إن الممارسات اللاإنسانية التي يرتكبها جيش الاحتلال الإسرائيلي وميليشيات داعش في العراق، يجب أن لا تمرّ من دون معاقبة مرتكبيها والمحرضين عليها والمشاركين والمتدخلين فيها سواءً بالدعم المالي أو الإعلامي أو المعنوي أو بالتدريب والتسليح أو بأي وجهٍ آخر من وجوه المشاركة والتدخل.
وإن غضّ النظر عن هذه الارتكابات في الماضي أتاح للمجرمين تكرار جرائمهم، كما سمح للداعمين معاودة نسج مؤامراتهم، ولهذا كان لا بدّ من الحزم مع المرتكبين لأن السماح بإفلاتهم من العقاب سيكون له انعكاساتٍ على السلم والأمن الدوليين.
ولهذا كان موقف كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية من خلال توصيف هذه الجرائم المرتكبة بالتزامن في كلٍ من فلسطين المحتلة والعراق وسوريا، من قبل كلٍ من جيش الاحتلال الإسرائيلي وميليشيا داعش، فالاثنان حفلت سيرتاهما بمثل هذا النوع من الجرائم.
ويبرز الوجه البشع لجرائم جيش الاحتلال الإسرائيلي وميليشيا داعش في كونهما يتعرّضان بصورة فاضحة وغير إنسانية لأشخاصٍ توقَّفوا أو لم يشاركوا في النزاع المسلح، وهم المدنيون والأسرى، وكذلك من خلال تعرّضهم لممتلكات محميّة بالعرف وقواعد القانون الدولي الإنساني. إن ما قام به جيش الاحتلال الإسرائيلي في غزة وميليشيا داعش في العراق وسوريا، هو أعمال بعيدة كل البعد من مبادئ الشهامة والشرف العسكري، التي تمنع استعمال السلاح الذي لا يتفق استعماله مع الشرف أو القيام بعملٍ من الأعمال الوضيعة اللاإنسانية، إذ إن قتل الجرحى أو الأسرى أو الاعتداء على النساء والأطفال أو على المدنيين غير المشاركين في الأعمال القتالية بوجه عام، أو هدم الأبنية الدينية والمباني الأثرية ومهاجمة قوافل الإغاثة والصحافيين وطاقم الإسعاف، كلها أمور تخرج عن إطار أهداف الحرب وتعد أعمالاً غير إنسانية.

مجلس الأمن مدعوٌّ
لإحالة جرائم الاحتلال وداعش أمام المحكمة الجنائية

أما لناحية الجرائم المرتكبة من جيش الاحتلال الإسرائيلي وميليشيا داعش، فنوجزها وفقاً لتوصيفها القانوني.
أولاً: ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية، التي عرّفتها المادة 6 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية بأنها: «أيّ فعل من الأفعال التالية يرتكب بقصد إهلاك جماعة قومية أو إثنية أو عرقية أو دينية، بصفتها هذه إهلاكاً كلياً أو جزئياً، ومن صورها:
أ- قتل أفراد الجماعة.
ب- إلحاق ضرر جسدي أو عقلي جسيم بأفراد الجماعة.
ج- إخضاع الجماعة عمداً لأحوال معيشية يقصد به إهلاكها الفعلي كلياً أو جزئياً.
...
تبيّن من وقائع الميدان في غزة (فلسطين المحتلة)، أن جيش الاحتلال الإسرائيلي، قد أقدم على فرض حصار خانق على غزة بحراً وبراً وجواً، وهذا الحصار يدخل ضمن مندرجات البند ب من هذه المادة من خلال اخضاع أهالي غزة عمداً لأحوالٍ معيشية يقصد بها إهلاكها الفعلي على الأقل إهلاكاً جزئياً. وبهذا يصنّف هذا الفعل ضمن خانة جرائم الإبادة الجماعية.
وكذلك فعلت ميليشيا داعش من خلال حصارها قرى وبلدات بهدف القضاء الكلي على سكانها، وممارسة القتل الجماعي لسكان هذه القرى والبلدات، لأهدافٍ دينية. علماً أن إثبات النيّة في الحالتين ممكن، خصوصاً بعدما أعلن مسؤولو الطرفين في العديد من التصريحات السياسية والاعلامية، نياتهم بشكل واضح.
ثانياً: ارتكاب جرائم ضد الإنسانية: وهي الجرائم التي عددتها في لائحةٍ مفصلة، المادة السابعة من نظام روما للمحكمة الجنائية الدولية، واعتبرت أي فعل من الأفعال المذكورة في هذه المادة «جريمة ضد الإنسانية» متى ارتُكبت في إطار هجوم واسع النطاق أو منهجي موجه ضد أي مجموعة من السكان المدنيين، وعن علم بالهجوم، والمتضمن نهجاً سلوكياً يتضمن الارتكاب المتكرر لهذه الأفعال الضد أية مجموعة من السكان المدنيين، عملاً بسياسة دولة أو منظمة تقضي بارتكاب هذا الهجوم، أو تعزيزاً لهذه السياسة.
وقد تبيّن من خلال الوقائع، أن كلاً من جيش الاحتلال الاسرائيلي وميليشيا داعش قد ارتكب الجرائم ضد الإنسانية، الآتي ذكرها:
- جرائم القتل العمد، إذ أقدم جيش الاحتلال الاسرائيلي على استهداف المدنيين عمداً بقصد القتل، وكذلك أقدمت ميليشيا داعش على ارتكاب مجازر القتل العمد بحقّ المدنيين في سوريا والعراق.
- جريمة الإبادة، من خلال تعمدّ جيش الاحتلال الاسرائيلي في غزة وميليشيا داعش في أماكن سيطرتها، على فرض أحوال معيشية، من بينها الحرمان من الحصول على الطعام والدواء، بقصد إهلاك جزء من السكان.
- جريمة إبعاد السكان أو النقل القسري للسكان، أي نقل الأشخاص المعنيين قسراً من المنطقة التي يوجدون فيها بصفة مشروعة، بالطرد أو بأي فعل قسري آخر، من دون مبررات يسمح بها القانون الدولي؛
لقد تبيّن من الوقائع أن جيش الاحتلال الإسرائيلي أقدم خلال عدوانه السابق على الفلسطينيين على إبعاد السكان قسراً من المناطق التي كانوا يوجدون فيها، وكذلك فعلت ميليشيا داعش التي أقدمت بكّل بلدةٍ دخلتها إلى إبعاد السكان قسراً ولا سيما إبعاد مسيحيي وأكراد الموصل.
مع العلم أن هذه الجريمة لا تسقط بالتقادم، إذ من الممكن ملاحقة مرتكبيها مهما مرّ عليها الزمن، عملاً بالمادة 29 من نظام المحكمة الجنائية الدولية.
- جريمة السجن أو الحرمان الشديد على أي نحو آخر من الحرية البدنية، والثابت أن سجون الاحتلال اسرائيلي وأماكن الاعتقال لدى ميليشيا داعش مليئة بالمعتقلين المدنيين.
- جريمة التعذيب، من خلال تعمد إلحاق ألم شديد أو معاناة شديدة، سواء بدنياً أو عقلياً، بشخص موجود تحت إشراف المتهم أو سيطرته، وتشير التقارير الصادرة عن منظمات حقوقية أن الاحتلال الإسرائيلي وميليشيا داعش، يمارسان أسوأ أنواع التعذيب بحق المعتقلين.
- جريمة الفصل العنصري، وهي جريمة الاضطهاد المنهجي والسيطرة المنهجية من جانب جماعة عرقية واحدة إزاء أية جماعة أو جماعات عرقية أخرى، وترتكب بنيّة الإبقاء على النظام.
والثابت أن كلاً من جيش الاحتلال الاسرائيلي وميليشيا داعش يمارس جريمة الاضطهاد المنهجي لكل من يقيم في نطاق سيطرتهما بقصد الإبقاء على نظاميهما العنصريين.
- جريمة اضطهاد أية جماعة محددة أو مجموع محدد من السكان لأسباب سياسية أو عرقية أو قومية أو إثنية أو ثقافية أو دينية، وذلك من خلال حرمان جماعة من السكان أو مجموع السكان حرماناً متعمداً وشديداً من الحقوق الأساسية بما يخالف القانون الدولي، وذلك بسبب هوية الجماعة أو المجموع.
من الواضح جداً مدى الاضطهاد الذي تمارسه ميليشيا داعش على كل من يخالفها الرأي أو الديانة، وكذلك هو واضح أيضاً الاضظهاد الذي يمارسه الاحتلال الإسرائيلي على الفلسطينيين.
- جريمة الاختفاء القسري للأشخاص، وهي جريمة إلقاء القبض على أي أشخاص أو احتجازهم أو اختطافهم من قبل دولة أو منظمة سياسية، أو بإذن أو دعم منها لهذا الفعل أو بسكوتها عليه. ثم رفضها الإقرار بحرمان هؤلاء الأشخاص من حريتهم أو إعطاء معلومات عن مصيرهم أو عن أماكن وجودهم، بهدف حرمانهم من حماية القانون لفترة زمنية طويلة. ولعلّ ميليشيا داعش فاقت جيش الاحتلال الاسرائيلي في ارتكاب هذا النوع من الجرائم، إذ لم تدلِ بأي معلومات حول مصير آلاف الأشخاص الذين اعتقلتهم لأسبابٍ دينية.
ثالثاً: جرائم الحرب: عرَّفتها المادة الثامنة من نظام روما وحدَّدت الأفعال المكونـة لها، ضمن قائمـة مطولـة من الأفعال التي تطبَّق سواءً تلك التي تقع في النزاعات الدوليـة المسـلحة أو التي تقع في النزاعات الداخليـة المسـلحة عبر تحديد أفعالها والمقصود بالمنازعات المسـلحة الداخليـة بأنهـا: «المنازعات المسـلحة غير ذات الطابع الدولي، وهي لا تنطبق على حالات الاضطرابات والتوترات الداخليـة، مثل أعمال الشـغب أو أعمال العنف المنفردة أو المتقطعـة أو غيرها من الأعمال ذات الطبيعـة المماثلـة. بل تطبق على المنازعات المسـلحة التي تقع في إقليم دولـة عندما يوجد صراع مسـلح متطاول الأجل بين السـلطات الحكوميـة وجماعات مسـلحة منظمـة أو فيمـا بين هذه الجماعات». وتعتبر من جرائم الحرب: الانتهاكات الجسـيمة لاتفاقيات جنيف المؤرخة في 12/8/1949، والانتهاكات الخطيرة الأخرى للقوانين والأعراف السـارية على المنازعات الدوليـة المسـلحة في النطاق الثابت للقـانون الدولي، والتي تهدف إلى حمايـة السـكان المدنيين بشـكل رئيسـي وممتلكاتهم أثناء العمليات العسـكرية أو الاحتلال، والحد من فظاعـة الحرب بتهذيبها واقتصارها على الضرورات والأهداف العسـكرية.
وقد تبيّن من وقائع الميدان أن جيش الاحتلال الاسرائيلي وميليشيا داعش قد ارتكبا كل في مناطق عدوانه أو سيطرته، جرائم الحرب الآتية:
القتل العمد ، التعذيب أو المعاملة اللاإنسانية، تدمير واسع النطاق بالممتلكات والاستيلاء عليها من دون أن تكون هناك ضرورة عسكرية تبرر ذلك وبالمخالفة للقانون وبطريقة عابثة، الإبعاد أو النقل غير المشروعين أو الحبس غير المشروع، أخذ رهائن، تعمد توجيه هجمات ضد السكان المدنيين بصفتهم هذه أو ضد أفراد مدنيين لا يشاركون مباشرة في الأعمال الحربية، تعمد توجيه هجمات ضد مواقع مدنية، تعمد شن هجوم مع العلم بأن هذا الهجوم سيسفر عن خسائر تبعية في الأرواح أو عن إصابات بين المدنيين أو عن إلحاق أضرار مدنية، مهاجمة أو قصف المدن أو القرى أو المساكن أو المباني العزلاء التي لا تكون أهدافاً عسكرية، قتل أو جرح مقاتل استسلم مختاراً ، تعمد توجيه هجمات ضد المباني المخصصة للأغراض الدينية أو التعليمية أو الفنية أو العلمية أو الخيرية والآثار التاريخية والمستشفيات وأماكن تجمع المرضى والجرحى، نهب أي بلدة أو مكان حتى وإن تم الاستيلاء عليه عنوة، تعمد توجيه هجمات ضد المباني والمواد والوحدات الطبية ووسائل النقل والأفراد من مستعملي الشعارات المميزة المبينة في اتفاقيات جنيف طبقاً للقانون الدولي، تعمد تجويع المدنيين كأسلوب من أساليب الحرب بحرمانهم من المواد التي لا غنى عنها لبقائهم، بما في ذلك تعمد عرقلة الإمدادات الغوثية.
وما يلفت ضمن قائمة هذه الجرائم هو اشتراك جيش الاحتلال الاسرائيلي وميليشيا داعش في ارتكاب جريمة الاعتداء على الأماكن الدينية والأثرية، فجيش الاحتلال الاسرائيلي يعمل على تغيير المعالم الأثرية في القدس والخليل وغيرها وتدمير المساجد وأماكن العبادة، وكذلك تفعل ميليشيا داعش في العراق وسوريا من خلال تدمير الأماكن الدينية والأثرية وكل ما له صلة بالحضارات الإنسانية القديمة.
يبدو جلياً، ومن دون أدنى شك، بأن جيش الاحتلال الاسرائيلي وميليشيا داعش يتشابهان في العقلية الجرمية اللاإنسانية واللاأخلاقية، وهما بما فعلا من جرائم لا توصف ولا تعدّ إنما انتهكا معظم قواعد القانون الدولي الإنساني، ويستحقان المعاقبة على ما ارتكباه بحق الشعب الفلسطيني والشعبين العراقي والسوري.
وأن مجلس الأمن الدولي مدعوٌّ لإحالة جرائم الاحتلال الإسرائيلي وجرائم ميليشيا داعش أمام المحكمة الجنائية الدولية، ومحاسبة المسؤولين عن ارتكاب تلك الجرائم ومن حرّض ومن سهّل ومن نفذ، كما سبق له أن فعل مرتين، الأولى: عندما أحال قضية دارفور أمام المحكمة الجنائية الدولية بموجب القرار رقم 1593/2005 تاريخ31/3/2005، والثانية: عندما أحال بموجب قراره رقم ١٩٧٠ تاريخ ٢٦ شباط ٢٠١١، قضية ليبيا أمام المحكمة الجنائية الدولية.
وهنا نلفت نظر المجلس الى «مسؤوليته» في الإحالة، انطلاقًا من مبدأين:
الأول: لأن الجرائم التي تحصل والارتكابات والعنف المتمادي والعابر للحدود، بات يهدد السلم والأمن الدوليين.
الثاني: انطلاقاً من مسؤولية المجتمع الدولي عن «حماية المدنيين»، وهو المبدأ الذي أحيلت على أساسه القضية الليبية الى المحكمة الجنائية الدولية، إذ بمجرّد أن تظهر دولة ما عدم الرغبة وعدم القدرة على حماية المدنيين، فإن هذا يحتّم على المجتمع الدولي تحمّل تلك المسؤولية انطلاقًا من مبدأ «المسؤولية في الحماية» الذي أصبح منذ عام 2005، يشكّل جزءاً لا يتجزأ من القانون الدولي العام.
بيان صادر عن كلية الحقوق والعلوم السياسية والإدارية في الجامعة اللبنانية
حول العدوان على غزة وممارسات ميليشيا داعش
عميد كلية الحقوق والعلوم السياسية
والإدارية د. كميل حبيب
د. عصام إسماعيل