحتدم ولمآلاته المحتملة

هل تعتقد أنه كان ممكناً تجنّب الحرب في أوكرانيا لولا الإصرار الأميركي على توسيع حلف «الناتو» شرقاً وصولاً إلى الحدود الروسية؟
- لا إجابة سهلة على هذا السؤال، لأن قرار شن الحرب اتُّخذ من قبل شخص واحد هو فلاديمير بوتين. بوتين نفسه قدّم عدة تفسيرات لقراره بالغزو، حيث إن معظمها يتعلّق بقناعته بأن انفصال أوكرانيا عن روسيا في الماضي كان ظلماً تاريخياً لحق بها ولا بد من تصحيحه عبر عودتها إلى الوطن الأم. قد يكون القلق إزاء توسع «الناتو» أيضاً من بين دوافعه لشن الحرب، لكن لا دليل قاطعاً على ذلك. من وجهة نظري الخاصة، أعتقد أن الذي حثَّ بوتين هو مزيج معقّد من الدوافع، بما في ذلك المخاوف الأمنية، والمعتقدات الدينية بالأهمية الروحية الأوكرانية لروسيا، وشخصيته المتغطرسة.
هل الإصرار الأميركي على توسيع «الناتو» شرقاً جزء من استراتيجية الولايات المتحدة؟ نعم، فسياسة الولايات المتحدة، منذ نهاية الحرب الباردة، سعت في ضمان عدم ظهور قوة منافسة تتحدّى مكانة أميركا باعتبارها القوة العظمى العالمية الوحيدة. في نهاية الحرب الباردة، عندما كانت روسيا ضعيفة للغاية، لم يكن صناع القرار في الولايات المتحدة قلقين بشأنها. ولكن عندما عادت قوتها لتتعزز، نتيجة لعملية تحديث قدرتها العسكرية من قبل بوتين، أصبح القادة الأميركيون أكثر قلقاً، وبالتالي أعطوا أولوية أكبر لتعزيز قوة «الناتو»، وخاصة بعد استيلاء روسيا على شبه جزيرة القرم عام 2014.

في هذه الحالة، هل من الممكن التوفيق بين هذه الاستراتيجية وأولوية مواجهة الصين؟
-طبعاً! إن جهود الولايات المتحدة لتقوية حلف «الناتو» في مواجهة تعاظم القوة الروسية، والمسعى الأميركي لاحتواء الصين، تندرج في إطار الاستراتيجية نفسها الهادفة إلى الحفاظ على مكانة أميركا كقوة عظمى عالمية وحيدة، ومنع صعود قوة منافسة قادرة على تجاوزها.

حسب توقعات الجيش الأميركي، فإنّ العد العكسي للصدام بينه وبين الجيش الصيني قد بدأ. في السابق كان الاعتقاد السائد لديه هو أن الصين ستهاجم تايوان عام 2035، ولكن في توقعاته الأخيرة بات يفترض أن هذا الأمر سيحصل في عام 2025. ما رأيك في هذه التوقعات؟
- لم تكن التوقعات بخصوص الصدام الصيني الأميركي متصلة بوصول قدرة القوات الصينية إلى درجة معينة، بل كانت مرتبطة بإمكانية اتخاذ قادة تايوان قراراً بإعلان الاستقلال، وهو احتمال جائز في أي وقت. لقد أكد القادة الصينيون في مناسبات عدة أنهم سيستخدمون القوة لمنع «العناصر الانفصالية» في تايوان من إعلان الاستقلال. لقد امتنع قادة تايوان حتى اللحظة عن الإجهار بنيتهم في الانفصال لكنهم يعملون للوصول إلى هذه الغاية تدريجياً. ونتيجة لذلك، هدّدت الصين باستخدام القوة العسكرية لمنع الانفصال. وفي الآونة الأخيرة، أدّت الدعوات العديدة الصادرة من واشنطن، والتي تحث تايوان على أن تعلن استقلالها وأن تتحالف عسكرياً مع الولايات المتحدة ضد الصين، إلى مضاعفة تهديدات بكين باستخدام القوة.
أعتقد أن أميركا ستأتي لمساعدة تايوان، ما يجعل النجاح في الغزو أمراً شبه مستحيل. لهذا السبب، أشك أن يقدِم القادة الصينيون على هكذا هجوم انتحاري. إلا أن الحرب قد تندلع لأسباب أخرى

هل من الممكن أن تتخذ الصين مثل هذه الخطوة؟ وهل من المحتمل أن يحدث صدام مباشر بين الصين وأميركا؟ ومن الذي يبادر أولاً؟
- يقول القادة الصينيون إنهم يفضّلون اعتماد السبل السلمية بدلاً من تلك العسكرية لحمل تايوان على العدول عن إعلان الاستقلال، وأنا أصدّقهم. لماذا؟ لأن أي محاولة صينية لغزو واحتلال تايوان ستتسبب، على الأغلب، بكارثة بالنسبة إلى الصين. لقد أظهر الغزو الروسي لأوكرانيا مدى صعوبة غزو واحتلال بلد لآخر، حتى عندما يكونان متصلين برّياً. ولكن في حالة تايوان، فإنّ اجتياحها من قبل الصين يتطلب نقل قواتها بحرياً لمسافة تزيد على الـ100 ميل، ما سيحول السفن الصينية إلى أهداف سهلة للقوات المدافعة ويعرضها لخسائر كبيرة حتى قبل الوصول إلى الجزيرة. وأعتقد أن أميركا ستأتي لمساعدة تايوان في حال غزتها الصين، ما يجعل النجاح في الغزو أمراً شبه مستحيل. لهذا السبب، أشك أن يقدِم القادة الصينيون على هكذا هجوم انتحاري. إلا أن الحرب بين أميركا والصين قد تندلع لأسباب أخرى، مثل وقوع اشتباكات بين القوات البحرية الأميركية والصينية في شرق أو جنوب بحر الصين، حيث ينفذ الجانبان مناورات عسكرية باستمرار.

ذكرت في كتابك «السباق للفوز بما تبقّى من خيرات الطبيعة»، أن الولايات المتحدة منذ ما بعد الحرب العالمية الثانية هيمنت على قسم كبير من بلدان الجنوب وشجّعت على الانقلابات العسكرية للإطاحة بالحكومات التي أمّمت مواردها الطبيعية. الصين، من جهتها، لم تشجّع على أي انقلاب ولم تحاول احتلال أي من بلدان الجنوب للسيطرة على مواردها؛ ألا يشير ذلك إلى وجود فارق جوهري في سياستيْ هذين البلدين حيال دول الجنوب؟
- الهدف الرئيسي لاستراتيجية الولايات المتحدة اليوم هو أن تمنع الصين من تحقيق التكافؤ العسكري والاقتصادي والتكنولوجي معها. وهذا يعني، قبل كل شيء، ضمان أن تحتفظ أميركا بتفوقها العسكري على الصين في الوقت الذي تمنعها من الاستحواذ على الوسائل التكنولوجية التي تسمح لها بالمنافسة على قدم المساواة. تلعب الموارد دوراً مهماً في هذا الصراع، خاصة في ما يتعلق بالسيطرة على موارد مثل الكوبالت والليثيوم والعناصر الأرضية النادرة (REEs) التي تُعد ضرورية في مجال الطاقة المتقدمة وتقنيات الحوسبة. وستحتاج الصين والولايات المتحدة إلى كميات كبرى من هذه الموارد في المستقبل لتسهيل انتقالهما إلى «الاقتصاد الأخضر». وتدور حالياً معركة عالمية من أجل السيطرة على الإمدادات الخاصة بها. تاريخياً، أمّنت أميركا وصولها إلى الموارد الحيوية، وبشكل خاص النفط، عبر تدخلات عسكرية مباشرة. وتستخدم اليوم الضغوط الاقتصادية والدبلوماسية لتثني الدول الغنية بالموارد عن التعاقد مع الشركات الصينية. رغم أن الصين لم تستخدم القوة العسكرية للوصول إلى الموارد الحيوية خارج أراضيها، لكنها اتُّهمت بالتعاقد مع قادة فاسدين ومستبدين في دول الجنوب (تماماً مثلما فعلت الولايات المتحدة).

تطرقت في مقالك الأخير، المعنون «وداعاً للقرن الأميركي»، إلى ضرورة تعاون القوى التي ستحتل موقع رأس هرم النظام الدولي، وهي، في نظرك، الصين والهند والولايات المتحدة، رغم التنافس في ما بينها، لمواجهة تحديات العالمية المشتركة. إلى أي مدى ترى إمكانية لمثل هذا التعاون بين واشنطن وبكين مع التصاعد المستمر للتوتر بينهما، والذي انعكس أخيراً، على سبيل المثال، في البيان الصادر عن قمة «مجموعة الدول السبع» (G7)، الشديد اللهجة تجاه الصين؟
- كما ذكرت في مقالي، أعتقد أن الصين والهند والولايات المتحدة ستكون القوى المسيطرة في القرن الواحد والعشرين، بسبب حجم اقتصاداتها وتعداد سكانها وقدراتها التكنولوجية والعسكرية. سيكون من شبه المستحيل حل المشاكل الرئيسية في العالم مثل التغيير المناخي والأزمات الاقتصادية والأوبئة القاتلة من دون مشاركتها الفاعلة و/أو تعاونها المباشر للتوصل إلى مثل هذا الحل. في الوقت الحالي، تتعامل الولايات المتحدة والصين، إحداهما مع الأخرى على أنهما عدوّان محتملان لا شريكان. وهناك خطر كبير أن يؤدي العداء المتبادل بينهما إلى حرب. ومع ذلك، يدرك قادة البلدين أن الحد الأدنى من التنسيق بينهما ضروري لحل المشكلات العالمية التي تؤثر على كليهما. بالنسبة إلى أوكرانيا، مثلاً، أدرك القادة الأميركيون أن الصين سوف يكون لها دور في أي حل نهائي للصراع، بسبب النفوذ الكبير الذي تتمتّع به لدى موسكو. كما أنه مع تفاقم آثار تغيّر المناخ، سيضطر الأطراف الثلاثة للتعاون إذا كانوا يرغبون في تجنب النتائج الكارثية لظاهرة الاحتباس الحراري.

الباحث في شؤون الطاقة والأمن العالمي