تتكاثر التحليلات والآراء حول ما يجري في السعودية. في العالم العربي، تتّصف التعليقات بالتهليل والتعظيم والتكبير والمباهاة. اللبنانيون سبّاقون في هذا المضمار، كالعادة. الأطرف، أن المعلّقين (مثل سمير عطالله وغسان شربل ورضوان السيّد وكتّاب «النهار») يثنون على ما يطلقون عليه «إصلاحات» أو «ثورة» محمد بن سلمان. لكنّ هؤلاء أنفسهم كانوا أثنوا في السابق على «إصلاحات الملك عبدالله» و«إصلاحات الملك فهد»، كما كانت «الحياة» ومثيلاتها في الستينيات في بيروت قد أثنت على «إصلاحات الملك فيصل». هؤلاء يثنون على كلّ ملك سعودي، من دون استثناء. تتذكّرون التهليل العربي لإصلاحات مزعومة للملك عبدالله قبل الملك سلمان؟ أنا أذكره. لكن هذا لا ينفي جذريّة التغييرات التي يجريها محمد بن سلمان في المملكة. لِنتّفق على التصنيف والمعايير قبل كلّ شيء. يجب الإقرار في البداية بأن الآراء العربية في موضوع السعودية هي غير حرّة: أي أن لمعظم الإعلاميين والمعلّقين والفنّانين والسياسيين ارتباطات مالية مباشرة أو غير مباشرة بالحكومة السعودية، أو هم يطمحون إلى إقامة علاقات مع النظام السعودي. والآراء في الثناء على محمد بن سلمان تأتي حتى من فريق الممانعة: بشار الأسد ووئام وهاب وجبران باسيل أثنوا بشدّة على إصلاحات ابن سلمان. ما هي التغييرات التي أحدثها ابن سلمان؟ وهل تصل إلى مصاف الثورة أم هي في خانة أخرى من الاعتبار؟
لا يختلف اثنان على أن ما جرى في مصر بعد انقلاب 1952، كان ثورة بكلّ معنى الكلمة. جمال عبد الناصر أحدث تغييرات جذرية في العلاقات الاجتماعية والسياسية في البلد، وهو غيّر النظام الاقتصادي وفلسفة الحكم، بالإضافة إلى السياسة الخارجية. عندما تكون التغييرات جذريّة إلى هذه الدرجة، وعندما تتغيّر طبيعة وخلفيّة الطبقة الحاكمة ونظام الحكم، تكون هي ثورة بحقّ وحقيق. أمّا استبدال سعد الحريري بحسان دياب أو نجيب ميقاتي، أو استبدال الحريري والمشنوق بوضاح صادق، أو استبدال طلال أرسلان بمارك ضو، فهذا يكون من باب تغيير الهندسة الداخلية، أو «الديكور» لمصلحة بقاء النظام. جمال عبد الناصر طبّق ما سمّته ميرفت حاتم سياسة «نسويّة الدولة». حتى في العراق، كانت اتحادات المرأة في الحكم البعثي تعاقب الرجل أو شيخ القبيلة الذي يفرض زواجاً على فتاة. ليس الإصلاح الاجتماعي في السعودية على هذه الدرجة من الجذريّة.
لقد أحدث محمد بن سلمان تغييرات حقيقية في النظام السياسي وفي المجتمع في المملكة. لا يمكن إنكار ذلك، لكنّ تصنيفها ضروري. كانت المملكة قبل عهد سلمان من أكثر الأنظمة تخلّفاً وتحجّراً في العالم أجمع، وكان التزمّت الاجتماعي والديني من أشدّه بين الدول الإسلامية. هذا تغيّر؛ أي أن الانطلاق من القرون الوسطى نحو القرن الثامن عشر هو قفزة بهذا المقياس.
أولاً، غيّر ابن سلمان من طبيعة نظام الحكم، حيث كانت العائلة الحاكمة تَحكم من خلال الملك لكن بالتشاور مع إخوة الملك. هذا تغيّر؛ أصبح الحكم في المملكة استبدادياً وطغيانياً وفردياً مطلقاً أكثر من قبل بكثير. حتى في انقلاب الملك فيصل على أخيه سعود، فإن فيصل اعتمد على إخوانه، واستمرّ في اتّباع نظام المشورة (المحصورة طبعاً بأولاد عبد العزيز، كي لا نخلط بين تراث الشورى في الإسلام، والتشاور بين أولاد الملك المؤسّس). الحكم في المملكة السعودية هو اليوم أقسى وأشدّ وأكثر انغلاقاً من أيّ وقت آخر. لم يسبق أن كانت المملكة محكومة من قِبَل فرد واحد كما هي اليوم. هذه الحقيقة تُبطل أيّ محاولة للحديث عن إصلاحات سياسية في المملكة. ليس هناك من أيّ إصلاحات سياسية في عهد ابن سلمان. صُنع القرار بات محصوراً بيد وليّ العهد ولا يشاركه أيّ شخص في ذلك، ولا حتى أبوه. من هذا المنطلق، ينحصر الحديث عن السعودية في تصنيف السياسات الخارجية والتحوّلات الاجتماعية الجارية.
يفاوض ابن سلمان الإدارة الأميركية على شروط التطبيع مع إسرائيل


في السياسة الخارجية، أجرى ابن سلمان تغييرات هامّة، بعضها جذري. هو مثلاً قطع أشواطاً في التطبيع مع إسرائيل وأخرجه إلى العلن. العلاقات بين إسرائيل والمملكة ليست جديدة، وتعاون النظامان في الحرب ضدّ عبد الناصر في اليمن. لكن بعد 11 أيلول، أشرف عبدالله بن عبد العزيز على الانفتاح على إسرائيل (غالباً، من باب الحوار بين الأديان، وليست الأديان إلّا اسماً كودياً للدين اليهودي في فِرقه الصهيونية حصراً). المملكة قرّرت أن الطريق إلى قلب الكونغرس والبيت الأبيض يمرّ عبر تل أبيب (نفس منطلق توجّه أنور السادات ومن تبعه في التذلّل). ابن سلمان استقبل في يخته مايك بومبيو الذي اصطحب معه نتنياهو، كما أن التنسيق الأمني بين «الموساد» والمخابرات السعودية جارٍ وفق ما تذكر الصحافة الغربية، ومن دون نفي سعودي. ونتنياهو، في كتابه الأخير، يتحدّث عن علاقاته بالمملكة، وإنْ بكلام ليس مبهماً كثيراً. هذا التغيير التدريجي هو جذري لأن آل سعود كانوا يزعمون (كذِباً طبعاً) أنهم في طليعة المهتمّين بتحرير فلسطين. المال السعودي للقضية الفلسطينية كان خوّاتٍ يأخذها ياسر عرفات كي يجنّب المملكة أيّ استهداف لمصالحها، وكي يحافظ على توجّه غير ثوري لـ«منظمة التحرير»، ما قادنا نحو «أوسلو». المجاهرة بخطط التطبيع مع إسرائيل، والتفاوض مع واشنطن حول توقيت إعلانه، هي تغيير جذري من قِبل ابن سلمان. لكنّ النظام السعودي لم يكن يوماً في صفّ العاملين على تحرير فلسطين أو مجابهة الصهيونية، بالرغم من ضخّ عقيدة معادية لليهودية على مرّ العقود لأن ذلك يتّسق مع العقيدة الوهابيّة التي كانت تُرشد حكّام المملكة.
وفي السياسة الخارجية، نجح ابن سلمان في رسم سياسة سعودية جديدة. لِنقرّ بأن ابن سلمان ذكي ومُمسك بملفّات الحكم ويستطيع أن يتحدّث فيها بسهولة. هذا أمر جديد. قد يكون أقرب شخص إلى ذلك بين ملوك السعودية هو الملك فهد والملك فيصل، لكن ابن سلمان أعلمهم في ملفّات الحكم ومتابعة تطبيق السياسات. لكنّ الحكم على درجة إلمامه يجب أن يترافق مع الحكم على سياساته منذ أن تولّى الحكم. هو فشل إلى حدّ كبير في السياسات التي اجترحها. والحاكم الحكيم والمُتبصِّر يجرؤ ويُقدِم لكن لا يجازف أو يُخاطر. كلّ مغامرات ابن سلمان باءت بالفشل: «عاصفة الحزم» كان من المفروض أن تنتهي في غضون أسابيع، حصار قطر كان مفروضاً أن ينتهي بقبول قطر 14 شرطاً وضعها ابن سلمان، ابن سلمان كان مصمِّماً على إسقاط النظام في سوريا وعلى إبعاد «حزب الله» عن الحكم في لبنان. هذه المغامرات أدّت في المحصّلة إلى تراجع وليّ العهد وقبوله بشروط مهينة. عادت قطر إلى موقع أقوى من قَبل، وعلاقتها مع اميركا أوثق من علاقات أيّ من حلفاء أميركا في الخليج (من المعلوم أن أنظمة الخليج تتنافس في ما بينها على إرضاء واشنطن، وقطر تتفوّق على منافسيها، وهي ابتعدت عن موسكو منذ الحرب في أوكرانيا، كما أن إعلامها بات إعلاماً حربيّاً لصالح النظام الأوكراني الصهيوني). قطر هي العضو غير الرسمي في «حلف شمال الأطلسي» من بين الدول العربية، وهي تنفق المليارات على استضافة القوات الأميركية، وتسمح لها بشنّ الحروب من أراضيها. وفي اليمن، وبالرغم من حملات إعلانية ضدّ النظام الحوثي، قبِل النظام السعودي بشروط قاسية لإنهاء الحرب في اليمن، وبناءً على ضغط أميركي، لأن الإدارة الأميركية تشعر بأن ابن سلمان فشل في تحقيقه مراده. وفي لبنان، الرجل الذي كان يسعى إلى السيطرة على لبنان لتحقيق مآرب إسرائيلية في القضاء على المقاومة، اعترف بفشله وسحب الغطاء عن زعماء سنّة لبنان بعد انفضاح عملية اختطاف وتعذيب وقهر سعد الحريري (بالرغم من استخدام الإعلامية الثائرة، بولا يعقوبيان، في عملية البروباغندا التي صاحبت خطف وحجز الحريري). وخطف خاشقجي كان عملاً متهوّراً غير محسوب، وكاد يعزل ابن سلمان وينهي طموحاته الملكية. لولا أهمية الإنتاج والتسعير النفطيَّيْن، ولولا الغطاء الذي وفّرته إسرائيل لولي العهد في عواصم الغرب، لكانت كلّ دول الغرب قد قاطعته ورفضت صعوده إلى العرش. وافتضاح عملية خاشقجي حدَّ من قدرة ابن سلمان على مطاردة وقتل معارضيه (وهذا أثّر أيضاً على قدرة جارته الإمارات).
أمّا عن العلاقة مع الولايات المتحدة، فيكمن الحديث عن النجاح في قدرة ابن سلمان على إدارة العلاقة مع الحليف الرئيس. ملوك السعودية الذين سبقوا ابن سلمان، أبدوا خوفاً وذعراً كبيريْن من إزعاج واشنطن. حتى الملك فيصل، خاف من إطالة أمد حظر النفط في عام 1973، ورضخ لطلب كيسنجر بوقف الحظر (رضخ وهو الذي كان يكرّر عداءه لليهود واليهودية حتى أمام ضيوفه من اليهود الأميركيين). ابن سلمان فهم من تجربة ترامب أن العلاقة بين البلدَين مبنيّة على المقايضة، وبناءً على ذلك، أدرك أن قدرات القوّة عند الرياض في التفاوض مع واشنطن هي أكبر ممّا قدّرها مَن سبقوه من الحكّام. ولهذا، فإن ابن سلمان أزعج واشنطن أكثر ممّا أزعجها من سبقوه في الحكم، متمتّعاً في ذلك بعناصر قوّة جديدة: 1) الوفرة الماليّة التي في حوزته بسبب ارتفاع أسعار النفط: كلّما كبرت ثروة الدول الخليجية، زادت شهية دول الغرب للاستحواذ عليها بشتّى الطرق، خصوصاً في بيع الأسلحة، وهي أهمّ من الاستثمارات المالية (تمدّ أميركا السلاح لـ57% من مجمل الدول المتسلّطة في العالم بحسب دراسة لموقع «إنترسبت». 2) التغطية المهمّة التي يحظى بها من اللوبي الإسرائيلي، حتى إن جو بايدن في تفسير تكويعته نحو السعودية (بعد أن كان وصفها بحكم الدولة المارقة، وبعد أن كان قد قال في حملته الانتخابية إنه لا يجد فضيلة واحدة في شخصية ابن سلمان)، ذكر علاقة المملكة مع إسرائيل، وطلب إسرائيل تحسين علاقته بالمملكة. كان اللوبي الإسرائيلي في الماضي في تضادّ مع المملكة. 3) إن شبكة توزيع القوّة في العالم لم تَعُد كما كانت عند انتهاء الحرب الباردة: المحور الصيني ينمو ويزداد قوّة، ما يعطي قدرة للدول النامية على المناورة. والدول الأفريقية تطوّر علاقاتها مع روسيا بالرغم من أن قدراتها أقلّ بكثير من قدرات الصين. محمد بن سلمان تعلّم الحرد ونجح في رهانه على أن أميركا لا يمكن إلّا وأن ترضخ في النهاية لمراضاة السعودية، وهذا ما حصل. لم تجرؤ الإدارة الأميركية على انتقاد المصالحة الإيرانية - السعودية، ولم تجرؤ على انتقاد المصالحة السورية - السعودية. وزير الخارجية الأميركي تجرّأ فقط على تقريع وزير خارجية الأردن لأنه هدف سهل في دولة فقيرة لا قدرة لها على شراء السلاح الأميركي الباهظ الثمن.

الحديث عن ثورة يقف عند حدود عقوبة السجن ثلاثين سنة للتغريدة الواحدة


أمّا في الداخل، فهناك يمكن الحديث عن إصلاحات. لكن: هل هي إصلاحات أم حملة علاقات عامّة؟ تأثّر ابن سلمان بتجربة حكومة الإمارات. وحكومة الإمارات (وخصوصاً حكومة دبيّ) تحكم من خلال شركات علاقات عامّة أوروبية أو أميركية. هم يطلعون بمبادرات فارغة لا قيمة لها، مثل إيجاد منصب وزير السعادة أو وزير التسامح (وللصدفة، فإن وزير التسامح متَّهم بالتحرّش الجنسي والاغتصاب، ولولا حماية الحكومة البريطانية وتدخّل أبو ظبي مباشرة، لكان قد أدين في محكمة بريطانية، تماماً مثلما تدخّلت أبو ظبي للحفاظ على سريّة محاكمة الأميرة هيا ضدّ زوجها السابق في محكمة بريطانية). شركات العلاقات العامّة تطلع بحيل وخدع من أجل تخفيض منسوب النقد في إعلام الغرب، وهي كانت تعلم أن منع المرأة من قيادة السيارة يمثّل أولوية عند الرأي الليبرالي الغربي، شأنه شأن لباس المرأة المسلمة. وكانت السعودية هي الدولة الوحيدة في العالم التي تمنع المرأة من قيادة السيارة، وقرار السماح لها بالقيادة جاء بعد نحو قرن من السماح للمرأة بقيادة السيارة والطائرة في دول المشرق ومصر. وعندما يزول عاملا اللباس وقيادة السيارة، لا تعود النسويّة الغربيّة تكترث لوضع المرأة في بلادنا. كلّ ما شغل بال حكومات وإعلام الغرب عن أفغانستان هو البرقع: يبقى أو يزول بوجود الاحتلال الأميركي. القنابل الأميركية فوق رؤوس نساء أفغانستان لم تزعج نسويّات الغرب الليبراليّات.
ثمّ هناك «هيئة الترفيه». هنا، أحدث ابن سلمان تغييراً كبيراً وغير مكلف له. إلهاء الشباب السعودي وحرفه عن الدين المتزمّت نحو الرقص والغناء والمصارعة والرياضة، كلّ ذلك كان في صلب برنامج ولي العهد. وكان ذلك ضمن إصلاح دور المؤسّسة الدينية وإبعادها عن الحيّز الثقافي، وهو دور ظلّ يتعاظم منذ انتفاضة الحرم في عام 1979. قلّص ابن سلمان دور السلطة الدينيّة، وقمعَ رجال الدين من الذين لم يماشوه في سياساته الجديدة، وهو غيّر الهويّة السياسية للمملكة، وزرع هويّة وطنية (غير دينية) تستعير من وطنيّة الشوفينية المصرية واللبنانية. لكن من المبكر الحديث عن نجاح في هذا الصدد. وحدها الـ«إيكونومست» تحدّثت عن نقمة متزايدة بين الناس لأن ابن سلمان نقل وجهة الرأي العام من نقيض ديني متزمّت إلى نقيض لا ديني مبنيّ على الترفيه الرخيص والمبتذل، بقيادة الخبير في هذا الترفيه، أي تركي الشيخ، صاحب الكلمة الفصل في الثقافة والفن العربيّيْن. قد تنمو معارضة دينيّة في داخل المملكة وقد تأتي نهاية ابن سلمان من هذا القطاع.
أمّا محاربة الفساد، فهذه أيضاً من باب العلاقات العامّة. ابن سلمان لم يستهدف رجال الأعمال والأمراء بصورة عامّة. هو استهدف فقط أولئك الذين سجّلت المخابرات السعودية لهم كلاماً معارضاً لحكمه وشخصه. ولم يكن هناك أيّ إطار قانوني أو مؤسّساتي لإلقاء القبض على الأمراء ورجال الأعمال (لا يزال الوليد بن طلال ممنوعاً من السفر، ولا يزال يرتدي القيد الإلكتروني على مدار الساعة). ثمّ، ماذا تغيّر في الإدارة المالية للمملكة؟ هل أصبحت أكثر شفافية؟ كيف اقتنى ابن سلمان أغلى يخت في العالم، كما اقتنى لوحة مزوّرة بـ450 مليون دولار؟ الأكيد أن الشراء خضع للجنة المالية والموازنة في مجلس الشورى، الذي له من الصلاحية ما لدى مجلس النواب السوري أو الأردني أو البحريني أو القطري أو العماني أو الأوكراني.
للمصالحة مع سوريا وإيران حسابات أخرى. يفاوض ابن سلمان الإدارة الأميركية على شروط التطبيع مع إسرائيل. هو يحتاج إلى تغطية عربية وإسلامية، والنظام السوري لم ينبس ببنت شفة ضدّ التحالف الإماراتي والبحريني مع إسرائيل لأن النظاميْن تصالحا معه (كلمة تطبيع يجب أن تنحصر في العلاقة مع دولة الاحتلال لا مع غيرها). فشل ابن سلمان في تحقيق تطبيع بين إندونيسيا وإسرائيل أو بين باكستان وإسرائيل للتغطية على التطبيع السعودي في أوانه (قد يكون عمران خان دفع ثمن رفضه إملاءات السعودية وأميركا حول إسرائيل وحول السيادة). ولهجة الإعلام والحكومة في إيران تغيّرت عن السعودية بمجرّد أن أُعلنت المصالحة مع الرياض. لكنّ الإعلام السعودي لا يزال على عهده من تحريض ضدّ النظام الإيراني وكلّ حلفائه «الإرهابيّين» في عُرف السعودية، التي لم تعد تشير إلى إرهاب إسرائيل بالإرهاب. موقع «أكسيوس» نشر مقالة قبل يومين للصحافي الإسرائيلي، باراك رافيد، عن إصرار إدارة بايدن على تحقيق التطبيع السعودي مع إسرائيل في غضون شهور قليلة. لكنّ ابن سلمان يفاوض على الثمن: 1) هو يريد أسلحة متطوّرة، وليست تلك التي تحصل عليها دول الخليج وتكون متخلّفة في تصنيعها وتشكيلها عن مثيلاتها عند الحليف الإسرائيلي. 2) يريد تطويباً له ملكاً من قِبل إدارة بايدن. 3) يريد خفض الصوت بالنسبة إلى ردّة الفعل على جرائم المملكة في الداخل والخارج. لكن مشكلة ابن سلمان باتت عويصة، وهي نفس مشكلة بنيامين نتنياهو. ربط ابن سلمان سياساته مع الحزب الجمهوري، والحزب الديموقراطي (على مستوى القاعدة) غير راضٍ عن أيّ علاقة مع السعودية. من مصلحة ابن سلمان أن يقود الحزب الجمهوري في الولايات المتحدة في السنوات المقبلة، لكنّ أموال السعودية لا تستطيع أن تضمن ذلك، بالرغم من إنفاق إماراتي وسعودي وقطري هائل في واشنطن للسيطرة على السردية السائدة في الإعلام ومراكز الأبحاث (ليست «مؤسّسة الشرق الأوسط» في واشنطن إلّا دكّانة ترويج لأنظمة الخليج بعد أن كانت لعقود مركز تضادّ مع اللوبي الصهيوني).
إن حالة القمع والخوف في المملكة لم يسبق لها مثيل. وكان حكّام المملكة السابقون مشهورين بإصدارات العفو. الحاكم الحالي ظالم وقاسٍ وحقود أكثر من أسلافه. الحديث عن ثورة وعن إصلاح يقف عند حدود عقوبة السجن ثلاثين سنة للتغريدة الواحدة (تمتدّ العقوبة لو قرّر الجاني أن يستأنف الحكم).
* كاتب عربي - حسابه على تويتر
asadabukhalil@