كلّما عملت السلطات في بلد على خدمة أغنياء، ونتج عن ذلك فشل حتميّ في تقديم بيئة اقتصاديّة واجتماعيّة لحياة أفضل لطبقات واسعة منها، حاولت إخفاء حقيقة الحرب التي شنّتها تلك السلطات مع أولئك الأغنياء على الفقراء لسلبهم نتاج عملهم، وحاولت تغييب وعيهم لواقعهم بِحَرْفِ غضبهم عن هدف تغيير السياسات والقيادات نحو أمر آخر. في لبنان يقوم السياسيّون والمتموّلون المستفيدون من النظام السياسي-الاقتصادي بعمليّة تغييب الوعي الشعبيّ عن طريق توجيه الغضب الداخليّ المتعاظم جرّاء سياسات التفقير الممنهج التي يتّبعونها إمّا نحو الآخر «الغريب» من الطوائف الأخرى بإلباس صراعهم على الثروة لباساً طائفيّاً، أو نحو «الغريب» من البلاد الأخرى، لكي يغدو «الغريب» كبش محرقة لذلك الغضب.
هناك بُعدان لوجود اللاجئين السوريّين في لبنان، البُعد الواقعيّ الملموس، من اقتصاديّ وسياسيّ واجتماعيّ وما شاكل، والبُعد الواقعيّ الأخلاقيّ.
صحيح أنّ وجود عدد كبير من اللاجئين بالنسبة إلى عدد السكّان الأصليّين في أيّ بلد يشكّل تحدّياً اقتصاديّاً واجتماعيّاً يجب أن يكون أولويّة لأيّ حكومة ومجلس نيابي في أيّ بلد، لكنّ الوضع في لبنان يتميّز بتخلّف الحكومات ومجلس النوّاب عن القيام بأيّ تخطيط لتحسين الوضع المعيشيّ في لبنان، وذلك منذ نهاية الحرب الأهليّة. تخلّف هؤلاء عن القيام بمسؤوليّاتهم هو ما أدّى في النهاية إلى الانهيار الاقتصاديّ، واليوم هم يستمرّون في تخلّفهم عن مسؤوليّتهم بالدفاع عن حقوق اللبنانيّين الاقتصاديّة والاجتماعيّة أمام عمليّة السطو العمليّ عليها.
في ظلّ هكذا مشاركة من سلطات البلاد في عمليّة القتل البطيء للشعب اللبنانيّ، لا يمكننا إلّا أن نتوقّع أنّ هذه السلطات لن تقوم بمواجهة التحدّيات الاقتصاديّة والاجتماعيّة الناتجة عن لجوء المواطنين السوريّين إلى لبنان، بل نحن نلاحظ تأليباً سياسيّاً إعلاميّاً ضدّ المواطنين السوريّين بهدف تحويلهم إلى كبش محرقة يُصَبّ عليها الإحباط والغضب الشعبيّ فينحرفان بذلك عن المسبّبين الحقيقيّين للبؤس العام في المجتمع.
الأوضاع السيّئة في لبنان سببُها السياسيّون وليس وجود اللاجئين. ماذا ينتفع اللبنانيّون واللبنانيّات من غضبهم على اللاجئين؟ وماذا ينفعهم أن يعودوا إلى بلادهم (على افتراض أنّ ذلك ممكن)؟


أمام هكذا أوضاع، لا يبقى أمامنا إلّا التشديد على الوعي والبعد الأخلاقيّ، الدينيّ خاصّة، في التعامل بين الناس، علّ ذلك يحفّف من احتمال انجرار الناس إلى فخّ كبش المحرقة الذي يروّج له إعلام ينبغي محاكمته، والذي سيتضرّر منه اللاجئون أساساً وقد تُسفك دماؤهم جرّاء حملات التحريض، وهو ما لن يغيّر في الأوضاع اليوميّة في البلاد إلاّ بدفعها نحو الأسوأ، عدا أنّ أيّ غضب موجّه نحو اللاجئين هو غضب في غير محلّه وغير محقّ.
ثمّ لِم الغضب من اللاجئين أساساً؟ الأوضاع السيّئة في لبنان سببها السياسيّون وليس وجود اللاجئين. ماذا ينتفع اللبنانيّون واللبنانيّات من غضبهم على اللاجئين؟ وماذا ينفعهم أن يعودوا إلى بلادهم (على افتراض أنّ ذلك ممكن)؟ هل سينزل سعر الدولار؟ هل ستفرّخ مجالات العمل المختلفة في الصناعة والزراعة والاقتصاد الرقميّ والذكاء الصناعي؟ هل سيزيد الدخل الوطنيّ وتوظَّف الثروة الوطنيّة في خدمات صحّية مجانيّة وتعليم جامعيّ متقدّم؟ هل يزيد تمويل الأبحاث؟ هل ستصبح مدارس الدولة أفضل نوعيّاً؟ هل ستعود الكهرباء؟ هل سيُحاسب أيّ من المسؤولين عن الأوضاع الحاليّة؟ حتماً لا.
الغضب تجاه الأبرياء والمستضعفين هو غضبٌ حرام مهما سوّغه إعلام مأجور وسياسيّون قذرون. الغضب الحلال هو ذاك الغضب الذي يجب أن يتوجّه في اتّجاه خلق قوّة قادرة على فرض تغيير حقيقيّ في طريقة تعامل سلطات البلاد مع حقوق المقيمين، مواطنين ولاجئين، فتضطرّهم لتنفيذ سياسات تخدم مصلحة الأكثريّة المهمّشة وليس طبقة الواحد في المئة الأكثر دخلاً.
ينبغي فضح محاولات توجيه غضب الطبقات المسحوقة بسبب المسؤولين، نحو كبش محرقة، ومواجهتها بالعقل وبالبعد الأخلاقيّ، حتّى يحين موعد بعد اقتصاديّ غائب حاليّاً بحكم المواقف العمليّة (وليس تلك الكلاميّة) للقوى المؤثّرة في سياسات الدولة.

* كاتب وأستاذ جامعي