بداية حرب الأيام الستّة، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي الثالث ليفي أشكول: «نحن متّحدون وأقوياء كما لم نكن من قبل».اليوم، بات الأمر مختلفاً. فهل كان من الممكن توقّعُ أنه قد تكون نهاية «الكيان المؤقت» على يد قاداته، وأن نرى انقساماً في الشارع كما نشهد في بلداننا العربية؟ بل أكثر من ذلك، أن يصبح الحاكم الأول للكيان شبيهاً بزعيم عربي لا يستمع إلى نصائح أحد من المعارضين، وحتى القريبين منه، بل ويوضع تحت ضغط أميركي في النهاية للحفاظ على موقعه وتبرئة اسمه من اتهامات الفساد!
للوهلة الأولى، قد يقال إن هذا الانقسام سينتهي عاجلاً، ولن يقبل من في الحكم أن تنتهي «دولة الحلم»، على الأقل كما سقط حكم كثيرين إبّان «الربيع العربي». لكن لنفترض مثلاً أنه في ظل هذا الانقسام استطعت أيها العربي أن تكون تلك اليد التي تدفع الدولاب بشكل قوي نحو آخر «النزلة»، ماذا تفعل؟ ما أحاول لفت الانتباه إليه، وعبر فكرة الدولاب، أن «الكيان المؤقت» في ظل هذا الانقسام الكبير ربما - مع ترجيح - يحتاج إلى سلسة من الإجراءات، لا تؤدي إلى نهايته اليوم، لكنها تبقي الدولاب في مسار هبوطه من دون أن يقف في منتصف «النزلة»، ليستقر عند مصيره - الهاوية.
في بداية حرب الأيام الستة، قال أشكول مقولته لكن قالها في ظل تزعزع صفوف أعدائه، وفي اللحظة المثلى للعقيدة الصهيونية الدافعة للتقدّم نحو اللانهاية، لذا كانت الحملة الإسرائيلية حاسمة. وهو ما جرى واقعاً في ستة أيام. ويمكن القول إنّ نشأة «عقيدة الحسم» بدأت من هناك، وكان لها ردّ فعل عكسي على الدول العربية آنذاك حتى نهاية عام 2000.
وللإيجاز في توضيح «عقيدة الحسم» الإسرائيلية، نطرح مثالاً مهمّاً لتبيان المعنى: لبنان.
لا شك في أن هناك ترابطاً بين الحسم والردع، فمع توالي السنين وما حملته من معارك بين إسرائيل والفصائل المتنامية القوة في غزة، والانحراف السريع في مسار «عقيدة الحسم» لما أفضت إليه نتائج حرب الـ 2006 مع حزب الله، تفككت عقيدة الحسم السريع في المعارك. إذ لم يستطع الكيان احتلال غزة ولا سحق حزب الله، بل كان، وبعد كل معركة يخرج منها، يتآكل ردعه أكثر، وتزداد قدرات المقاومة بمختلف فصائلها، مع تثبيت من قبلها لمعادلات جديدة سبّبت في كثير من المواضع معارك وزادت من ضربات ما بين الحروب... وصولاً إلى «وحدة الساحات».
فرضت «معادلة الأقصى» التي تحدّث عنها الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصر الله، مساراً جديداً على مجريات الصراع مع الكيان، حيث أمسى محور المقاومة موحّداً تجمعه معادلة واحدة راسخة: «الاعتداء على الأقصى يعني الحرب». ومع تثبيت هذه المعادلة إزاء ما جرى إبّان معركة «سيف القدس» وما تلاها من هبّة شعبية كبيرة في مختلف أراضي الـ 48 والضفة، بالتالي وصلت الرسالة إلى إسرائيل؛ بأن الصراع أمسى مع المحور لا مع فصيل واحد. وعليه، لجأ الكيان إلى الاعتماد في معركة «وحدة الساحات»، هروباً من المواجهة الشاملة، على استراتيجية «الأيام القتالية».
تعتمد استراتيجية «الأيام القتالية» الحالية على عناصر متعددة، أهمها المباغتة والوقت. كانت معركة «وحدة الساحات» العام الفائت التجربة الأولى لاستراتيجية الأيام القتالية من قبل العدو الإسرائيلي على قطاع غزة، وأظهرت مجرياتها بشكل واضح الأسلوب المعتمد؛ حيث كان عنصر المباغتة هو الأول لناحية الاغتيال السريع والدقيق لقائد المنطقة الشمالية في «سرايا القدس» بشكل غير متوقع. العنصر الثاني كان تحقيق أهداف مهمة، إمّا على صعيد الكادر البشري، أو اللوجستي، فيكون لتحقيق هذه الأهداف أثر كبير على المُستهدف بحيث تفقده القدرة على السيطرة في المعركة. الثالث، إدارة الحملات الإعلامية والسياسية بما يناسب حصر المعركة بأيام. والعنصر الأخير، الخروج من الحرب في أيام معدودة ومن دون السماح بأن تطول أكثر.
أدّت هذه العوامل جميعها إلى أن استطاع الإسرائيلي الخروج من هذه المواجهة القصيرة، التي امتدت قرابة يومين، بأقل الأضرار، والقدرة، نسبياً، على ترميم ما هدم من ردع إزاء معركة «سيف القدس» وما تلاها، وإلحاق قدر كبير من الخسائر في صفوف «الجهاد الإسلامي».
إذاً، ما بات «الكيان المؤقت» عليه اليوم، وبشكل محدد، هو كيان يعتمد على المعالجات المؤقتة، ومرجع ذلك عدم القدرة على استئصال المشكلة من أساساتها، فصار يتّكل على استراتيجيات مؤقتة غير مجدية تعالج ظرفها القائم بلا تقديم حلول طويلة الأمد.
عام 1967، ستّة أيام حسمت معركة أسّست قواعد صلبة لكيان محتل، واليوم بات يحكى عن أيام قتالية بلا حسم نتيجة التخبّط في قواعد الكيان. ومع هذا التآكل في الأمن والردع، وفي ظلّ انقسام سياسي حادّ، ألا تحتاج عجلة النزول إلى دفعة للحفاظ على مسار هبوطها؟
* كاتب لبناني