لا يمكن التعرف إلى «الأخ مازن»، الذي علمنا في ما بعد أن اسمه الحقيقي أنيس النقاش، إلا من خلال التعرّف إلى حقبة تاريخية غنية من حياة أمتنا مليئة بالخيبات والانتصارات، بالتشاؤم والتفاؤل، كما هي مليئة بالمحاولات والمشاريع والأفكار والنقاش السياسي والعقائدي، وكأنها مرحلة تتعرف فيها الأمة إلى ذاتها فتنتقي الطيب وتطرد الخبيث. ومن خلال هذه الجوجلة، النظرية كما العملية، تخرِج الأمة النماذج من أبنائها فترسم بهم مسار تطورها ونهوضها، ولا شك أن الأخ مازن هو رمز من هذه الرموز حيث يسجل له وضوح الرؤية في تشخيص الداء وفي تحديد الدواء منذ البدايات. ولد أنيس في شباط من عام 1951 بعد سنتين وعدة أشهر من حرب 1948 التي انتهت في أيار 1949 والتي ضاعت فيها فلسطين نتيجة هزيمة الجيوش العربية التي شاركت فيها، وما كاد يلج سن الشباب حتى أدركته هزيمة 1967 التي أسرت أحلام وآمال جيل عربي بكامله، ليرسم هذان التاريخان سر هذا الجيل من الشباب العربي وخاصة اللبناني والفلسطيني الذي حاول باللحم الحي أن يغالب الهزائم والنكسات ويرسم الطريق المطلوب سلوكه للوصول إلى الغايات المنشودة في محو آثار النكبة والانتصار على الهزيمة.
أنيس النقاش ابن بيروت التي ما فتئت منذ الاستقلال تشعر بغربتها وتحاول البحث عن نفسها في خضم ما أحاط بالأمة من كوارث بعد الحرب العالمية الأولى والانهيار الذي أصاب الدولة العثمانية بعد النكسات المتتالية التي تعرّضت لها، خاصة نتيجة وقوعها في فخ الإغراء القومي الذي مثّله النموذج الغربي. وبالتالي فقدت مشروعيتها في حكم القوميات الأخرى. هذه المشروعية التي كانت تستمدها من كونها دولة الخلافة الإسلامية. وجاءت الهزيمة التي تعرضت لها في الحرب العالمية الأولى، إلى جانب جيوش المحور، لينحسر الوجود التركي داخل الحدود المتعارف عليها حالياً ويترك المنطقة المترامية من العالم الإسلامي، التي كانت تعيش منذ أكثر من أربعة قرون في إطار ما سُمّي دولة الخلافة العثمانية، كامتداد لمؤسسة دولة الخلافة الإسلامية، وكضامن للأمن الإقليمي، ومساهم أساسي في رسم معالم الأمن العالمي، عبر تحكمها في إمبراطورية مترامية الأطراف تحيط بالبحر المتوسط من وسط أوروبا إلى غرب أفريقيا وتمتد إلى عمق آسيا، بكل خيراتها الاستراتيجية بما تحوي من مكوّنات جيوستراتيجية وطاقات بشرية ومادية وروحية.
كان أول من تأثر بهم الفتى أنيس عمّه زكي النقاش، الذي كان يجمع بصداقاته بين مختلف الاتجاهات الفكرية الموجودة في ذلك الحين، من عروبيين إلى قوميين سوريين (حيث كانت تجمعه صداقة خاصة بالزعيم أنطون سعادة) ومن قوميين إلى شيوعيين إلى إسلاميين. وفي كنف عمه كان تفتّحه على الأسئلة الكبرى التي شغلت بال وجهد هذا الجيل من المفكرين الجادين والمخلصين.
وتدرّج أنيس على مقاعد الدراسة في ثانوية «المقاصد» ثم في ثانوية رأس النبع الرسمية، وكان منذ سني تفتّحه الأولى مهتماً بالشأن الوطني العام وشارك في الكثير من النشاطات المعادية للاستعمار مثل تظاهرات التضامن مع الثورة الجزائرية والفييتنامية. ولا شك أنه تأثّر بالثورة الناصرية وتعلق بشعاراتها التحررية وعانقت روحه الحرب العدوانية على مصر والتصدي الباسل للشعب المصري لها. كذلك أحلام الوحدة العربية التي كادت ترسم تاريخاً جديداً للأمة، ومشاريع بناء السد العالي وتأميم الأراضي وتوزيعها على الفلاحين في أكبر عملية للإصلاح الاقتصادي والاجتماعي في العالم العربي. ويذكر أصدقاؤه الذين رافقوه على مقاعد الدراسة، كيف أنه من شدة حماسه قفز من فوق السور في المدرسة وذهب إلى منزله لإحضار جهاز راديو لمواكبة أحداث حرب الخامس من حزيران، وما إن انجلى غبار المعركة على هزيمة أخرى للجيوش العربية حتى كان خياره واضحاً وجلياً وهو الاستمرار بالقتال، فالهزيمة الحقيقية يتم تسجيلها عندما تسقط البنادق. من هنا بدأ المسار العملي لحياته السياسية والنضالية الذي يمكن الإضاءة فيه على مجموعة من النقاط الأساسية:
1-أنه التحق مباشرة بحركة التحرير الوطني الفلسطيني (فتح) باعتبارها في حينه طليعة القوى المقاتلة التي تحوز على المشروعية الشعبية، من حيث التفاف الشعب الفلسطيني حولها، وكذلك من خلال برنامجها الوطني الذي يتسع لمختلف التوجهات الفكرية والعقائدية، من خلال شعارها المركزي «كل البنادق نحو العدو» هذا الشعار الذي تبلور في عقل القيادة الفلسطينية بعد تجارب طويلة في صفوف الأحزاب العربية ذات المشارب الفكرية المختلفة، من حركة «الإخوان المسلمين» إلى اليسار الشيوعي مروراً بالأحزاب القومية المختلفة التي كانت تختلف على كل شيء وتتفق على عدم أخذ المبادرة لإطلاق النار على العدو تحت حجج مختلفة، من «التمكين» إلى ضرورة تحقيق الوحدة قبل الشروع بالقتال إلى القائل بضرورة إنشاء أنظمة ديموقراطية أو اشتراكية لتأمين مقوّمات القتال. ومنذ أن انطلقت الطلقة الفلسطينية الأولى عام 1965 كان على الجميع أن يضع برامجه على الرف والبحث عن مكان في هذه الحركة الصاعدة ومن كان لا يزال متردداً جعلته حرب الخامس من حزيران يأخذ موقفاً حاسماً.
2-بحسّه العفوي والفتي لم يقتنع أنيس أن القتال في فلسطين ومن أجل فلسطين هو قتال يخص الشعب الفلسطيني وحده. فالمشروع الإسرائيلي ليس معنياً فقط بأرض فلسطين بل بموقع فلسطين الاستراتيجي داخل الأمة، وهو ليس إلا جزءاً متكاملاً مع مشروع التقسيم الذي حوّل بلدان العرب إلى أقطار مقزّمة وعاجزة عن تأمين أي مقوّمات للتنمية والنهوض وحبسها عن مداها الإسلامي بحدود وحواجز من الأحلاف السياسية والبنى الإيديولوجية التي تحاول صناعة تاريخ مغاير لشعوب المنطقة، أمثال الفينيقية والبابلية والفرعونية والأمازيغية، إبعاداً لشعوب الأمة عن المكوّن المشترك لثقافتها وحضارتها. فكان قرار أنيس وكثير من أبناء جيله بالالتحاق بحركة ثورية فلسطينية قراراً في حقيقته بكسر الحدود والحواجز بين شعوب بلداننا والسعي للعمل سوياً لخلق مستقبل موحد كما كان دائماً قبل التدخل الاستعماري وكما يجب أن يكون.
3-كان ما ميز شخصية أنيس في نشاطه السياسي الطابع العملي التنفيذي الميداني، فيؤكد كل من عايشه منذ عرفه يافعاً في أواخر الستينيات حتى أواخر حياته أنه كان فتى الميدان يتابع عمله دون إحساس بالتعب والملل واليأس أمام الفشل. فإن ما يراه مهماً يجب أن يقوم بتنفيذه. فكان يعلم أن العدوان الإسرائيلي على لبنان سيستمر، ليس بسبب وجود المقاومة الفلسطينية، بل بسبب الطبيعة التوسعية الاستعمارية للكيان الصهيوني وبسبب الدور المنوط بهذا الكيان من قبل نظام الهيمنة الغربي. فكان لا بد من تهيئة جيل من الشباب الجاهز للقيام بمهمة التصدي لهذا العدوان وقتاله، فانطلق يعبّئ الشباب من موقعه في «التنظيم الطالبي لحركة فتح» للتدريب على حمل السلاح واستخدام التكتيكات القتالية المناسبة في حرب العصابات والتعرف إلى تقنيات الأسلحة ووسائل القتال الأخرى. الأمر الذي هيّأ مجموعة واسعة من الشباب للقيام بأدوار مختلفة وفي مواقع سياسية مختلفة في ما بعد.
لا يمكن اختصاره، كما تهوى وسائل الإعلام، بهذا النوع من العمليات، فهو مناضل جماهيري يضع الموقف السياسي في أساس نظرته إلى العمل العسكري


4-كان لأنيس النقاش ولتيار واسع في حركة «فتح»، وخاصة في القطاع الطالبي منها موقف واضح في رفض الحرب الأهلية اللبنانية واعتبرها فخاً يتم نصبه للمقاومة الفلسطينية عبر إدخالها في آتون صراع أهلي وإبعادها عن الجبهة الحقيقية التي يجب أن تقوم بالتركيز عليها. ولا بد من الإشارة هنا إلى أن القوى الوطنية اللبنانية الممثّلة بأحزابها السياسية وشخصياتها الوطنية التي كانت موجودة وناشطة في بداية الحرب الأهلية انقسمت إلى توجهين متمايزين بناءً على فهمها لطبيعة الحرب الأهلية وللموقف السليم الذي يجب اتخاذه منها والدور الذي يجب الاضطلاع به في خضمها:
التوجه الأول، كانت تمثله أحزاب الحركة الوطنية اللبنانية التي أنشأت قيادة مركزية لها بقيادة الراحل كمال جنبلاط والتي دعت منذ بدء الحرب في 13نيسان 1975 إلى ضرورة عزل «الكتائب» والاستمرار بالمعركة حتى تحقيق البرنامج المرحلي للحركة الوطنية المتمثل بتغيير النظام السياسي اللبناني، وذلك من خلال استراتيجية هجومية تسعى إلى توسيع نطاق الحرب ومحاصرة البيئة الطائفية الحاضنة لأحزاب الجبهة اللبنانية وإرغامها على الاستسلام. وكان لهذا التيار أنصار في الساحة الفلسطينية ممثلون بما يسمى اليسار الفلسطيني، وكذلك ما أطلق عليه اسم «يسار فتح». ومن الجدير ذكره أن ثلاثة رموز لبنانيين من أقطاب هذا التوجه هم المرحومان محسن إبراهيم وجورج حاوي وكذلك فواز طرابلسي، قد قدّموا في ما بعد نقداً ذاتياً لتبنيهم هذا التوجه.
التوجه الآخر، كان يمثله بشكل جلي التيار الوطني المستقل في «فتح» ومنظمة التحرير الفلسطينية، وكذلك سماحة الإمام السيد موسى الصدر الذي كان يرى أن استمرار الحرب الأهلية هو مصلحة للعدو الإسرائيلي الذي يسعى إلى تفتيت لبنان وإلهاء المقاومة الفلسطينية بعيداً عن دورها الحقيقي في قتال إسرائيل وإهدار للتضحيات خارج ساحتها الصحيحة. لذلك كان يرى ضرورة اعتماد استراتيجية دفاعية تردع القوى التي أشعلت الحرب عن الاستمرار فيها وتفتح لها باب التفاوض لإعادة تثبيت السلم الأهلي وبناء الدولة. وقد اختلف مع التوجه الأول حول شعار عزل «الكتائب» معتبراً أنه أفضل وصفة لتكتيل المسيحيين حول هذا الحزب. وقد عبّر السيد الصدر عن رفضه للحرب الأهلية وسعيه إلى وقفها بعدة تحركات وخطب ومواقف كان أهمها الاعتصام الذي قام به في الكلية العاملية والامتناع عن تناول الطعام لإفساح المجال أمام تهدئة النفوس ولجم القوى المندفعة في قتال طائفي لا يبقي ولا يذر. وقد التفّ حول موقف السيد الصدر مجموعة من الأحزاب القومية والتنظيمات الناصرية والشخصيات الوطنية التي كانت تعي خطورة الاستمرار في الحرب الأهلية. ومن الطرف الفلسطيني فقد كانت القيادة الفلسطينية (أبو عمار وأبو جهاد) تبدي ميلها إلى هذا الاتجاه، وكانت الحركة الطالبية اللبنانية والفلسطينية، التي تحوّلت في ما بعد إلى قطاعات عسكرية قتالية، من أكثر المتحمّسين لهذا التوجه والمقاتلين في سبيل تطبيقه وتحويله إلى موقف رسمي للقيادة الوطنية الفلسطينية واللبنانية.
5-بعد توقف الحرب الأهلية كان جهد أنيس والتيار الذي يعمل من خلاله في الحركة الطالبية اللبنانية والفلسطينية يتركز على العودة إلى جبهة الصراع الحقيقية مع العدو الإسرائيلي من خلال التموضع القتالي في الجنوب ومن خلال تهيئة الأرضية المناسبة لاستمرار المقاومة اللبنانية بعد احتلال إسرائيلي محتمل في أي وقت وتحت أي حجة. وبعد الاجتياح الإسرائيلي عام 1978، كان لا بد من العمل على تشكيل قطاعات قتالية لبنانية مستقلة عن الأطر التنظيمية الفلسطينية في سبيل الإعداد لمقاومة وطنية لبنانية تستطيع القيام بدورها بشكل مستقل. وقد أُطلق على هذا التشكيل اسم «حركة لبنان العربي-قوات الأرض»، وكان لهذه القوات تشكيلان قتاليان باسم «سرية بنت جبيل» و«سرية كفرشوبا»، غير أن ظروف العمل السياسي اللبناني في ذلك الوقت، وخاصة الدور السوفياتي في الحركة الوطنية اللبنانية والفلسطينية، ضغط بشكل حاسم لإنهاء هذا الجهد الذي كان يضم مجموعة من الأطر السياسية على امتداد الجغرافيا الطبيعية والطائفية في الساحة اللبنانية. وهكذا فبعد وأد هذا العمل فقد كان جل اهتمام أنيس وإخوته تهيئة الشباب في الجنوب للعمل السري في القرى المتاخمة للأرض الفلسطينية المحتلة وتهيئة ما يمكن تخزينه من أسلحة وذخائر كانت أول ما استخدمه المقاومون بعد الاحتلال الاسرائيلي عام 1982 وما بعده.
6-كما كان موقف أنيس النقاش في الالتحاق بصفوف الثورة الفلسطينية محاولة لتحطيم الحدود التي صنعها الاستعمار داخل الأمة. فقد كان في السياق نفسه موقفه بالالتحاق بركب الثورة الإسلامية الناهضة في إيران بقيادة الإمام الخميني، والتي شملت تردداتها كل المنطقة العربية والإسلامية. ولا بد من الإشارة إلى أنه كان على صلة وثيقة بعناصر فاعلين في المعارضة الإيرانية الذين كانت لهم أدوار هامة في صنع الثورة وكذلك في مرحلة ما بعد الانتصار.
وإذا كان موقفه الأول تجاوزاً للتجزئة القطرية، فإن موقفه في المرحلة اللاحقة كان تجاوزاً للتجزئة الإقليمية والطائفية، مبيناً بذلك عن وضوح في الرؤية الاستراتيجية للصراع على المنطقة. فالقوى المهيمنة تريد الاستمرار بالتعامل مع شعوبنا باعتبارهم ينتمون إلى قبائل وعشائر وأديان وطوائف وليس بصفتهم ينتمون إلى أمة عريقة وحضارة مجيدة يسعون إلى النهوض بأوطانهم وشعوبهم. فبنظر أنيس النقاش لا يمكن أن تنفصل المعركة ضد الهيمنة الغربية والاحتلال في أي قطر من أقطاره عن بعضها، فكل انتصار هو انتصار لشعوب الأمة بكاملها، وكل نكسة أو هزيمة في جبهة من جبهاته لها نتائج وترددات على الجبهات الأخرى. وبالتالي، فإن على كل القوى الناهضة في كل الجبهات أن تبتدع إطارات للعمل المشترك المركزي بحيث تستطيع تأمين التناغم في إدارة المعركة.
وقد رأى في كتابه الهام «الكونفدرالية المشرقية-صراع الهويات والسياسات» الصادر عن «دار بيسان» في بيروت، أنه من الضروري وضع الأولوية للأهداف السياسية على الصراعات الهوياتية. فإن البقاء تحت الشعارات القومية والطائفية يساهم بالتقسيم والتجزئة والتناحر ويقدّم صورة خدّاعة عن الصراع القائم في المنطقة. ويعتقد أن الصورة الحقيقية هي أن الصراع القائم في المنطقة هو بين جبهتين، من جهة جبهة القوى التي تقاتل لحماية منظومة الهيمنة والاحتلال الغربي لبلادنا وبالتالي حماية العروش ونواطير النفط التي تخدم مصالح الهيمنة وبعض القوى الإقليمية التي تبحث عن دور في الفراغ الذي يتركه الانسحاب الأميركي من المنطقة لمواجهة التوسع التجاري الصيني، ومن جهة أخرى جبهة التحرر الوطني التي تحاول حشد الهويات المختلفة من أجل انتصار قيم التحرر الوطني والتعاون الإقليمي وقيم العدالة والمساواة بين الشعوب والأمم وأن هذا الصراع يجب أن يتكلّل بطرد المحتلين الصهاينة وتحرير كامل التراب الفلسطيني.
7- إن مشاركة المناضل أنيس النقاش في عمليات ذات طبيعة عنفية، وخاصة كمشاركته مع المناضل الأممي كارلوس في عملية فيينا واحتجاز وزراء نفط منظمة «أوبك» عام 1975، ثم عملية محاولة اغتيال شهبور بختيار في باريس عام 1980 التي سُجن بسببها في السجون الفرنسية لمدة عشر سنوات، وقد تم إطلاق سراحه بصفقة بين السلطات الفرنسية والإيرانية، لم يكن هذا النوع من المشاركة إلا تعبيراً عن الروح القتالية العالية التي يتمتع بها هذا النوع من المناضلين الطليعيين الذين لا يبحثون عن دور بعيداً عن جبهات القتال، بل يعتبرون أن الجبهات والخنادق والعمليات الصدامية ومقارعة العدو الرئيسي وجهاً لوجه هي التي تبني المناضل الحقيقي وتعطيه مشروعية القيادة.
وهو كان يعتبر أن العدو هو الذي يمارس العنف على شعوبنا من خلال القدرات التسليحية الكبيرة التي يمتلكها ومن خلال عدم وجود رادع أخلاقي أو ديني يحول بينه وبين اقتراف التدمير والاغتيال والمجازر، وأنه لا يمكن مواجهة هذا النوع من الأعداء إلا من خلال إثبات القدرة على ردّ الصاع صاعين وإثخان العدو بالخسائر البشرية، بحيث يتراجع وينهار كما حصل في الجزائر وفي فييتنام.
لكنّ المناضل أنيس النقاش لا يمكن اختصاره، كما تهوى وسائل الإعلام، بهذا النوع من العمليات، فهو مناضل جماهيري يضع الموقف السياسي في أساس نظرته إلى العمل العسكري، وهو محبوب من قبل كل من تعامل معه.
في الختام، إن الكلام عن المناضل أنيس النقاش هو كلام عن جيل من المناضلين، منهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر، بعضهم ثبت على هذا الخط، وبعضهم أخذت به الأهواء مذاهب شتى. ولا يمكن أن نختصر الكلام حول أنيس ببضع صفحات، وندعو الشباب والمناضلين من الأجيال الجديدة إلى تتبّع هذه الحياة النضالية والتماس ما فيها من دروس وعبر، من نقاط قوة ونقاط ضعف، من انتصارات هنا ونكسات هناك، كما ندعو إلى دراسة فكره السياسي واكتشاف ما فيه من نقاط ناصعة وما فيه من عثرات على طريق نهضة أمتنا واستقلالها وصلاح شأنها.
* كاتب لبناني