وريقة صغيرة ممزقة وملطخة بكل قاذورات الكون أوصلتها لي العواصف الهابّة من قطاع غزة المحاصر تحوي خبراً، تناقلته وسائل الإعلام/ التضليل، «مشوهاً» إلى حد ما بسبب تناثر بقع دماء وأدمغة أطفال غزة ونسائها وكهولها ورجالها عليه، معطوفة على الغبار الملتصق بها والمتطاير من المباني السكنية التي دمرها العدو الصهيوني على رؤوس أصحابها الفلسطينيين، يقول إن سلطات نظام المشير السيسي، منعت قافلة أطباء أوروبية من دخول غزة لمساعدة أهلها المنكوبين على أيدي قوات العدو.
الخبر، «اللئيم» طبعاً، على تلك الوريقة، يضيف: إن قافلة طبية أوروبية نروجية توجهت إلى الجانب الإسرائيلي الذي سمح لها بدخول القطاع المنكوب لمساعدة الجرحى الفلسطينيين، عملاً بالمبدأ الغربي الاستعماري المعروف «للصديق اللصيق كل أنواع السلاح، ولعدو الصديق اللصيق الضمادات والتوابيت، من كافة الأنواع والأحجام!».
في الوقت ذاته تناقلت وسائل التضليل تلك تصريحاً أو خطاباً لسيادة المشير عدّد فيه جمايل مصر وأفضالها على العرب وقضايانا (ما يذكرنا بأحد شعارات الحملة الانتخابية «كمل جميلك» - من كان وراءها يا ترى!).
سيادة المشير، لسنا في وارد خوض مناقشات ولا الاستعانة بالانفعالات أو أي أمر من هذا. من يعطِ، لا يتحدث عما قدمه بل يترك ذلك لأصحاب الشأن. لهذا السبب ولغيره سأترك الرد على تحميل الجميلة هذا إلى أحد أكبر إعلاميي مصر، الذي انحاز إليك منذ اللحظة الأولى. هو من إعلاميين مصر الكبار النادرين الذين يذكرون فلسطين بين جملة وأخرى، ولا يملون من تذكير القراء والمشاهدين والمستمعين بأن «إسرائيل» هي عدو مصر، وستبقى.
الآن أستأذن القراء وأسمح لنفسي بالميل سريعاً إلى تعليق السيد ضرغام [!] على مقالتي في هذه الصحيفة الغراء بتاريخ 30 أيار يذكر الفلسطينيين بما قدمه الشعب العراقي وبنكران جميل الأول «تجاه شيعة العراق».

نحن الذين أضعنا
فلسطين وليست فلسطين التي أضاعت نفسها

لنغلق هذا الموضوع بالقول إن لا أحد فوض إلى السيد «ضرغام» بالحديث باسم شعب العراق، أو شيعته، كما اختار خطابه المذهبي، وليترك ذلك الشعب المظلوم في عذاباته التي سببتها قياداته القاصرة والطائفية والعميلة والغبية، والوطنية أيضاً. إن من يقدم من أعماق قلبه ينساه «لا تدع يدك اليسرى تعرف ما قدمته يدك اليمنى». أما إذا السيد «ضرغام» قدم معونة ما، وهو يشعر بالندم الآن، فليقدم على صفحات هذه الجريدة الغراء لائحة مفصلة بكل ما تبرع به هو شخصياً، وأنا على استعداد لتعويضه تعويضاً كاملاً من جيبي الخاص، بشرط أن يحل عنا هو وأضرابه.
الآن سيادة المشير؛ لست في وارد الحديث عن أوهامي وأوهام كثير من القوميين العرب، فقد تناولها زملاء من قبلي. أريد فقط العودة إلى تذكيرك بالجمايل التي استعرضتها في سياق الدفاع عن المبادرة المصرية لوقف؟ وقف ماذا؟ العدوان؟ الاقتتال؟ الاشتباك؟ الأعمال العدوانية؟ ردي سيكون بكلمات إعلامي ومفكر مصري كبير، ليس معادياً لنظامك الجديد أو لشخصك، رغم وقوفه بحدة ضد شعارات غوغائية من «كمل جميلك» وما إلى ذلك.
في تاريخ أول كانون الثاني 2009، إبان العدوان الصهيوني على قطاع غزة كتب الأستاذ إبراهيم عيسى في موقع حركة 6 أبريل، ضمن ما كتب، الآتي. نذكره حرفياً، ونعفي القارئ وأنفسنا من التعليق، ونطلب من سيادة المشير أن يقرأ بتمعن المقال الذي اختصرنا منه ما وجدنا أنه مكرر أو خارج سياق مادة هذا المقال.

■ ■ ■




إبراهيم عيسى يكتب: خيار الجاهلية... هيه كده

إما أن نكون دولة كبيرة نتصرف بما يمليه علينا المكان والمكانة، الجغرافيا والتاريخ، وإما أن نصغر ونتعامل باعتبارنا دولة محدودة الإمكانات وفارغة الهمة وملهاش دعوة!
سهلة قوي تقول لي يا سلام نعمل فيها دولة كبيرة ونفتح صدرنا وبعدين ناخد على دماغنا، كفاية ما ضحت به مصر من أجل العرب وفلسطين، فالعرب يريدون الحرب حتى آخر جندي مصري! [...] الحاصل أنه:
1ــ مصر حاربت ضد إسرائيل منذ 1948 وحتى 1973، أي خمسة وعشرين عاماً فقط، بينما حالة اللاحرب ثم السلام مستمرة منذ 35 عاماً، فالمؤكد أننا لم نطلق رصاصة واحدة من أجل فلسطين أكثر من ثلث قرن، بل وعلى مدى أكثر من نصف عمر الكيان الإسرائيلي!
2ــ إننا حاربنا إسرائيل ليس من أجل عيون فلسطين بل من أجل مصر، فإسرائيل تهديد لمصر وحرب عليها وعدوان ضدها، وإسرائيل هي التي اعتدت على مصر في 1956 واحتلت سيناء ثم انسحبت ثم اعتدت على مصر في 1967 واحتلت سيناء ولم نكن قد أطلقنا رصاصة عليها، والحرب الوحيدة التي خاضتها مصر كطرف أول وبادئ هي التي انتصرت فيها وهي حرب أكتوبر 73، وأرجو ألا ننسى أننا كأكبر جيش في الوطن العربي خسرنا نصف فلسطين في 48 وخسرنا نصفها الثاني في 67، يعني نحن الذين أضعنا فلسطين وليست فلسطين التي أضاعت نفسها، فلم يكن فيها جيش ولا دولة، بل كانت محتلة من الإنجليز في 48، ثم مصر والأردن كانتا تسيطران على غزة والضفة الغربية والقدس الشرقية في 67.
3ــ في أي بلد في الدنيا حدوده هي أمنه القومي وأي خطر على الحدود هو بمثابة التهديد الجاثم على حاضره ومستقبله والتي تملك مفاعلاً نووياً على حدودنا هي إسرائيل والتي تضع خريطتها حتى الآن على حوائط الكنيست من النيل للفرات هي إسرائيل، ومن أعجب الأمور أننا نسالمها ونسلم عليها وخريطتها تضع مصر ضمن حدود إسرائيل الكبرى، بينما نغضب من اسم قاتل السادات على شارع في طهران فنقطع علاقتنا بها منذ 28عاماً! ثم إن أي اضطراب أمني أو قلاقل عسكرية بالقرب من حدود مصر هي خطر ماثل وداهم عليها (الحرب في دارفور وجنوب السودان بل القرصنة في الصومال وما يحدث في غزة كلها شأن مصري صميم وليس موضوعاً خارجاً عن اهتمامنا أو لا يشغل بالنا).
4ــ قطع لسان اللي عايز مصر تحارب، تحارب إيه وازاي، مصر المريضة بفيروس سي والسرطان ومياه الشرب الملوثة والـ 18% بطالة... اللهم إلا دخولنا في حرب تحرير الكويت التي لا نعرف لماذا كانت هي الحرب الوحيدة التي لم يرفضها واستعد لها نظامنا المصري ودخلها متأهباً متأهلاً ولا سمعنا يومها أي فِسل من هؤلاء الذين يخرجون الآن من تحت الكراسي يحذرنا من أن العرب يريدون الحرب حتى آخر جندي مصري؟ هل لأنها كانت حرباً تحت القيادة الأميركية؟ ربما لأنها كانت ضد جيش عربي؟ ربما، فمن المستبعد أن يكون سبب حماسة النظام لها هو السعي لتحرير الكويت، فتحرير فلسطين لا يشمل هذه الحماسة المصرية (حماس إنتَ بتقول حماس يا خاين يا عميل يا عدو إسرائيل!).
فليخرج إذن من رؤوسنا حالاً هذا الوسواس الخناس الذي يزن ويطن ويسعى إلى حشوه في أذهاننا الإخوة الذين يعلموننا أن الوطنية الجديدة هي مسالمة إسرائيل ومعاداة إيران وهي التواطؤ على ضرب حزب الله في 2006 وعلى حماس في 2008 وعلى أي كيان أو جماعة أو دولة تعادي إسرائيل ولا تمسك بيد وزير خارجيتها مسكة ضامة وحانية!
مصر هكذا لا ينفع أن تقول عن نفسها أم الدنيا ثم تخلع من عيالها «أولاد الدنيا!».
نعم مصر الرسمية متواطئة مع إسرائيل وإلا فقل لي:
1ــ من يحاصر غزة ويمنع فتح المعابر تحت حجج تافهة بالمعيار القانوني وليس بالمعيار السياسي، فالقانون الدولي يجبر ويلزم المصريين بفتح المعابر.
2ــ من يصدر الغاز والبترول لإسرائيل كي تزود طائراتها ودباباتها بالوقود الكافي لإطلاق الصواريخ والقذائف على غزة (بالمناسبة استخدام هذا الوقود في تلك الهجمات يجبر مصر طبقاً للقانون الدولي على وقف التصدير لإسرائيل، ثم مصر التي تلوم أميركا على استخدام الطائرات المصنعة أميركياً في ضرب غزة عليها أن تحاسب نفسها على استخدام غازها وبترولها في ضرب غزة).
3ــ مَنْ الذي يقول إنه وسيط بين الفلسطينيين والإسرائيليين؟ منْ الذي يزعم أنه محايد بين إسرائيل وفلسطين؟ أليست مصر الرسمية التي تساوي بين القاتل والقتيل، بين الجاني والضحية، بين المحتل الغاصب والواقع تحت الاحتلال، بين الحق والباطل؟!
4ــ من الذي يستقبل وزيرة خارجية تل أبيب مبتسماً ومُقبلاً وساكتاً صامتاً وهي تهدد بضرب وحرق غزة؟ من الذي يصف القادة الصهاينة بأنهم أصدقاؤه؟!».
والله من وراء القصد ولا حول ولا قوة إلا بالله.
(للاطلاع على مقالة إبراهيم عيسى كاملة:
http://7arkt6april.blogspot.com/2009/01/blog-post_01.html)
* كاتب عربي