«الاتحاد الطلابي في لبنان»، لعلّكم سمعتم عنه قليلاً، أو لربما شاهدتم تحركاته الميدانية التي ضجّت بها وسائل التواصل الاجتماعي؛ تحركات رفضية، تحتج على المؤسسات الرسمية، وقد قامت بها مجموعة من الطلاب الذين وحّدهم الهدف، فشكّلوا ما بات يعرف بـ«الاتحاد الطلابي». فمن هم؟ كيف تأسسوا؟ ولماذا تشكّل هذا الاتحاد؟ من رحم النضال العمالي، ولد الاتحاد الطلابي من أجل المطالبة بحقوقهم، ولا سيما حق التعليم. واستكمالاً لنضال الحركة الطلابية تاريخياً، أعلن الاتحاد عن إطاره الطلابي النقابي، والمقصود بالنقابي هو أن الاتحاد ينطلق من الواقع الاقتصادي والاجتماعي للطلاب ويبني على أساسه الخطاب السياسي، مدافعاً عن حق التعليم ومناضلاً لأجل حماية المجتمع من التفتت. ففي الأول من أيار هذا الشهر، أُعلن عن الاتحاد، من داخل مبنى الاتحاد العمالي العام: «طلاب، طلاب عمّال، عصب المجتمع ومحركو التاريخ، نعلن انتظامنا بوجه الناهبين المتربصين على أعناقنا وأعناق كل المجتمع».
من هنا، بلور الاتحاد أفكاره في سبيل السير قدماً لتحصيل مطالب لاحقة للطلاب. أمّا بنية الاتحاد، فهي مكوّنة من مجموعة طلاب من مختلف المعاهد والجامعات لا تجمعهم خلفية سياسية واحدة، بل هدف واحد، وهم يناضلون في وجه السلطة لإيجاد أرضية ديموقراطية تحتضن الاختلاف السياسي والاجتماعي والاقتصادي. وقد أعلن الاتحاد عن اجتماعه الذي دعت إليه الهيئة التأسيسية بتاريخ 8 نيسان 2023، حيث كانت جلسة مغلقة بحضور طلاب من مختلف المؤسسات التعليمية، وغير طلاب من الناشطين، وأساتذة جامعات، ونقابيين، وإعلاميين. تمحور النقاش حول واقع التعليم الرسمي والخاص في لبنان، وارتباطه المتأصّل بالنظام، وأهمية وغايات التكتل ضمن إطار طلابي نقابي يحقق أهداف الاتحاد، وصولاً إلى تعليم منتج ومجتمع مزدهر. وفي ختام الجلسة، وُزّعت وثيقة انتساب للطلاب الراغبين في الانضمام واستكمال العمل ضمن الاتحاد. وجدير بالذكر أن الاتحاد هو نفسه الهيئة التأسيسية التي كانت لها خطوات تصعيدية في 17 و26 من شهر نيسان الماضي، فهذه الهيئة هي أساس نشوء الاتحاد.
جاءت الخطوات التصعيدية بعد تقاعس الدولة عن الرد على مطالب الاتحاد، وبعد تغافلها وعدم اكتراثها لموضوع الجامعة اللبنانية التي هي جوهر اهتمام الاتحاد. لذلك، قام الاتحاد، في ذلك التاريخ، باقتحام مكاتب شركة «طيران الشرق الأوسط» وتعطيل أقفالها، وذلك لكونها من المتهمين بهدر المال العام في الجامعة اللبنانية عبر استمرارها، منذ نحو عامين، في احتجاز مستحقات الجامعة. فعمد الناشطون إلى كتابة عبارات على الجدران تحمل تهديداتٍ مثل: «مصالحنا بوجه مصالحكم»، كما ألقوا زجاجات مولوتوف على المقر.
«سلّموا الجامعة اللبنانية حقوقها المادية». تحت هذا الشعار، قامت مجموعة طلابية من الهيئة التأسيسية في الاتحاد، ليل السابع عشر من شهر نيسان الفائت، بتعطيل أقفال الأبواب الرئيسية لعدد من فروع «طيران الشرق الأوسط» ضمن نطاق العاصمة بيروت ومحيطها. كما حذّرت المجموعة الشركة من عدم تسليم مبلغ الـ 52 مليون دولار الذي هو ملك الجامعة اللبنانية. من الشعارات التي كتبت على جدران مقارّ «الميدل إيست»: «لنا 52 ولكم هذا التهديد»، «الهيئة التأسيسية»، «طلاب اشتباك».
«إذا لم تنفذوا القرار القضائي وتسلّموا الجامعة اللبنانية حقها بالـ 52 مليون دولار، فسننفذ الحكم بسواعدنا». بهذه الكلمات، نفذ الاتحاد الطلابي العام – الهيئة التأسيسية، ليل الخميس 11 أيار، تحركاً طلابياً على متن طائرة «الشرق الأوسط» العائدة من العراق إلى مطار بيروت الدولي. تمثّل التحرك في إلقاء أحد أعضاء الهيئة التنفيذية بياناً طالب فيه الشركة المذكورة بتطبيق حكم القضاء الذي يقضي بإلزام الشركات بتحويل المبالغ المستحقة بالفريش دولار وإلّا سيطبق بسواعد الطلاب وباسم الشعب. هذا التحرّك المؤجج كان بمثابة خطوة تحذيرية من جملة خطوات متمردة مقبلة، حسب ما أشار أحد أعضاء الهيئة، مؤكداً أن «كل محاولات السلطة اللبنانية لمساندة حيتان المال في هضم حقّ الجامعة وقمع محاولة استردادها، لن تصدّع من إرادة صمودنا في وجهها، وفي وجه كل لصّ أقحم إصبعه في نهب وسرقة وانهيار الجامعة اللبنانية وتشريد طلابها وتفقير كادرها التعليمي والإداري».
لم يقتصر التحرك هنا، بل توعّد أعضاء الاتحاد السلطات بالتصعيد، ولا سيما أنّ أساتذة الجامعة اللبنانية في المقابل يسعون جاهدين للدفاع عن حقوقهم ومنع أي انتهاك يمكن أن يحدّ من تحقيق مطالبهم. هذه التحركات التصعيدية، وغيرها المحتملة في المدى القريب، تصبّ جميعها في تحقيق أهداف الطلاب التي يسعون متمردين لتحقيقها في مواجهة السلطة.

أهداف الاتحاد
يجتمع الطلاب في الاتحاد على أهداف مشتركة بما يخص قطاع التعليم، إن كان من ناحية حق التعليم ومجانيته في بيئة سليمة وجودة علمية متطورة، وتوظيف القدرات الطلابية والجامعية للبدء بعملية بناء اقتصاد منتج وعادل اجتماعياً، وصولاً إلى التشبيك مع النقابات العمالية والفئات الشعبية لبناء مجتمع جديد بوجه التفتت.
انطلاقاً من هذه الأهداف، يسعى طلاب الاتحاد ومؤسسوه إلى أن يصبح التعليم في خدمة المجتمع من أجل استكمال تطوره، من جهة، ولفهم هذا المجتمع وبنيته بهدف إنقاذه من التفتت من جهة ثانية. لذلك، تُشكّل الأزمات اليومية التي يواجهها الطلاب في واقعهم التعليمي معبراً للبحث فكرياً في دوافع التشابك مع النظام من أجل معالجتها جذرياً. ويرى «طلاب الاشتباك» أن هذه الرؤية تشكّل باباً عريضاً لتحقيق أهدافهم، معلنين في ما بعد عن إعداد كتيّب يختصر رؤيتهم حول واقع التعليم والمؤسسات بشكل مفصّل وعلاقتهم بالنظام.
في السياق ذاته، يرى الاتحاد أن أزمة الواقع التعليمي تمتد جذورها في بنية النظام الاقتصادي والسياسي الطائفي من خلال المحاصصة والتوظيف، حيث إن النهج المتّبع في المؤسسات التعليمية كافة يكرّس المصالح الحزبية والطائفية في عمل المؤسسات. هذه العلاقة بين النظام والتعليم مستندة إلى الاستغلال، كما يشخّصها طلاب الاتحاد، بحيث إن النظام يستخدم المؤسسات التعليمية كأداة لإعادة إنتاج نفسه على نفس أهداف العلاقات، أي المراكمة وتعزيز القيمة المضافة لمصلحة طبقة على حساب المجتمع ككل.
يبقى هدف الاتحاد الأوّل، وهو حق التعليم ومجانيته في بيئة سليمة وجودة علمية متطورة. فحماية التعليم الرسمي وتطويره، خيار سياسي نقيض لخيار أحزاب السلطة التي تحمي مصالح ضيقة على حساب الجامعة اللبنانية. أمّا عملياً، فيسعى الاتحاد إلى بناء القدرة على فرض خياراته السياسية.
إذاً، الطلاب في المقدمة، مدافعون عن حقوقهم أينما كانوا، ومصممون على إيصال صرختهم في تحقيق أهدافهم من أجل قطاع تعليم مستدام. لكن تبقى التساؤلات وعلامات الاستفهام محطّ انتظار جواب، كيف تتلقى النقابات والتنظيمات الطلابية والنوادي العلمية والجامعية الأخرى تحركات الاتحاد وعمله؟ وهل الطلاب في مختلف الجامعات والمدارس يمكن أن يتّحدوا في هذا التجمع الطلابي، ولا سيما في الجامعة اللبنانية؟

* صحافية